رئيس التحرير
عصام كامل

الغابة!

وإذا "فجر" سُئلتْ: بأى ذنب قُتلتْ. وأمَّا "فجرٌ" فهى طفلة فقيرة، لم تتجاوز عامها الرابع عشر، قادها حظها العثر إلى أسوأ مصير، وهى التى لم تقترف بعدُ ذنبًا أو إثمًا. ماتتْ "فجر" غدرًا وغِيلةً، ولم ينشغل بأمرها السوشيال ميديا، ولم تنفجر مواقع التواصل الاجتماعى، ولم يغضبْ مُتسكعو الفضاء الإلكترونى، ولم ينزعج إعلام المهرجانات؛ فالفقراء لا يجلبون الإعلانات، ولا يحققون "الترافيك" المطلوب، كما مارس المجلس القومى للطفولة والأمومة دوره المعهود فى الغياب وقلة الحيلة..


وهذا المجلس لا يختلفُ كثيرًا عن المجلس القومى للمرأة، وجميع المجالس والهيئات التى تستنزف ملايين الجنيهات سنويًا، دون أن يكون لها أىُّ مُنجز أو تأثير إيجابى على المجتمع، وكأنها ارتضت لنفسها أن تكون "زى الزينة ديكور".

المصلحة تحكم

سيناريو الجريمة، التى وقعتْ منتصفَ العام الجارى، وأحيل  القاتلان إلى محكمة الجنايات، مطلع الأسبوع الجارى، يعجز عن استشرافه وتوقعه وصياغته، أكثرُ الكتاب احترافية ومهارة، حيث تجرَّد المُجرمان من أدنى درجات الإنسانية، وتجسَّدا صفاتٍ لا تعرفها الأفاعى ولا الوحوشُ الكاسرة التى تعيش فى الغابات القاحلة.

برميل معدنى ومسدس لهب وأسطوانة غاز وماسورة معدنية وكمية كبيرة من مادة "البوتاس"، أعدها القاتلان لتصفية الصغيرة التى لا تملك من أمرها شيئًا، وتذويب جسدها النحيل؛ لإخفاء جريمتهما وعدم ترك أى أثر يقود الشرطة لتوقيفهما وإحالتهما إلى القضاء؛ ليقول كلمته الأخيرة، ويصدر حكمه الحاسم، ولكن القانون لا ينص على عقوبة تُشبه فى قسوتها ما حكم به المُجرمان على تلك الصغيرة.

أمَّا دافع الجريمة- إن كنت تجهله عزيزى القارئ- فيتلخص فى أن أحد المتهمين أراد أن ينتقم من والدة الطفلة التى هجرته بعد رحلة من العشق الحرام.

العلاقات الآثمة لم تعد حصريًا على طائفة دون أخرى، الحرام صار ينخر فى جسد المجتمع، أغنياءَ وفقراء، ريفًا وحضرًا، تطبيع بعض المصريين مع الحرام صار مُزعجًا ومثيرًا للجدل والقلق.

ذهبتْ "فجر" سريعًا، قبل أن يستيقظ نهارُها، وودَّعتْ مجتمعًا مُفككًا أخلاقيًا ودينيًا، مجتمعًا يعتبر الحديث عن الفضيلة جنونًا، ويرى الكلام فى الدين  شططًا.

أولويات الإعلام!

القضية ليست قضية "فجر" وحدها، فقد ذهب كثيرون مثلها غدرًا، وضحايا الفقر والجهل والرذيلة، ولكن المسكينة فاقت أقرانها البؤساء فى طريقة القتل وتذويب جسدها الطاهر.

هذا السيناريو الغاشم قابلٌ للتكرار، فى ظل حالة التفكك الأسرى التى تضرب المجتمع المصرى، ويظهر ذلك فى العدد الجنونى لحالات الطلاق التى تكسر حاجز ربع المليون حالة سنويًا، وهى حصيلة مرشحة للزيادة دومًا، والتزاحم فى أروقة محاكم الأسرة، والإصرار على كسر التابوهات وهجر الفضائل والأخلاق الحميدة.

تخلت المساجد والكنائس عن أدوارها التربوية، وهجرت وسائل الإعلام رسالتها التنويرية، وصارت النخبة المثقفة شوكة فى ظهر المجتمع؛ بسبب ما تتبناه وتروجه من أفكار شيطانية. أرشيف الحوادث، خلال العامين الماضيين فقط، يحمل فى صفحاته كثيرًا من حالات تصفية الأطفال والصغار، كان الجانى فيها هو الأب أو الأم، أو كليهما معًا، بشكل مباشر أو غير مباشر.
إعدام "فجر" وتذويب جسدها، جرس إنذار لمجتمع يعانى انهيارًا أخلاقيًا.. أنقذوا أطفال مصر من مصير "فجر" الأسود.
الجريدة الرسمية