رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية قصيرة

لي جار أحال حياتي إلي جحيم وجعلني لا أعرف طعم النوم حتى إنني فكرت جديا في الرحيل من المكان الذى أعيش فيه. السبب إن هذا الجار يضع كلبا صوته عال جدا كالميكروفون خلف باب شقته بالدور الأرضي ولا يتوقف عن النباح طول النهار والليل، أمضيت عاما كاملا في مفاوضات ومحايلات واستعطافات معه لإقناعه بإجلائه لأنه جعل النوم بالنسبة لمعظم جيرانه مستحيلا ولعدم وجود أي فائدة أو منفعة له، وأبلغته أن هذا الأذي يتعارض مع الدين والأخلاق والضمير، وإنه إذا كان هو ينام زي القتيل - كما كان يقول لي - يجب أن يعرف أن هناك ناس نومها خفيف، بل كان رده "ليه ما تركبش ألوميتال عازل وشيش حصيرة في شقتك إذا كنت مش مستحمل الصوت"..


دارت الفكرة في رأسي وبالمرة أمنع عن نفسي كل الأصوات المؤذية في أوقات الصباح الباكر والليل المتأخر مثل خبط باعة الأنابيب ونداءات الباعة الجائلين وشنيور صنايعية الشقق المجاورة ومهرجانات ميكروفونات التكاتك، سألت عن التكلفة وجدتها 65 ألف جنيه للشقة كلها ولشباك غرفة النوم وحدها 8500 جنيه.

قانون تجريم اقتناء الكلاب

استبعدت الفكرة وقلت له "بدلا من أن تلزم عشرات من جيرانك بدفع مثل هذا المبلغ الكبير، لماذا لاتبني أنت له غرفة صغيرة لتخفض صوته بتكلفة لن تتجاوز ألف أو ألفين جنيه، ثم لماذا لا تتخلص منه وتريح نفسك وتريح جيرانك وتتبرع بالميزانية التي تخصصها لطعامه للغلابة والمحتاجين وتكسب ثوابا"، لكنه لم يستجب أبدا، لا هو تخلص منه ورفع الأذى، ولا هو بحث عن وسيلة لخفض صوته المرعب وقلل حجم الأذى.

تشكلت عندي عقدة من صوته حتي إنني كنت أخاف من أن تذهب عيني في النوم حتى لا أستيقظ علي صوته وصرت كالشخص المتأهب والمترقب لمن سيصفعه علي وجهه، والصفع بالنسبة لي هو صوت الكلب، فقدت الأمل وكرهت حياتي وكرهت المكان وبلغ بي اليأس أقصى مراحله، وكلما استيقظت على نباحه العالي والمؤذي ليلا فوضت أمري إلي الله وأقنعت نفسي بالتعايش معه، خصوصا أننا في مصر لا يوجد جهة أو سلطة يمكن أن تتقدم بشكوى لها لترفع عنك هذا الأذى سوى الله، ومؤخرا أصبحت أبتهل إلي الله بالدعاء علي صاحب الكلب وأقول "حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يتسبب في إيذاء جيرانه، اللهم ارفع هذا الابتلاء بحولك وقوتك".

المبتزون يتكاثرون

غير أنني منذ بضعة أيام لاحظت أن صوت الكلب اختفى.. واليوم فقط حدث ما لم يكن في الحسبان، جارى هذا ترك الشقة ورحل "عزل"، واستكتر عليا أن يبلغني ويفرحني رغم علمه المسبق منذ فترة طويلة إنه ماشي.. فرحت فرحة المجنون وقلت "ياما أنت كريم يارب".
القصد من هذه الحكاية إن ربنا كريم، ومهما بلغ بك اليأس وما تعتقد أنه صار مستحيلا يمكن أن يحققه الله بين طرفة عين وانتباهتها.
الجريدة الرسمية