رئيس التحرير
عصام كامل

الناس فى عطائهم مذاهب!

العطاء ثقافة متوارثة، يمكن اكتساب كثير من مهاراته بطريق التمرين والتدريب والتعليم.. والبداية تأتي من الأسرة، فحين يرى الطفل العطاء سلوكًا يوميا يبذله من حوله فى رضا وإيمان ينشأ سخيًّا مستعدًا للجود والبذل دون انتظار مقابل من أحد، كما أن أبواب العطاء كثيرة والكل مدعو للمشاركة فيها، كل حسب طاقته وقدرته، فإن لم يكن بالمال فبالعلم أو العمل، فالكلمة الطيبة عطاء والتجاوز عن الإساءة عطاء أيضا.


الناس فى عطائهم مذاهب؛ فمنهم -كما يقول جبران خليل جبران- من يعطون قليلًا من الكثير الذى عندهم، وهم يعطونه لأجل الشهرة، ورغبتهم الخفية فى الشهرة الباطلة تضيع الفائدة من عطاياهم، ومنهم من يملكون قليلًا ويعطونه بأسره، ومنهم المؤمنون بالحياة وبسخاء الحياة، هؤلاء لا تفرغ صناديقهم وخزائنهم ممتلئة أبدًا.

ومن الناس من يعطون بفرح، وفرحهم مكافأة لهم، ومنهم من يعطون بألم، وألمهم معموديّة لهم، وهنالك الذين يعطون ولا يعرفون معنى للألم فى عطائهم، ولا يتطلّبون فرحًا، ولا يرغبون فى إذاعة فضائلهم، هؤلاء يعطون مما عندهم كما يعطى الريحان عبيره العطر فى ذلك الوادى، بمثل أيدى هؤلاء يتكلم الله، ومن خلال عيونهم يبتسم على الأرض، جميل أن تعطى من يسألك ما هو فى حاجة إليه، ولكن أجمل من ذلك أن تعطى من لا يسألك وأنت تعرف حاجته، فإن من يفتح يديه وقلبه للعطاء يكون فرحه بسعيه إلى من يتقبل عطاياه، والاهتداء إليه أعظم منه بالعطاء نفسه.

ويتساءل جبران خليل جبران: هل فى ثروتك شيء تقدر أن تستبقيه لنفسك؟ فإن كل ما تملكه اليوم سيتفرق ولا شكّ يومًا ما، لذلك أعطِ منه الآن، ليكون فصل العطاء من فصول حياتك أنت دون ورثتك. وطالما سمعتك تقول متبجّحًا: "إنّنى أحبّ أن أعطى، ولكن المستحقين فقط".. فهل نسيت، يا صاحِ، أن الأشجار فى بستانك لا تقول قولك، ومثلها القطعان فى مراعيك؟ فهى تعطى لكى تحيا؛ لأنها إذا لم تعطِ عرّضت حياتها للتهلكة.
الجريدة الرسمية