رئيس التحرير
عصام كامل

السفيرة منى عمر : مصر تمتلك آليات حسم أزمة سد النهضة .. وهناك دول تحرك الأمور من الخلف .. ومن الذكاء أن لا تدفع إثيوبيا مصر للحل العسكرى ( حوار )

السفيرة منى عمر مساعد
السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية سابقا
مصر قدمت سيناريو بديلًا للحل وهو إقامة السد على نهر ثان لكن الإثيوبيين رفضوا هذا المقترح

الدبلوماسية أساس نزع فتيل الأزمة رغم المماطلة.. ومشروع السد فكرة إثيوبية خالصة 


«حقيبة مصر الدبلوماسية لا تزال بها أوراق ضغط».. حقيقة أكدتها السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية سابقًا، عند الحديث عن أزمة سد «النهضة» الإثيوبى، واستمرار «أديس أبابا» فى رفض سيناريوهات الحل كافة، سواء تلك التى قدمتها القاهرة، أو السيناريوهات التى تبناها الجانب السودانى.

السفيرة منى عمر، تحدثت فى حوار لـ "فيتو" أيضا عن الدور المصرى الدبلوماسى منذ بداية الأزمة، وألقت الضوء على الدور الذى سبق أن لعبه رئيس الحكومة الإثيوبية السابق «زيناوي» فى الضغط على مصر بمساعدة ودعم بعض العواصم الغربية فى إطار الوصول إلى فكرة «القائد الأفريقى الأوحد» فى القارة السمراء.. وألقت الضوء أيضا على أهمية الجولات الخارجية الأفريقية التى يجريها وزير الخارجية، سامح شكرى، فى الوقت الحالى.. وكان الحوار التالى:

*بداية.. ما أحدث التطورات على أرض الواقع فيما يتعلق بأزمة السد الإثيوبى؟

أريد أن أشير أولًا إلى أن الموقف المصرى على المستوى الدبلوماسى لم يتوقف منذ بداية أزمة سد النهضة، والتحرك الذى حدث كان من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومصطفى مدبولى، رئيس الحكومة، وسامح شكرى، وزير الخارجية، لإيجاد حلول للأزمة بالشكل الذى لا يمس الثوابت وحقوق مصر فى حصتها بمياه النيل.

والتحرك يتم على المستوى الدولى وعلى المستوى الإقليمى لكسب التأييد الدولى للموقف المصرى، ورغم المحاولات الاستفزازية من الجانب الإثيوبى طوال الفترة الماضية إلا أن المسئولين المصريين يؤكدون دائما أن الخيار العسكرى غير مطروح، رغم قدرتنا على ذلك، إلا أنه لم يطرح، وأرى أنه من الذكاء أن إثيوبيا لا تدفع مصر لهذا الحل.

*بعد تحديد «أديس أبابا» يوليو المقبل موعدًا لـ«الملء الثاني».. هل لا يزال للدبلوماسية دور فى نزع فتيل الأزمة؟

الدبلوماسية هى الأساس فى نزع فتيل أزمة سد النهضة، رغم المماطلة والتحايل الذى يمارسة الجانب الإثيوبى وعدم إدراكه لخطورة البديل، والرئيس عبد الفتاح السيسى، يثير هذا الأمر على المستوى الدبلوماسى من خلال الدول العربية والغربية، ومن خلال دور وزير الخارجية ودوره مع المكتب التنفيذى لمجلس الأمن، ثم تعيين ممثل أمريكى ليتولى هذا الملف من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ونأمل أن تؤدى هذه الجهود الدبلوماسية إلى إيجاد حل حقيقى للأزمة.

*إذن.. هل يمكن القول إن «الحقيبة الدبلوماسية المصرية» لا تزال تحتفظ ببعض الأوراق؟

المفاوض المصرى بذل ما يمكنه من جهد، فقد قدم عروضًا كثيرة للجانب الإثيوبى للمساعدة فى إقامة هذا المشروع على أنهار أخرى غير النيل الأزرق، بما أنهم لديهم عدد من الأنهار الأخرى البديلة لكنهم رفضوا وبشدة، للأسف إثيوبيا اخترقت كل الاتفاقيات الدولية، وخاصة الاتفاقيات المبرمة بينها وبين مصر بعدم الضرر بحصة مصر فى المياه، ومصر أعطت فرصا كثيرة، وتساهلت فى التوقيتات التى كانت يجب أن تتخذ موقفا أكثر حزمًا من ذلك، لأنه كان واضحا من البداية تعنت إثيوبيا فى كافة المفاوضات ومماطلتها.

*صراحة.. هل لا تزال مصر تمتلك من الآليات ما يمكنها من حسم الموقف بعيدا عن التصعيد؟

 بالطبع.. مصر تمتلك الآليات التى تمكنها من الحسم، لا سيما أن موقفنا أفضل لأننا نستند لمعاهدات دولية واتفاق مبادى موقع عليه من الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، إضافة إلى وجود وثائق دولية تعتبر من يخالفها من الدول المارقة وبالتالى لدينا أكثر من درجة لإثارة القضية على المستوى الإقليمى ومجلس السلم الأفريقى، ولدى الأمم المتحدة لما تمارسه إثيوبيا من انتهاكات لحقوق الإنسان فى مصر والسودان.

*برأيك.. ما السر وراء هذا التعنت الإثيوبى فى ملف السد؟.. وهل هناك أطراف تدير الأزمة من وراء الستار؟

أعتقد أن مشروع سد النهضة فكرة إثيوبية خالصة، وإن كان من الممكن أن تكون هناك دول لها مصالح تحرك الأمور من الخلف، وهناك مقابل بالنسبة للإثيوبيين، لكننى أرى أنه هناك دوافع سياسية نابعة من رئيس الوزراء الإثيوبى الأسبق «زيناوي» الذى كان يتطلع إلى أن يكون القائد الأفريقى الأوحد فى المنطقة.

وكان يحظى بدعم من بعض العواصم الغربية، والتى اعتبرته نموذجا للزعماء الديمقراطيين من الجيل الجديد، وبالتالى لم يقف أمام تطلعاته أحد سوى مصر، هى الدولة الوحيدة التى كانت منافسة له، ولم يجد أمامه سوى المياه للضغط عليها بها، لأنه لم يستطع ضربها اقتصاديا أو عسكريا، فانتهز فترة الوهن التى حلت على مصر أثناء ثورة ٢٥ يناير والفترة التى لحقت بها، وكانت الفرصة سانحة للانقضاض على حصتها فى المياه، مستغلا الظروف الداخلية التى كانت تمر بها مصر فى ذلك الوقت، ومضاعفة السعة التخزينية للسد من 14 مليارا ونصف المليار لتصبح 74 مليار متر مكعب.

وإضافة إلى ما سبق، يتضح أن هناك إصرارًا من الجانب الإثيوبى على اتخاذ قرارات أحادية تتجاهل المواثيق الدولية، ورغم الإرادة السياسية لإيجاد حلول للأزمة إلا أن المماطلة هى الغالبة على القيادة الإثيوبية، وكلما تم الوصول لاتفاق تتراجع عنه وهذا ظهر بوضوح منذ اختيار مكتب استشارى ورفضوا فى واشنطن التوقيع بالأحرف الأولى ولم يحضرو.

وفيما يتعلق بالأطراف الخفية التى تدير الأزمة، فلا يمكن إنكار الاستفادة الإسرائيلية؛ لأنها حريصة على إضعاف مصر، لكن الحقيقة الثابتة أن مصر لن تفرط فى حقوقها التاريخية فى مياه النيل.

*وما أبرز الخطوات التى نفذتها الدبلوماسية المصرية فى ملف سد النهضة؟

كل الجولات الماضية والمستمرة حاليا هىفها إبراز لدور الدبلوماسية المصرية، وهذه الجولات ليست قاصرة على وزارة الخارجية فقط، والتى قدمت سيناريو بديلًا للحل، وهو إقامة السد على نهر ثان، إلا أن الإثيوبيين رفضوا هذا المقترح، وما زال التحرك المصرى مستمرًّا من خلال خلق رأى عام دولى للتعرف على ما يحدث فى الأزمة.

لا سيما أن الأمر لم يعد قاصرا على الدول الثلاثة فى ظل وجود أطراف دولية، وسيكون هناك توقيع عقوبات على إثيوبيا فى حالة عدم الالتزام بالقرارات والاتفاقيات الدولية، وهذا يمكنه إيجاد أمل فى حلحلة التعنت الإثيوبى تجاة الأزمة فى ظل الضغوط الدولية.

*وهل هناك عقبات تمنع الجانب الإثيوبى من التحرك باتجاه حل أزمة سد النهضة؟

نعم.. الأوضاع الداخلية فى إثيوبيا من أهم العقبات التى تواجة الحكومة هناك، فهى لا تستطيع التراجع عن المشروع، بعدما أصبح ينظر إليه من زاوية أنه مشروع قومى، وكان هناك توجيه تام لتصوير هذا المشروع على أنه المخرج الوحيد لتحقيق التنمية لإثيوبيا وتحويلها من دولة نامية إلى دولة أكثر تنمية، وهذا ما يمنع النظام الإثيوبى من اتخاذ أي خطوات باتجاه الحل.

*وهل ستظل مصر متمسكة بالخيارات الدبلوماسية؟

حتى الآن الشواهد تقول نعم، لكن عندما تسد كافة الطرق ولا يبقى من القوى الناعمة ممثلة فى الدبلوماسية شيء ويصرون على رفض كل الحلول، فمن حقنا الدفاع عن حقنا التاريخى، بل إن لجوء مصر للاتحاد الأفريقى عن طريق رئيسه السابق أو الحالى يثبت أن مصر لن تغلق كل السبل للوصول لحل الأزمة دبلوماسيا.

*وما الخيار المصرى بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة؟

الخيار المصرى يتوقف على قوة النظام الدولى فى اتخاذ موقف تجاه المماطلة الإثيوبية وعدم التزامها بالمسئولية الدولية فى فرض عقوبات متدرجة على أي دولة لا تلتزم بالقرارات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، لأننا نسعى إلى تفادى الأزمة وإقرار السلم فى القارة الأفريقية، لكن مع إقرار حقيقة ثابتة، وهى أن مصر لن تتنازل عن حقها التاريخى فى مياه النيل، ومماطلتهم فى فتح موضوعات لها علاقة بالأزمة لتشتيت الانتباه لن يحل المشكلة.

*ما الأهمية التى تمثلها جولات وزير الخارجية سامح شكرى للعديد من العواصم الأفريقية بالنسبة للأزمة؟

أهمية الجولات تكمن فى كونها تأتي فى إطار الإستراتيجية الجديدة لمصر بالنسبة لشرح الموقف المصرى والسودانى لكافة دول العالم وكسب التأييد للموقف المصرى بالنسبة لقضية سد النهضة، خاصة أنها تتضمن رسائل خاصة من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى رؤساء وقادة هذه الدول حول تطورات ملف سد النهضة، ومن الأهمية بمكان إعلامهم بمستجدات المفاوضات.

 كما أن اختيار الدول التى تتضمنها الزيارة محدد للغاية، خاصة أنها تجمع دولا أعضاء بجامعة الدول العربية مثل جزر القمر وتونس، ودول لها وزنها بالاتحاد الأفريقى مثل الكونغو الديمقراطية التى تتولى الرئاسة الحالية للاتحاد، وكينيا التى تشغل العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن ممثلة عن القارة الأفريقية.

إلا أن الدول الست محور الزيارة تستطيع التأثير ضمن الدوائر التى تتواجد فيها عندما يتعرفون على حقيقة الموقف المصرى وعدم صحة الادعاءات الإثيوبية، وبالتالى فهذه محاولة للتغيير فى الرأى العام الدولى بالنسبة لموقف مصر من الأزمة.

وهنا يجب أن نشدد على أن كافة الدول يجب أن تدرك أن مصر بذلت كافة الجهود الممكنة طيلة 10 سنوات من المفاوضات المضنية دون التوصل لحل؛ نتيجة لإصرار الجانب الإثيوبى على التمسك بموقف متعنت وجائر على الحقوق المصرية والسودانى.

*أخيرا.. هل هناك توقعات بفشل الحل الدبلوماسى فى التعامل مع الأزمة الإثيوبية؟

لن يكون هناك أبدًا أي فشل دبلوماسى؛ لأن التفاوض الدبلوماسى تسبب فى عدم تحجر الموقف حتى الآن، وتم الاتفاق حول الكثير من النقاط، لكننا لن نسمح بأي تهديد للأمن المائى المصرى، فهذا خط أحمر، خاصة أن مصر ليست فى حاجة لتطوير موقفها، لأنها قدمت بدائل وسيناريوهات عدة، ونسعى لمواجهته الرفض الإثيوبى بتكوين رأى عام أفريقى ودولى لكشف الموقف الإثيوبى المتعنت.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية