رئيس التحرير
عصام كامل

الأبنودي لـ "فيتو": لو تصالح المشير مع الإخوان سنقف ضده

18 حجم الخط


  • كلام حمدين لا يصلح للزمن الجديد وعليه خلع الثوب الجبس
  • سأنضم للمعارضة فور وصول المشير للحكم
  • المنافسة بين السيسي وحمدين غير متكافئة.. و"اللى ميشفش من الغربال يبقى أعمى" 
  • حمدين واقع تحت وهم الانتخاب القديمة.. والـــ 5 ملايين صوت ضد شفيق ومرسي
  • السيسي لا تشعر أنه عسكري ولديه تواضع الكبار
  • السيسي صنع مذبحة المماليك الجدد بدون إراقة دماء
  • أفتخر بطلب المشير مقابلتي بمفردي قبل المثقفين جميعا
  • مصر على حافة الهاوية.. والكلام عن تأييد المثقفين للسيسي "رفاهية فجة"
  • محترفو الوساخة السياسية وأبشع عناصر الوطني يعقدون مؤتمرات السيسي بالقرى
  • التسريبات على الفضائيات جرائم بيع علني للوطن
  • الجاسوسية أصبحت اليوم وظيفة رسمية
  • كارثة أن تكون حدودنا الوحيدة الآمنة مع إسرائيل
  • لم نر أناسا تكره الشعب المصري كالإخوان
  • التصالح مع الإخوان كلمة حقيرة
  • في الصعيد ناس لم تكن تعلم أن مبارك يحكم مصر والكل الآن يعرف السيسي
  • تسلل أصحاب الأموال والإخوان والحزب الوطني.. كارثة كبرى
  • أتمنى من الحاكم الجديد لمصر أن يعيد اكتشافها
  • مازلنا في عصر مبارك ويوم نطويه ستكون الثورة حققت أهدافها
  • الوطن راح ونريد استرداده
  • عبد الناصر كفانا شر العدو الداخلي بعدما سجن كل الإخوان المسلمين
  • عمرنا ما شاهدنا مصر ممزقة بهذا الشكل
  • السلفيون كالزئبق.. يظهرون بخلاف ما يبطنون
  • عبد الناصر لم يكن ممكنا أن يبني السد العالي إلا بالخلاص من الإخوان 
  • رعاية الأغنام هي الأب الشرعي لأشعاري 
  • الإخوان ألهموني شعرا كما لو كنت أحب نفرتيتي 
  • عبد الحليم لم يتقاض مليما واحد عن أي أغنية وطنية 
  • لن يستطيع أحد اللعب بمصير مصر أو التقليل من شأنها 
  • مازلت أعيش طفولتي وأكتب عن الوطن مثل كتابتي لحبيبتي 
  • بنتاي دخلتا غرفتي بعد إقلاعي عن التدخين وكأنهما اكتشفتا مقبرة فرعونية


حوار: عماد ماهر 

يكفي أن يُنطق اسم الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، لتستحضر الأذهان، كلمات أشعاره التي اخترقت مفارق النفس، لتكون صوت الضمير وقت الحرب والسلم، فأشعاره تعد علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي، وبصمة بل ظاهرة من الصعب تكرارها، " فيتو " التقت مع الخال وأجرت معه هذا الحوار...


*الكثيرون يرون أن السيسي خليفة عبد الناصر.. فهل من الممكن أن نري الأبنودي يكتب " الله يجازيك ياعم ناصر؟
لم أهاجم عبد الناصر إطلاقا، وإنما كتبت قصيدة "الله يجازيك ياعم عبد الناصر"، هجوم على العرب الذين يطردون المصريين، ويشغلونهم خدما، في الوقت الذي كان ينادي فيه ناصر بالقومية العربية، وهناك أصحاب مصالح يحذفون مقدمة القصيدة ويعتبرونها هجوما على ناصر.

*إذاً هل نستطيع القول إن السيسي يسير على خطي ناصر؟
لا أستطيع أن أقول هذا، عبد الناصر ابن زمنه، ولا يمكن أن نعيد نفس تجربته، وإذا أخذناها صورة طبق الأصل، نخطئ خطأ تاريخيا، فعبد الناصر صنعته ظروفه، وكان رجلا لديه إحساس كبير بالكرامة الوطنية للشعب المصري، وهي أحد مطالب ثورة 25 يناير، ولديه حب الوطن، ورجل جيش لديه حد فاصل بين التفريط والحفاظ على الوطن، أما الآن فنحن في ظروف مختلفة، لا يستطيع السيسي سجن الإخوان، بدون قانون، وفي الواقع الإخوان لم يقصروا فهم يشعلون الأمر كثيرا، ويرتكبون الأخطاء كما يتنفسون، ويقدمون الأخطاء التي تذهب بهم إلى السجون، إذا فالسيسي لا يمكن أن يكون عبد الناصر، لكنه لديه نفس الكرامة الوطنية، وسلك طريقه عندما ذهب لروسيا حينما بدأت مساومة الأمريكان له، والآن نري تغييرات في الموقف الأمريكي والأوربي تجاه الثورة المصرية، رغم أنهم يتجهون لألاعيب أخرى مثل ليبيا والسودان، فيدخلون الإرهاب من السودان ومن جوانب أخرى، بعدما تم القضاء على الإرهاب في سيناء.

*إذا.. أنت تبايع السيسي؟
نحن مع السيسي مادام الفقراء معه، والصعيد كله سينتخبه، رغم أنهم لا يعرفونه، مثل عبد الناصر الذي اتفق عليه المصريون جميعا دون أن يعرفوه، عندما قال أيها الإخوة المواطنون صدقه الجميع، فكان الناس يخرجون بالجلباب على أرصفة القطارات لاستقباله، كما يستقبلون ضوء الشمس، والسيسي نفس الأمر، لكنه في زمن لا يستطيع الخروج للناس، كما كان يخرج عبد الناصر الذي كان يركب القطارات والسيارات المكشوفة، فلم يكن مستهدفا، لكن السيسي الآن مستهدف، من دول العالم الذين تقدموا في أدوات القتل، كما نري في الشوارع بشكل يومي، ولكن نحن معه، طالما أنه على الخط المستقيم، ويعمل لأجل مصر، التي لن يستطيع أحد أن يلعب بمصيرها، أو يقلل من شأنها، سواء من الأصدقاء أو الأعداء.

*لأول مرة تجاهر بتأييد مرشح بعينه.. ما السبب؟
أول مرة لأنه لا يوجد وقت، فالبلد على حافة الهاوية، والنقاش في ذلك رفاهية فجة، وجميعنا يري مصر وأحوالها، فالاقتصاد عدم، وشباب مصر ما بين البانجو والألتراس، أو العمل لدى الإخوان بالأجر، كما انتشرت البلطجة، وعمرنا ما شاهدنا مصر ممزقة بهذا الشكل.

*تأييدك واضح للسيسي.. لكن ماذا عن حمدين صباحي؟
حمدين صديقي وانتخبته المرة السابقة، حينما رأيت أن مصر سوف تذهب للإخوان، وكان يعتقد أني معه لأننا أهل، ويؤخذ عليه خروج حملته، وشتائمها والإهانات التي توجهها للآخرين، فهو خروج على مشاعر الناس، وتفقده بعضا من شعبيته، فلن يقبل الناس التشكيك في السيسي، فالمشير تتحدث معه كأنك تتحدث مع أخيك، وليس لديه خطب قديمة محفوظة تخرج في وقتها، لكن كلام حمدين قديم، لا يصلح للزمن الجديد، وعليه خلع الثوب الجبس، ويتعامل مع الناس بجدية، فقديما حمدين عندما ذهب لأسيوط برفقة المرحوم عزازي على عزازي كانت تستقبله الجموع، لكن عندما رأيته مؤخرا في أسيوط أيضا، لم أشاهد سوي 40 أو 50 شخصا، من أصحاب البدل، وغاب الجلباب، وأغلب الظن أنهم أعضاء حملته، وهذا مؤشر زاعق أن الناس لا تقبله، كما أن حمدين يعلم تماما أنه لن ينجح، لكنه ينتظر مفارقة تاريخية تغيب السيسي عن الوجود، فالمنافسة بين الإثنين غير متكافئة بالمرة، و" اللى ميشفش من الغربال يبقي أعمي "، فهو مستعد أن يكمل لأنه لا يعلم ما تخبأه الأيام القادمة، لكن مصر الآن تحتاج للسيسي، فهو رجل قوي لديه خبرة، فقد أدار من قبل الجيش المصري، وهو أهل للثقة، وكل من تقابل معه خرج محبا له سعيدا، ولي الفخر أن الرجل طلب لقائي بمفردي قبل الإعلاميين والمثقفين جميعا.

*إذا صدق الظن.. فهل من الممكن أن يكون حمدين مرشحا رئاسيا؟
حمدين واقع تحت وهم الانتخاب القديمة، عندما حصل على 5 ملايين صوت في الانتخابات الماضية، رغم أنها هربا من شفيق ومرسي، وعلي الرغم من أن الاثنين ناصريان ويغترفان من نفس البئر، لكن أحدهما خاض معركة لا يخوضها إلا الأبطال، ووضع يده على كفه، وأزاح الإخوان المسلمين الذين ما كان من الممكن إزاحتهم، أما حمدين لم يطور فكرة الناصرية القديمة، والدليل ذهاب أبناء عبد الناصر للسيسي، كما أن ناصر ما كان ممكن أن يتصالح ويضع يده مع الإخوان، في حين نري حمدين يغازلهم بكلماته.

*وما تعليقك على خطب حمدين ووعوده ؟
خطب حمدين الرنانة، لا تخرج خارج القاعة الموجود فيها بمتر واحد، وتهدف لاقتناص التصفيق من الحضور، الذين هم أيضا أعضاء حملته، عكس السيسي الذي يتحدث عن الفقراء.

*هل تفاجأت بطلب السيسي لك لزيارته ؟
الرجل كان يريد زيارتي عندما كان وزيرا للدفاع، لأنه معجب بي وهذا شيء جميل، لأني رجل وطني وأشعاري طوال الوقت وطنية وهزته، والزيارة كانت مطلبه منذ وقت طويل، منذ زمن الإخوان، حتى قبل أن ينوي الترشح للرئاسة، فطلب أن يأتي لزيارتي بالإسماعيلية، فأصررت على الرفض، لأني رجل بسيط، ومكاني غير مؤمن، ومفتوح، وغير صالح، لاستقبال شخصية عظيمة، ومستهدفة بهذا الشكل، لكنه أصر على الزيارة، والحمد لله أن الظروف السياسية تقلبت بسرعة، فذهب في دوامة الانتخابات الرئاسية، وعندما قررت هذا العام الذهاب إلى القاهرة للاحتفال بعيد ميلادي، وتوقيع ديواني المربعات، وكانت الأهرام قد تبنت الفكرة، وهو ما لم يحدث من قبل سوي للأديب الكبير نجيب محفوظ، وقت كان هيكل رئيس تحرير الجريدة، وعندما علم السيسي، أني بالقاهرة، أصبح لامفر من لقائه في مكانه، فجاءت السيارة ووجدت نفسي أمامه، وظللنا وقتا نتحدث طويلا عن مصر وأحوالها، وشبابها وفقرائها، والخطوات السريعة التي يجب أن تتخذ، لإنقاذ البلاد، والخطوات البطيئة لخطة التنمية، وكان لقاء جميلا، والتقطت أول صورة فردية للسيسي، خاصة أن صوره دائما جماعية، وهي من دواعي فخري، وسبق أن كتبت عنه مربعا في ديوان المربعات وتناقله الشباب هذه الأيام على الفيس بوك، وكان دعمنا له ضد الإرهاب، وليس كمرشح رئاسي.

*عاصرت الرؤساء الثلاثة السابقين.. من واقع خبرتك بماذا يمتاز السيسي عن غيره؟
السيسي لم يبدأ بعد، حتى نستطيع تمييزه عن الآخرين، فجميع الرؤساء السابقين جلست معهم وأحبوني، كما أن عبد الناصر سلمت عليه ولم يكن يعرف من أنا، حينما كنا في قنا وقت السيول عام 54، وكانت سيارته الجيب غارقة للنصف، وقتها كان يقف وحيدا، حينها رأيته وسألت صديقي جمال نصار، أليس هذا جمال عبد الناصر، فأجاب أنه هو، فعبرت المياه، وذهبت إليه، وسألته أليس أنت جمال عبد الناصر، فأجاب نعم، فقلت له هل ممكن أن أسلم عليك، فانحني ونظر في عينيا، وقتها سلمت عليه وهربت مسرعا "عيناه كانت تخوف"، إنما السادات كان يريدني وزيرا، والتقيت مبارك كثيرا، وكان دائما السؤال عني في المستشفيات، فمبارك على المستوي الإنساني جيد، لكن هذا شيء ومصر شيء آخر تماما، فمبارك أهمل شعبه وفقراءه.

*ثمة تفاؤل في أغلب كلامك.. ما السبب ؟
أنا متفائل، والقادم أفضل، لكن ننتظر أن نبدأ عقب فوز السيسي، والأهم ليس نجاح المشير، لكن إيجاد حل للكارثة الكبري وهو مجلس النواب، فقد يتسلل أصحاب الأموال والإخوان والحزب الوطني، لأنهم الوحيدون الذين يمتلكون الأموال، خاصة أن الفقراء لا يملكون سوي الهواء، فلابد من حماية المجلس من المنتمين للإخوان أو الحزب الوطني أو المتعاملين معهم.

*تعليقك على أداء السلفيين؟
السلفيون كالزئبق، يدبرون ما يدبرون في خفائهم، وهم من نستطيع القول عنهم يظهرون بخلاف ما يبطنون، ولهم الكثير من المواقف المتضاربة، كما أنهم اقرب كثيرا للإخوان.

*المعارضون للسيسي يدعون أنه سوف يعمل على عسكرة الدول.. ما رأيك؟
عندما تجلس معه لا تشعر أنك مع رجل كان يوما عسكريا، كما أنه قضي أغلب حياته في المخابرات، أي يعيش حياة المدنية، ثم انتقل لقيادة الجيش لفترة قصيرة، ودائما وسط الناس، وعلامة الصلاة مميزة له، بالإضافة إلى تواضعه، لكنه تواضع الكبار.

*قضيت معظم حياتك في صف المعارضة.. هل عندما يصل السيسي للحكم سنراك أيضا معارضا؟
عندما يتولي السيسي الحكم، سأنضم للمعارضة، لأنه دور الأديب والفنان والمثقف الحقيقي هو المعارضة، وهو الدور الشريف في حياتي، لأن أحلامنا أبعد عن ما يستطيع تحقيقه السياسي، فدائما نحثه على التقدم، خاصة أننا نري الفقراء ليس كما يراه هو، ونري ثمة إجراءات أكثر مما يراها هو، لأن السياسي يتصرف ببطء، لأنه ينتقل بين تناقضات وعداءات، لكن ستكون معارضة بنائه، وفي حالة تخليه عن واجباته تجاه الأمة، سنكون في موقف العداء.

*هل تثق في فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية؟
أنا مطمئن لوصول السيسي للحكم، فالصعيد كله لا يعرف غير السيسي، مثلما كان يعرف جمال عبد الناصر، ففي الصعيد أناس لا تعلم من يحكم مصر الآن، ولا كانت تعرف مبارك، لكن الكل الآن يعرف السيسي، فهذا التأييد الكامل يؤكد أن الرجل به شيئ لله، وأراح الأمة من الإخوان، فوضعته في قلوبها، بعد أن خاب أملها فيهم، بعدما كانوا يعتقدون أنهم رجال الله وسوف يحكمون بالعدل، بل رأوا أنهم يستحوذون على كل شئ ويأخونون مصر، ويستبعدون كل من ليس معهم.

*هل تؤيد فكرة التصالح مع الإخوان؟ 
التصالح مع الإخوان كلمة حقيرة، لكن ممكن إيقاظ العلاقة مع المثقفين وغيرهم من المهتمين بالبلاد وليس الإخوان.

*وماذا لو أقدم المشير على هذه الخطوة ؟
سنقف ضده، إلا الصلح مع الإخوان الخونة، الذين لو ظلوا أكثر من ذلك ما كان بالإمكان إزاحتهم، فلم نر أناسا تكره الشعب المصري بهذه الطريقة، لكنهم ألهموني كتابة الشعر بشكل يومي، كما لو أنني أحب نفرتيتي. 

*القضية الفلسطينية استحوذت على كثير من أشعارك.. بماذا تبرر الصمت العربي الآن؟
القضية الفلسطينية، كانت محورنا جميعا في بداية ظهورنا كشعراء، ومازالت، لأن فلسطين كانت هي حدود مصر، فقضية التهامها هي قضية التهام حدود، فأي ضرر لهم هو ضرر لنا، كما علمنا عبد الناصر، فالكارثة الآن أن حدودنا الأمنة فقط هي حدودنا مع إسرائيل.

*رؤيتك لموقف قطر تجاه ثورة 30 يونيو؟ 
قطر جزء من الحركة الإمبريالية العالمية، فهي خادمة جيدة لأمريكا وإسرائيل. 

*كيف تري الحركات الشبابية والسياسية المنتشرة الآن في مصر؟ 
عمر مصر ما كان فيها هذا القدر من الجواسيس، أيام عبد الناصر، يوم ما كان يقبض على جاسوس، يبقي فضيحة الأمة، اليوم الجاسوسية أصبحت وظيفة رسمية، يحصل من خلالها على أموال، وهي من المهام القاسية جدا على الرئيس القادم، فيجب أن يقطع كل الأيادي على الحدود، ويعود الانتماء بصورة حاسمة وقاطعة.

*إذا.. أنت من مؤيدي التسريبات التي تذاع على الفضائيات؟
نعم، ويجب أن يجري فيها تحقيقات علنية واضحة المعالم، لأنها جرائم كونية، وبيع علني للوطن، باسم الثورة والثوار، من خلال الاتفاق مع الأمريكان.

* كيف تري حملة كل من السيسي وصباحي؟
البعض من أصدقائي يخبروني أن من يقيم مؤتمرات للسيسي بالقرى، هم من محترفي الوساخة السياسي، وأبشع عناصر الحزب الوطني، رغم أن السيسي نفسه قال إنه لم يطلب من أحد إقامة مؤتمرات له، وهو ما يجعلنا نقول إن حملة حمدين أنظف لكنها دائرة ضيقة لا تغادر الغرفة.

*لماذا اخترت ريف الإسماعيلية سكنا وابتعدت عن مركزية القاهرة ؟
أنا في هذا المكان عبد الرحمن الأبنودي الحقيقي، كما ولدت وعشت، أمارس نفس الأفعال التي كنت أمارسها وأنا صغير، أزرع وأتأمل شجرة، ومعي زوجتي، أقرأ كما لو لم أقرأ من قبل، عندي مساحة من الأمان والخصوصية، وعدم توقع العدوان على وقتي، ونظام حياتي، وهذا يجعلني في راحة شديدة للقراءة والكتابة، والآن اكتب أشياء من نوعية " التصنيع الثقيل"، فلم أكن استطيع كتابة " ابن عروس " والذي سيصدر قريبا عن مؤسسة الأهرام، و" المربعات "، وسط زحام القاهرة، وهو ما يعد التزام قاس لشاعر، ينتظر الإلهام والوحي يوميا، فلولا هذا الهدوء والخصوصية، التي أنعم بها في هذا المكان، ما كان من الممكن أن اكتب طوال عام الإخوان، وأغطيه كاملا بكل أحداثه ومشكلاته، ومشاعرنا تجاهه، وبكل ما فعلوه بمصر، وفعلته هي بهم، والذي جمعته في " المربعات"، الذي لا يعد كتابة تقريريه أو مباشرة، وإنما شعرا حقيقيا، ونوع من التسجيل والتدوين، لكل ما مر بنا في العام الأسود الملهم. 

*إذا هل اكتشفت وسط هذا الهدوء ما لم تكن تعرفه عن نفسك؟
اكتشفت إني طباخ شاطر، فأعد أكلي بأيدي، وعدت لأعمل طعامي القديم، الذي تعلمته من خلال رفقتي للوالدة فاطمة قنديل، خاصة أن السيدة نهال كمال لم تدخل مطبخ من قبل.

*رغم تركك للصعيد منذ زمن طويل إلا أن لهجتك وسماتك لم تتغير.. ما السر ؟
المزية والعبقرية، أنك مهما تغربت يظل الطبع المصري داخلك، لذا يتعرف المصريون على بعضهم سريعا في الغربة، فالمصري له خصائص لا تظهر على وجوه الآخرين، وصعيد الفقراء بالأخص يصنع هذا، وبالتحديد صعايدة الحقول والشقاء والفقر، والتعامل مع الطبيعة والحياة بقسوتها الحقيقية وضروراتها، فإذ لم تأتي بلقمتك سوف تموت، عكس صعيد المدن الذي شابه شيء من الزيف والاغتراب.

*كيف أثرت الحياة الريفية البسيطة في حياة الأبنودي الشاعر؟
عشت طبيعة الطفل الريفي، رعيت غنم، ومشيت وراء الحصادين، وجناة القطن، وصعدت النخيل، ليس على سبيل الرفاهية، بل لضرورات حياتيه، كما كنت محاصرا دائما بكل مأثوراتهم وبكائياتهم وغنائهم، وسمر الرجال، وتبادلهم مربعات وأشعار، وضحكات الكبار، وما احتوته من حكم كثيرة، إلى جانب أنين المرأة وحزنها التاريخي، بالإضافة إلى الملاحم والأذكار الدينية، وكنت لا أعني الاحتفاظ به، بل هو الذي لصق بي، فلو أتيح لكل أبنودي، ما أتيح لي، لكانوا جميعا شعراء كبار، وأظن أن رعاية الأغنام هي الأب الشرعي لأشعاري، فالراعي إما شاعر أو نبي، فتتاح لك فرصة للتأمل في الطبيعة التي تتشكل أمامك، ومن الذي خلق هذا الكون، ونظمه، كما كنت محاطا بغناء الشواديف والنوارج، فالغناء كان ضرورة، لتحمل أعباء العمل، وكان أشبة بإنسان آخر يقاسمهم الحمل، إلى جانب الجو الأسري، الذي ساهم في تكوين شخصيتي، وساهم كل هذا في شحني بالأدب الشعبي، وعندما انتقلت للمدينة للعيش مع والدي، وكان شيخا ومأذونا شرعيا، وضيوفه أساتذة لغة عربية، أتيحت لي فرصة التقارب من أدب التراث العربي الفصيح، إلى جانب تنبهي للشعر في وقت مبكر، وعندما عدت لأصدقائي وأحبائي في المرعي، حدث حاجز بيني وبينهم فأدركت هذا وقررت أن أكتب بلغتهم عن همومهم.

*إذا.. نستطيع القول إن طفولتك لم تكن سعيدة ؟
بل العكس، فقد مارست طفولتي بشكل طبيعي جدا، فكنت شقيا للغاية، أصعد الشجر، وأصطاد الأسماك واليمام من أجل الأكل، فأنا من أكثر الناس التي عاشت طفولة حقيقة، ومازالت طفولتي عالقة بي حتى الآن، وأمي فاطمة قنديل أيضا ماتت طفلة، بها هذا النزق الطفولي، فكانت طفولة سعيدة جدا رغم شقائها.

*متى قيل لك عيب.. حتى على السيجارة؟
كثيرا ما سمعت هذه الكلمة، والسجاير تعلمتها مع أمل دنقل، بعد ماتم تعييننا في محكمة قنا، فكان من يحب تسيير مصلحته، يقدم لنا سيجارة، وهو أفضل من الصعيد، الذي يكرم ضيوفه بالبانجو أو الحشيش والأفيون، لكن لم أكن أستطيع التدخين وسط أهلي، وظللت أدخن لفترة طويلة حتى قضى التدخين على الرئة، وعندما أقلعت عن التدخين، وفتحت غرفتي دخلت ابنتاي لأول مره، فكانت السجائر حاجزا بيني وبينهما لسنوات، وكان دخولهما أشبه باكتشاف مقبرة فرعونية، فظلا يقلبان فيها بغرابة شديدة، واكتشفت بعد ذلك أن السيجارة لعبة استعمارية حقيرة جدا.

*شعرك يعكس مدى همومك.. لكن من يجالسك يشعر أنك مختلف تماما.. ما أوجه الاختلاف؟
طول عمري مهموم بوطني جدا، ولا أحب هؤلاء الذين يقفون أمام الميكرفون ويخطبون الخطب المحفوظة، ونحن بني آدميين، لا يوجد شيء اسمه الوطن، فهو أبسط من ذلك هو يعيش بداخلنا، فكثيرون يحولون الوطن لصنم وخطب عنترية، لا قيمة لما يقولون، فليس مقبولا أن أظهر أمام الناس بصوت مرتفع إني حزين أو سعيد من أجل الوطن، ولكن شعوري داخلي، أعبر عنه بهدوء، ويظهر في أشعاري، ويشعر به الغلابة الحفاء العراة، مثل إحساس المثقف له، وأكتب عن الوطن مثل كتابتي عن حبيبتي.

*متى كنت أكثر حزنا على وطنك ؟
مرت مواقف كثيرة جدا أحسست بالحزن على الوطن، مثل النكسة، لذلك كتبت أكثر أغنية حزينة مثل "عدي النهار"، وساهمت في الحرب بأغنية "صباح الخير يا سيناء"، وفي نفس الوقت ممكن أكتب قصيدة حب في زوجتي وبناتي، فلا يوجد فواصل في الشعر، كما لا يوجد شاعر وطني، وغير وطني، لكن يوجد شاعر صادق وآخر مفتعل، وشاعر نجار وآخر صداع.

*ما الوقت الذي يكتب فيه الخال أشعاره ؟
أكتب شعري في حالة حزن أو سعادة الناس، فالشعر يأتيني بنفسه، خاصة أني متصالح مع نفسي، وأكتب الشعر لوجه الشعر، ولا أقصد فيه أحدا، وعندما انتهى من الكتابة أشعر وكأني أمتلك كنوز الدنيا، فهي المتعة الحقيقية في حياتي، فالشعر مثل الإنسان الصعيدي، إذا خنته مره يخونك للأبد.

*هل من الممكن أن يتكرر عبد الرحمن الأبنودي ثانيا ؟
مصر طراحة وسيظهر شعراء أفضل منا ألف مرة، فمصر تتقلب على ظروف مختلفة، وأزمنة أخرى، فنحن أبناء الستينيات كانت حياتنا شديدة الجدية، فكانت معارك وحروبا، وليس نحن فقط جيل عبد الناصر، بل كان هناك جيفارا، وكاسترو، ونهرو، وغاندي، فالستينيات كانت زمن عمالقة الشعر، وكانت مصر مليئة بالكتاب القامات.

*إذا.. ما رأيك شعراء الجيل الحالي؟
تتراوح الأعمال هذه الأيام ما بين الجيد وغير الجيد، لكن الزمن ليس كسابقه، فقديما كنت أكتب الشعر على مقهى " إزافتش"، يقرؤه بهاء طاهر، وصلاح عيسى، وإبراهيم فتحي، وجمال الغيطاني، وجابر عصفور، لكن الآن صعب التواصل حتى عبر التليفون.

*هل الأجواء المحيطة بك لها دور في كتابتك للشعر؟
نعم، فقد كتبت أعظم أشعاري عندما جلست وسط الصخور أثناء بناء السد العالي، وكذلك تجربة حرب الاستنزاف على خط القناة، لذا أقول عن سكان القاهرة مساكين، هيعيشوا ويموتوا فقراء الروح.

*وماذا عن السيرة الهلالية ؟
أفادتني جدا، فقد جمعتها من جبال قرب شلاتين، من أناس لا تعلم لغتهم، لذا كنت أصطحب مترجمين، وأحببت جمعها لأني كنت شاعرا جيدا، لكن سيتذكرني الناس بالسيرة الهلالية، إلا أنه ومع أني تنقلت كثيرا، إلا أني أقول مصر لم تكتشف حتى الآن، وأتمني من الحاكم الجديد أن يكتشفها، فأجمل ما قاله السيسي هي جملة "لا بد وأن نسترد مصر"، وهي الثورة الحقيقية، التي ناقشتها معه طوال جلستي، فعلينا الخروج من الوادي.

*رأيك في شباب هذه الأيام؟
شباب النت يظنون أنهم مثقفون، يعيشون على النكت والتهكم على الناس، لذلك لابد من جمع هؤلاء الشباب وتثقيفهم، ووضع أطر جديدة لإعادة تثقيفهم وتدريبهم على القراءة.

*قديما كنا نري جلسات لكبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويحضرها مئات الشباب.. لماذا اختفت هذه الأيام؟
أنا من أبناء تلك الجلسات، لكن القامات الأدبية الكبيرة مثل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، عباس العقاد، انتهت، نحن نعيش زمن ما بعد القامات، وقديما كان زمنا جماعيا، ولا يوجد احتكار للمعرفة، لكن الآن الكبير يريد أن يكون وحده، ويتخلص من الآخرين.

*هل تطرق إليك الملل من تكرار كتابتك للشعر؟ 
كل قصيدة جديدة أكتبها أشبه باسترداد البكارة، وكأني لأول مرة أكتب، فمتعة انفتاح القصيدة أمامي أغلي من أموال الدنيا، أما في لحظة أزمات الوطن،تجدني أصرخ، وأقول الشعر بشكل مباشر أو غير مباشر، ففي نجدة الوطن، تطلع الكلمات، في صورة غنوه أو موال، يتزاوج فيه الشعر والصرخة، مثل "عدي النهار".

*على ذكر "عدي النهار" ما رأيك في عبد الحليم؟
عبد الحليم كان مواطنا صالحا، واكب الثورة، تزامنا مع انطلاق أغانيه الوجدانية العاطفية، ولم يتقاض مليما واحدا أجرا لأغنية وطنية، وقت ما كان ثمن الأغنية في منوعات الإذاعة بخمسة جنيهات، وكنا في فترة الستينيات في أشد العوز إليها، لكن كان للوطن معني غال جدا، عكس أيام السادات ومبارك التي جُرفت فيه كلمات الوطن، فنحن مازلنا في عصر مبارك، ويوم نطوي عصره، حينئذ يمكن القول إن الثورة حققت أهدافها.

*الوطن كما هو.. لكن لماذا تراجعت الانتماءات ونشاهد مئات الشباب يبحثون عن الهجرة؟
في جيلنا كنا مخلصين جدا في عشق الوطن، وكنا مؤمنين، وهو ما دفعني للعيش وسط العقارب أثناء بناء السد العالي، والمدافع في حرب الاستنزاف، من أجل كتابة أغنية، لكن الآن راح الوطن، وهو ما يجعلني أقول نحن نريد استرداد مصر.

*ولماذا هاجرت يوم ضيق عليك الخناق من قبل نظام السادات؟
لم أهاجر بل دعيت لمؤتمر في تونس حول السيرة الهلالية، وقبل السفر ظلت المباحث تساومني على أصدقائي ووطني، ولما طلبت منهم عدم الاتصال بي مرة أخرى، فوجئت بعد ساعتين، باتصال يخبرني أن جواز السفر موجود بالمطار، وعلى أن أذهب لألحق بالطائرة، ومن تونس توجهت للندن، وتقابلت مع الروائي السوداني الطيب صالح وقتها كان رئيس القسم العربي في قناة "بي بي سي"، وكانت أعمل معه لجمع الأموال، ثم أعود لتونس لاستكمال السيرة.

*هل نحن على الطريق الصحيح لبناء الدولة المصرية؟ 
عبد الناصر كفانا شر العدو الداخلي، بعدما سجن كل الإخوان المسلمين، ودائما أقول إن محمد على ما كان من الممكن أن يصنع مشروعه الحضاري العظيم، إلا بعد التخلص من المماليك في مذبحة القلعة، لأنهم كانوا يمثلون حاجزا لأحلامه، وبعد ذبحهم بدأ صناعة مصر الحديثة، أيضا عبد الناصر لم يكن من الممكن أن يبني السد العالي ويأخد مواقفه ضد أمريكا وإسرائيل، إلا بالخلاص من المماليك الجدد "وهم الإخوان المسلمون" وكان زمنه يسمح بذلك، والآن جاء دور السيسي، الذي لا يستطيع أن يضعهم، في السجن فلم يعد العالم يسمح بذلك، لكنه صنع مذبحة المماليك بطريقة سلمية، بدون إراقة دماء، وكان قد طلب من مرسي وأتباعه إجراء استفتاء على رئاسة الجمهورية، وقدم حلولا كثيرة، لكنهم رفضوا بغرور واستعلاء وصلف، فاضطر لعزلهم استجابة لإرادة الملايين التي خرجت، وهو الذي يجعلني متفائل بالنسبة للسيسي، وأؤمن أن مشروعه حضاري، فمعني إزاحته للإخوان من طريقة أنه يريد تحقيق مصر ثالثة.

الجريدة الرسمية