رئيس التحرير
عصام كامل

"ألماس ونساء".. النسيج الاجتماعي والديني في دمشق

18 حجم الخط

تحت عنوان "ألماس ونساء"، وصلت رواية الكاتبة السورية لينا هويان الحسن، إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر لهذا العام، وهي الرواية الصادرة عن دار آداب اللبنانية، وتقدم فيها الكاتبة منظورًا مختلفًا لمعاناة شعوب المنطقة؛ للحصول على الحرية بمفهومها العام والخاص، وتقدم لنا لينا معلومات ثرية تضيء النسيج الاجتماعي الدمشقي، المكون من ثلاث ديانات متجاورة هي الإسلام والمسيحية واليهودية.


وتأتي الرواية على قصة رومية "خانم" المسلمة، التي تهرب مع حبيبها اليهودي "يوسف زيلخا"، وتتزوجه في ساو باولو، وهناك تنخرط في حياة الجالية السورية، التي نقلت معها تقاليد الوطن بكل حساسياته الدينية والعرقية، فتتجلى مناكفاتهم في أبسط التفاصيل، مثل تلك الأكلة الشعبية الدمشقية التي يطلق عليها الشوام المسلمون اسم يهودي مسافر، بينما يهود الشام يطبخونها ويسمونها "مسلم هربان".

وبين الاستقلال والقرار الذاتي أو الإرادة الحرة، يندمج المفهومان سويا في كتابة تربط الخاص والعام بشكل متوازن، وتلقي الضوء على عصر النهضة العربية، حيث تتحالف الرواية مع المادة التاريخية واللغة الحكائية، بحيث تقدم نصًا سرديًا يعتبر أحد أمتع وسائل قراءة التاريخ تقنية "التاريخ المصغر ميكروهيستوري"، في تتبع النص لقصة (ألماظ) في الجزء الأول.

وألماظ هي المرأة المسيحية، ابنة تاجر السجاد الدمشقي وحفيدة بابور الهندوسية، التي تقدم ألماسة زرقاء كهدية لحفيدتها يوم زواجها من الكونت اللبناني كرم الخوري المقيم في باريس.

لكن حكاية ألماظ تأخذ مسارا مفاجئا بسبب عشقها للبيكباشي محمود التركي، حيث تجد نفسها تعبر الأطلسي في رحلة غريبة صوب البرازيل، مع قصة برلنت في الجزء الثاني، حيث ينفتح النص على آفاق رحبة غير مسبوقة فتتعدد الشخصيات المنحدرة من أصول وأعراق وديانات مختلفة كانت كلها متوحدة تحت الخلافة العثمانية، ويظهر ثراء المدينة العربية آنذاك مثل دمشق والقاهرة وبيروت، ويتضح هوس الجميع بباريس التي ربما لم تحصل على ألقها إلا من كل المهاجرين إليها مع نهايات القرن التاسع عشر.

كما ينسج النص حدوتة شيقة تعتمد على تتبع مصائر المهاجرين العرب إلى البرازيل والأرجنتين، والمصائر تتشكل من تفاصيل النسيج والأكل والطقوس، ووضع المرأة في العالم العربي، لتحتل مسألة الهوية مكانا رئيسيا في قلب النص دون الإفصاح عن ذلك، فتلقي الضوء على أكراد دمشق من خلال شخصية الأمير بوتان الكردي الذي تؤرقه هويته.

فالرواية التي تقع في 239 صفحة من القطع المتوسط، ثرية بمعلومات وأخبار تضيء النسيج الاجتماعي الدمشقي، وتؤكد "لينا" أن الرواية فن مفتوح قريب من البحث، لما تحويه روايتها من قضايا، استطاعت ببراعة فنية، أن تجعلها قضية واحدة متعددة الإشكاليات، حيث تغطي الحقبة الأكثر حساسية في تاريخ سوريا والعالم العربي، فيمتد زمنها السردي من أوائل القرن الماضي وصولا إلى ثمانينياته.

وعبر تقنيات زمنية لافتة، نجدنا أمام وثيقة لتاريخ مرحلة ومنطقة تحولات على مختلف الأصعدة، فتتخذ من قضية المرأة صندوقَ صوت تخرج منه القضايا الأخرى، وتحاول إخراجها من قمقم وضعتها فيه ظروف دينية واجتماعية وعلى رأسها الذكورية، فزادتها كبتًا وعقدًا.

وتكسر الكاتبة هذه القاعدة وتتمرد بنسائها، اللواتي اكتظت بهن الرواية، إذ استطاعت المرأة الخروج نسبيا على السائد بتمرد لافت في مجتمعات ليست مؤهلة لاستيعابه بعد، فما وصلت إليه (لطفية) هو امتداد لأحلام نساء القسم الأول من الرواية وعلى رأسهن (ألماظ) الشخصية المحورية، فليس هناك اختلاف بين أعمال النساء في قسمي الرواية سوى أن الظروف كانت ملائمة لدى نساء النصف الثاني من القرن الماضي، ولم تتوافر للسابقات.
الجريدة الرسمية