رئيس التحرير
عصام كامل

سوزي الجنيدي تحاور مساعد وزير الخارجية للمناخ والبيئة والتنمية المستدامة.. السفير وائل أبو المجد: مصر تعاني من ارتفاع منسوب البحر.. والزراعة أبرز القطاعات المتأثرة بالتغير المناخي

سوزي الجنيدي تحاور
سوزي الجنيدي تحاور مساعد وزير الخارجية للمناخ
18 حجم الخط

عدم وجود عدالة مناخية يؤثر على تحقيق نتائج في مكافحة التغير المناخي  

التعاون في نقل التكنولوجيا في مجال التكيف مهم 

التوقعات العالية من مؤتمر البرازيل خطرة ودولة الرئاسة لا تمتلك عصا سحرية 

خريطة طريق باكو إلى "بيليم" لتحقيق هدف الـ 1.3 تريليون دولار

العالم ليس لديه تعريف عالمي لتمويل المناخ مما يسمح للبعض بالخلط بين تمويل المناخ وتمويل التنمية

أسواق الكربون جزء كبير من مستقبل التعامل الدولي ولديها مفاتيح حل أساسية في خفض الانبعاثات وتوفير التمويل 

لن أندهش إذا تعالت أصوات في القريب تطالب بأداة قانونية جديدة بدلا من اتفاق باريس 


أكد السفير وائل أبو المجد مساعد وزير الخارجية للمناخ والبيئة والتنمية المستدامة في حديثه لـ فيتو أن الأولوية التي تركز عليها مصر في مؤتمر التغير المناخي كوب ٣٠ الذي يعقد في مدينة بيليم بالبرازيل من ١٠ إلى ٢١ نوفمبر الحالي هي موضوعات التكيف، وهي أولوية لعدد كبير من الدول النامية.

وأشار إلى أن غياب العدالة في موضوعات التغير المناخي يؤثر على مدى حماس الدول في الالتزام بتقليل الانبعاثات الكربونية، لأن الدول الصناعية المتسببة في تلك الانبعاثات نجحت في فرض رؤيتها الأمر الذي يشعر الدول النامية بعدم العدالة المناخية، مشيرا إلى أن التعاون في نقل التكنولوجيا في مجال التكيف مهم.

وأضاف أن التوقعات العالية من مؤتمر البرازيل cop 30 خطرة لأن دولة الرئاسة لا تمتلك عصا سحرية وليس لديها صلاحيات وقدرات مطلقة، فالمحفل يضم 192 دولة ذات سيادة، موضحا أنه سيتم التفاهم حول خريطة طريق باكو إلى "بيليم" لتحقيق هدف جمع الـ 1.3 تريليون دولار التي أشار لها مؤتمر أذربيجان السابق كوب ٢٠٢٩، موضحا أن العالم ليس لديه تعريف عالمي لتمويل المناخ، مما يسمح للبعض بالخلط بين تمويل المناخ وتمويل التنمية،  

– هل توجد عدالة مناخية على كوكب الأرض خاصة أن الدول الصناعية التي تسببت في أزمة الكوكب تخلت عن مسؤوليتها؟

اتفق معك أن العدالة المناخية والإسهامات المحددة وطنيًا نقطتان مترابطتان بشكل أو بآخر، كما أتفق معك في مسألة عدم وجود عدالة مناخية، للأسف، أنها غير موجودة تمامًا، وبعد انخراطي في هذا الموضوع لعشر سنوات، فإنني أنظر إليه من منظورين: منظور وطني وحماية المصالح الوطنية، وهو التوجه الرئيسي، ومنظور كمواطن يعيش على هذا الكوكب، يتمنى تحقيق خفض الانبعاثات للحفاظ على الكوكب، وأجد أن المعادلة الرئيسية هي غياب العدالة. 

هناك دول يتم إجبارها على اتخاذ إجراءات صعبة، وبالتالي فيجب تشجيعها على الأداء من خلال شعورها بوجود مصلحة جماعية، لكن غياب العدالة لا يشجع أحدًا على الانخراط في عمل قد يرتب عليه أعباء. 

ولكن أي عمل، حتى لو فيه أعباء، لو شعرنا بعدالة في توزيع الأعباء، سنكون أكثر استعدادًا لتقديم أقصى ما لدينا من قدرة، ولكن عند الشعور بغياب العدالة، سنحجم عن المشاركة، وهذا فطرة إنسانية.

لذا أعتبر أن هذه النقطة هي بيت القصيد في تحديد المعادلة الرئيسية لهذه العملية، وأن تبلغ ما نصبو إليه جميعا، وترتب على ذلك أن العملية التفاوضية تحولت من روح التعاون والتكاتف في قضية جسيمة إلى مبارزة وأنانية، متمثلة في المغالاة والتمسك بتحقيق أكبر قدر من المصلحة الوطنية، ولو على حساب المقصد النهائي، وهذا لا يخدم أي قضية. 

دائمًا نقول إن التعاون الدولي جوهر العمل الجماعي الدولي، لكن لا توجد قضية لا قيمة لدور أي دولة وحدها فيها مثل هذه القضية. 

ففي مكافحة الإرهاب، قد لا يوجد تعاون دولي كافٍ، لكنْ دولتان أو ثلاث تعمل مع بعضها تستطيع أن تؤمن نفسها، لكن في هذه القضية، لو قمت بخفض الانبعاثات ووصلت إلى صفر ولم تقم بذلك باقي الدول، فلا قيمة للعمل، فقيمة التعاون الدولي تكمن في أننا فعلًا في قارب واحد، وهي ليست مجرد كليشيه، بل حقيقة علمية ثابتة، إذا لم يعمل الجميع، فالعمل كله لا قيمة له. 

يجب على الجميع أن يعمل، وأن يشعر أن العملية، حتى لو أثقلت عليه بعض الشيء، فقد يكون أفضل على المدى الطويل طالما العدالة موجودة. فغياب العدالة ليس طرفًا أو عنوانًا مثاليًا، بل يفشل المنظومة، ورأيي الذي قد لا يثير إعجاب الجميع، لكنني أرى أن العقبة الرئيسية أمام نجاح هذه العملية هو غياب العدالة لو استشعرها الجميع. وللتأكيد بمثال عملي، في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، هناك اتفاقيات لديها آليات قسرية للتأكد من الالتزام، لكن اتفاق باريس صُمم ليقوم على الإسهامات المحددة وطنيًا. 

الفرق بين اتفاقية مثل بروتوكول كيوتو، الذي حدد التزامات بخفض محدد للدول الغنية ثم الفقيرة واتفاق باريس هو أن الأخير لم يحدد التزامًا، بل أعطى لكل دولة صلاحية أن تتبرع أو تتطوع بما سمي "الالتزامات المحددة وطنيًا"، أو "الإسهامات". كلمة "إسهام" هنا ذات دلالة، فهي ليست التزامًا أو واجبًا، وهي "محددة وطنيًا". فالكلمات الثلاث تستحق التأمل. هي إسهام، وأنتِ تقررين حجم مساهمتك في هذا الجهد الكبير. طبيعة الاتفاقية تعتمد على "الرغبة"، والرغبة لن تتحقق إلا لو شعرنا بالعدل والخطر الحقيقي. 

مشكلة الموضوع هي ما يسمى بـ (البداية البطيئة)، مثل اختفاء منسوب البحر مليمترات على مدى فترة زمنية طويلة، والذي قد لا يلاحظه أحد، لكن أثره مدمر. وعلى العكس، لو رأينا إعصارًا، فسنتخذ إجراءات لمواجهته. لكن الأمور بعيدة المدى، المتعلقة بالأجيال القادمة، يصعب حشد الناس من أجلها، لأنهم يفكرون في كيفية العيش اليوم. لذا نحتاج إلى وعي وإدراك.

– ما أهم أساسيات موقف مصر بصفة عامة وفي “كوب 30” خاصة من قضية التكيف؟ 

الأولوية الطبيعية لمعظم الدول النامية، بما في ذلك مصر، هي الاهتمام الواجب لقضية التكيف،صحيح أن الشقين الأساسيين اللذين يتم دعمهما هما التخفيف والتكيف، وأن التخفيف مهم ونحن جزء من الجهد العالمي، لكن العالم المتقدم بالإضافة إلى الصين وبعض الدول النامية التي بدأت اقتصاداتها في النمو، لديها انبعاثات ضخمة جدًا،ومع مرور الوقت، ربما تحاول هذه الدول خفضها. 

أما نحن، فما زلنا في مرحلة نمو، ومن حقنا، وفقًا الاتفاقيات، أن نستمر في النمو، وهذا النمو يعني استمرار الزيادة في الانبعاثات، ونحن عيننا على محاولة أن نقلل الانبعاثات لدينا باتباع أساليب علمية والاعتماد على الطاقة المتجددة وما إلى ذلك، وبالطبع نحن نعيش في عالم محدود الموارد، ونسعى للوصول إلى مرحلة تسمح لنا بالتوقف عن التدهور والبدء في الانخفاض، مع ازدياد اعتمادنا على الطاقة المتجددة. 

نبذل جهودًا في موضوع التخفيف ولكنه ليس الأولوية الأساسية، لأننا نواجه واقعًا صعبًا، وهو الآثار السلبية للاستخدام المفرط للوقود الأحفوري على مدى ما يقرب من 150 إلى 200 سنة منذ الثورة الصناعية إلى الآن وأدى لنتائج نشعر بها في مصر، مثل ارتفاع منسوب البحر، وتأثير دورات الأمطار والمياه، وتأثير ذلك على قطاع الزراعة وكثير من المظاهر غيرها. 

لذلك، يجب علينا التكيف مع هذا الواقع، وهذا يمثل أولوية ولهذا فإن كل ما يتعلق بمناقشات التكيف يحظى باهتمام كبير.

– وماذا عن موضوع التمويل؟

الموضوع الثاني، والذي أعتبره عابرًا لكل الموضوعات وليس نقطة موضوعية مثل التكيف والتخفيف، هو التمويل، من أين سيأتي التمويل لخفض الانبعاثات؟ فلكي أخفض الانبعاثات، أحتاج إلى تمويل، سواءً جاء من دعم أجنبي، أو من مواردنا الخاصة، أو من مؤسسات تمويل، أو في شكل قروض ميسرة. ولكنه في النهاية يحتاج لتمويل لخفض الانبعاثات، ومثال بسيط على ذلك: من أجل الانتقال إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، نحتاج لاستثمارات ولكننا لدينا بالفعل استثمارات ضخمة قائمة في مجالات الوقود الأحفوري، لدينا محطات الغاز ومحطات السولار وغيرها من الوقود الأحفوري، وهي استثمارات قمنا بها من أموالنا على مدى ثلاثين أو أربعين سنة. هل يعقل بعد أن تم استثمار هذه الأموال في هذه الاستثمارات ان يطلب منا إغلاق هذه المشروعات غدًا؟ هذا يعني فقدان استثمارات، وثانيًا، التخارج من المحطات القديمة يكلف أموالًا ولهذا فنحن نحتاج إلى هذه الأموال بالإضافة إلى الأموال التي نستثمرها في مجال الطاقة المتجددة. مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وبالتالي هناك تكلفة كبيرة، لكن فرصة الحصول على تمويل لخفض الانبعاثات متاحة.

لماذا؟ لأن القطاع الخاص مستعد للاستثمار فيها لوجود فرصة ربح في مجال خفض الانبعاثات، كما يتضح من مشروع بنبان في مصر، حيث يوجد مستثمرون قطاع خاص متفاوتو الحجم والقدرة، يسعون لتحقيق الربح، لكن لا توجد فرصة استثمارية لتحقيق ربح كبير أو واضحة في مجال التكيف، فمن سيتحمل التكلفة؟ ميزانيتنا. 

لذا، فإن التمويل، سواءً لخفض الانبعاثات أو للتكيف، قضية حيوية جدًا لتطبيقها، فضلًا عن أنها قضية عدالة. أنا، بيقين علمي، لم أساهم إلا بقدر ضئيل جدًا في المشكلة وما آلت إليه الأمور، فأن أُطالب الآن بتغيير خططي التنموية وأتنازل عن حقي في تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر من أجل علاج مشكلة يكاد يكون تسبب مصر فيها منعدمًا، أمر يفتقر للعدالة. لدي أولويات تنموية مشروعة جدًا، مثل القضاء على الفقر، لكن لا يجب أن اقتطع من مشاريع الإسكان والغذاء والحقوق الأساسية للمواطن المصري من أجل علاج مشكلة لم أساهم فيها بشكل كبير. لذا، موضوع التمويل هو قضية عدالة في المقام الأول، وليست مجرد مسألة مالية.إذا التكيف والتمويل على رأس الأولويات المصرية. 

- كيف سيتم تمويل الـ 300 مليار دولار سنويًا؟ هل هناك آلية للتمويل أم مجرد كلام عام؟ وهل سيتم بحث ذلك في البرازيل؟ 

هو بالفعل كلام شديد العمومية، ولن يتم بحثه في أجندة مؤتمر كوب ٣٠ في مدينة بيليم بالبرازيل، فلا توجد آلية محددة لتمويلها، والدول المتقدمة ليست عليها التزام كمي بعدد أو رقم أو أي شيء. 

يوجد التزام في اتفاق باريس، المادة 9 الفقرة الأولى، تنص على أن الدول المتقدمة يجب أن تقوم بذلك. ولكن القصة تزداد تعقيدا، وهناك فرق بين "التوفير" و"التعبئة"، فـ"التوفير" يعني فتح خزانة الدولة وإخراج المال، أما "التعبئة" فتحتوي على الغموض.

ويمكن للدولة استخدام 100 دولار لجلب 100 دولار أخرى من بنك، و50 دولارًا من بلد آخر، و50 دولارًا من عندها، ثم تدعي أنها عبأت 500 دولار من الـ 100 دولار التي لديها. فالثلاثمائة مليار دولار ليست ثلاثمائة مليار دولار من خزانة الدول إطلاقًا، والمئة مليار السابقة لم تكن كذلك أيضًا، ونادرًا ما يأتي التمويل من الخزانة مباشرةً.

 كما أن هناك أمرا شديد الأهمية وهو أن العالم ليس لديه تعريف عالمي لتمويل المناخ، مما يسمح للبعض بالخلط بين تمويل المناخ وتمويل التنمية، بادعاء أن مشروع طريق هو طريقة للتنمية وليس تمويل مناخ، أو أن تحسين السيولة المرورية أدى لتقليل الانبعاثات وبالتالي يصنف هذا كتمويل مناخ. وبالتالي، يتم تصنيف أموال كتمويل مناخ وهي ليست كذلك بالضرورة.

– ربما يكون أكثر النقاط التي تتأثر بها مصر في موضوع التغير المناخي هي التأثير على الزراعة وزيادة نحر الشواطئ وارتفاع منسوب البحر، فهل مصر ستطرح تلك المشاكل في “كوب 30”؟ 

لا تعرض كل دولة حالتها الذاتية في مؤتمرات الكوب، ومصر وغيرها من الدول لا تقوم بعرض  حالتها بشكل ذاتي في مؤتمرات المناخ، فالمؤتمرات تناقش جدول الأعمال، وكل دولة تحدد أولوياتها، والأولوية القصوى لمصر هي موضوعات التكيف، وكل ما يتعلق بها. ومع ذلك، في معرض عرض المواقف والمعركة التفاوضية حول النصوص، يتم إبراز تأثر الدولة بالتغير المناخي، ولكن في أجندة العمل والشغل العملي على أرض الواقع، هناك محافل كثيرة موجودة لعرض حالة الدولة أو الحلول أو التجارب الجيدة، والاستفادة من تجارب الآخرين. 

لكن المفاوضات لا تتحدث عن حالة بلد، بل عن مسألة التمويل والتكييف بشكل عام.، والملف الذي ستركز عليه مصر أكثر في الكوب 30 هو التكيف، ولكن يجب الاهتمام بجميع الملفات الأخرى، خاصةً ملف التخفيف الذي يجب ألا يحمل مصر عبئًا أكبر من اللازم.

يجب البحث عن سبل للمساعدة على التكيف والتأكد من عدم تحمل مسؤوليات غير قابلة للتطبيق في مجال التخفيف، ولا يملك نتفاوض وأنا أرأس فرق التفاوض للسنة العاشرة أن يطالب فريقه المفاوض بالتركيز فقط على ملف واحد، فأولوية مصر موضوع التكييف ولكن أيضا تولي اهتماما بموضوعات التخفيف والتمويل وغيرها، فهناك عشرات الموضوعات المطروحة في المفاوضات المناخية، بما في ذلك التكنولوجيا والجندر. يجب إيلاء الاهتمام لجميع هذه الموضوعات.

– إذًا ما الموضوعات الأخرى بجانب التكيف والتمويل على أجندة مصر في مؤتمر  “كوب 30” في البرازيل؟ 

المؤتمرات عملية متصلة، وكل ما في الأمر أنها تنعقد كل سنة. هناك أمور تنجز، وأمور لا تنجز، وأمور ينجز جزء منها ثم يستكمل في المرة التي تليها. حاليًا، وبعد مؤتمر شرم الشيخ، اتخذنا خطوة جوهرية في إدراج موضوع الخسائر والأضرار واستصدار القرار اللازم بإنشاء آليات للتمويل، على أن يتم العمل على هذا الشق وتشكيل اللجان ومجلس الإدارة في مؤتمر دبي العام قبل الماضي فهي عملية مستمرة، ونادرًا ما تبدأ الأمور وتنتهي في مؤتمر واحد، والموضوعات الأساسية في مؤتمر الأطراف تتضمن "الهدف العالمي للتكيف"، والذي تم طرحه في مؤتمر شرم الشيخ ٢٠٢٢ وهو مستمر ويحتاج أن يتم حسمه والانتهاء منه في البرازيل. 

هناك أيضًا موضوع "الحصر العالمي"، ظهر له مخرجات وهناك حوارات لتفعيله لم يتم الانتهاء منه في المؤتمر الماضي في أذربيجان ويحتاج للانتهاء منه في البرازيل، وهذه أجندة أخرى مهمة جدًا، حيث ينص اتفاق باريس على إجراء حصر عالمي كل خمس سنوات لمدى التقدم المحرز، وقد بدأ تفعيل "الحصر العالمي" في سنة 2018، وفي دبي سنة 2023 كان أول حصر عالمي، ويتبعه حصر آخر في سنة 2028، وهكذا كل خمس سنوات. لكن هناك حاجة لتفعيل ما صدر من قرارات في سنة 2023 في دبي، وتحويل هذه القرارات إلى واقع ملموس. هذا الأمر يشهد خلافات كبيرة.و نأمل في حسمها في البرازيل. 

خلافات حول ماذا؟ 

الخلافات تدور حول أن "الحصر العالمي" في مؤتمر دبي كوب ٢٨ يحتوي على فقرات كثيرة جدًا، أبرزها الفقرة المتعلقة بالتخفيف، والتي جاءت وفق وجهة نظر الدول المتقدمة وتحدثت عن التخارج الكامل من الوقود الأحفوري والتخارج المتدرج من الفحم والبترول والغاز، ومضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة. 

الفقرة رقم 28 من مخرجات مؤتمر دبي أصبحت مشهورة جدًا، وكانت تركز على إجراءات التخفيف وكانت قاسية جدًا على الدول النامية، ولم تحدث تفرقة بين الدول المتقدمة والنامية، مما أزعج الدول النامية كثيرًا. 

وهناك فقرات أخرى كثيرة وبالتالي هل نُعوِّل ونُشدد ونُتابع، بل ونُعاقب أو نُجازي على عدم الالتزام بهذه الفقرة تحديدًا؟ ونحن بالطبع ندفع بالتروي في التعامل معها، والدول المتقدمة تدفع به أيضًا، وهذا هو جوهر الخلاف، وهناك موضوع ثالث كنا قد استحدثناه، اسمه برنامج عمل التحول العادل، ووجهة نظر مصر، والتي وضعناها في القرار الجامع الذي صدر عن كوب شرم الشيخ وهو إنشاء شيء يسمى ببرنامج عمل الانتقال العادل للتحول نحن نرى أنه لن تنجح هذه العملية إذا افتقرت للعدالة.

وثانيًا، نرى أنه مستحيل التعامل معها لكل الدول بمسطرة واحدة، فنحن بالطبع متفقون كعالم على أننا جميعًا يجب أن نتحول إلى نمط تنموي أكثر استدامة وأقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري لكن عملية التحول هذه في دولة كبرى تختلف عن دولة فقيرة، ودولة تعتمد على البترول غير دولة لا تعتمد على البترول، أو دولة تعتمد على البترول مثل النرويج لرفاهيتها أم دولة فقيرة جدًا وتم اكتشاف بترول لديها حديثا هل يتساوى الأمر؟ فكل هذا يستدعي أن نقوم بعمل برنامج عمل للانتقال العادل لكي نستطيع مراعاة كل خصوصيات وان تجد كل دولة المسار نحو هذا الانتقال بما يتناسب مع خصوصيتها، لأنه حتى الدول المتشابهة، لن أقارن بين ألمانيا وتشاد، بل أقارن مصر بالجزائر، فلكل بلد خصوصيته، وهما بلدان متقاربان في الظروف والاقتصاد، ولكن الجزائر لديها إمكانيات ليست لدى مصر، كما أن مصر لديها إمكانيات ليست لدي الجزائر، فبالتالي برنامج عمل الانتقال العادل هو الثالث من ضمن الموضوعات الكبيرة التي لابد من مناقشتها 
 

– كان هناك شعور بالإحباط بعد نتائج مؤتمر أذربيجان “كوب 29” بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوة في ملف التمويل، ولكن هناك شعورا بالتفاؤل أن مؤتمر “كوب 30” الذي يعقد حاليا في مدينة بيليم بالبرازيل ربما سيؤدي لنتائج أكثر إيجابية خاصة في ملف التمويل؟ 

مؤتمر أطراف معاهدة التغير المناخي، المعروف اختصارًا بـ "COP"، أو الاجتماع السنوي للأطراف الموقّعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي يناقش الموضوعات المدرجة على جدول أعماله كل عام، وهى موضوعات قد تتغير من عام لآخر، فالاهتمام بموضوع تمويل المناخ في مؤتمر باكو أذربيجان العام الماضي كوب ٢٩ لم يكن اختيارًا أذربيجانيًا، بل كان جزءًا من دورة بهدف عالمي كمي يعود لعام 2008 وينتهي في عام 2024، وبناءً عليه، كان بند مناقشة الهدف العالمي الجديد مفروضًا على المؤتمر.

وأتفق معك في أن مؤتمر باكو انتهى بتبني قرار مخيب للآمال من وجهة نظر الدول المنتظرة للتمويل، سواء من حيث الكم أو التفاصيل المتعلقة بشكل التمويل، ولم يرتقِ إلى الطموح المتوقع، ففي الوقت الذي تُطالب فيه الدول بجهود أكبر وإظهار طموح أكبر، يتم توفير تمويل أقل لها، وهذا ما أدى إلى الإحباط.

– إذا هل يتم معالجة ذلك في مؤتمر البرازيل “كوب 30”؟

على الأرجح "لا"، لسبب إجرائي، وهو عدم وجود بند يناقش ما تم إقراره في مؤتمر أذربيجان. 
 ربما هناك فرصة، ولكن من غير المرجح أن تحقق الطموح الكامل، لأن القرار الصادر، والذي لم يكن مرضيًا، تضمن رقمين: الرقم الأساسي هو استهداف حشد وتمويل وتوفير تمويل بقيمة 300 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من 2035. 

ولكن كانت هناك فقرة إضافية تشير إلى رقم 1.3 تريليون دولار، ولكنها لا تخاطب الدول بشكل مباشر، بل تشمل "كل الفاعلين"، بما في ذلك القطاع الخاص ومؤسسات التمويل وغيرها وقد دعا القرار الرئاسة الأذربيجانية والبرازيلية إلى استحداث ما يُسمى بـ "خريطة طريق باكو إلى بيليم" لتحقيق هدف الـ 1.3 تريليون دولار، وهذا ليس هدفًا إلزاميًا أو محددًا أو دقيقًا مثل هدف الـ 300 مليار دولار، وإنما هدف "تطلعي" يهدف إلى استكشاف كيفية حشد منظومة تمويلية لتوفير 1.3 تريليون دولار، وهو رقم يقترب من الاحتياجات السنوية للدول النامية لكل شيء، سواء للتخفيف أو للتكيف, وقد أرسلت مصر مؤخرًا إفادة بموقفها من ما نتصوره بشأن المخرجات الخاصة بـ "خريطة طريق باكو إلى بيليم" لتوفير 1.3 تريليون دولار من مختلف المصادر.

– هل ترى أن موقف الحكومة الحالية في البرازيل المؤيدة للقضايا المناخية يجعل  البعض يضع توقعات عالية وإمكانية تحقيق خطوات ملموسة في كوب 30؟ وما الذي يمكن بالفعل أن يحققه المؤتمر على أرض الواقع؟ 

واقعيا هناك بالفعل توقعات عالية خاصة في ظل رئاسة الرئيس سيلفا دي لولا لأن الحكومة الحالية تتبع سياسة مؤيدة لموضوعات الحد من التغير المناخي على عكس الحكومة البرازيلية السابقة التي كانت مناوئة لكل موضوعات التغير المناخي، كما أن البرازيل هي مهد الاتفاقية الإطارية المناخ التي ولدت في ريو دي جانيرو عام ١٩٩٢. 

وتمتلك البرازيل أقوى وأوسع مجتمع مدني داعم ودافع لقضايا المناخ في العالم. وفي كل مؤتمر للأطراف، يكون أكبر عدد من المشاركين تقريبًا من البرازيل وهذا الموضوع حيوي جدًا بالنسبة لهم، يضاف إلى ذلك طبيعة وشخصية الرئيس لولا، وهو رجل مقتنع جدًا بتأثير التغير المناخي وخصوصية البرازيل تكمن في أنها تضم غالبية منطقة الأمازون، التي تمثل الوجه الآخر للانبعاثات، والرئيس لولا واجه مشاكل كبيرة مع الحكومة السابقة، التي وجهت لها اتهامات وإدانات من دول كثيرة جدًا مرتبطة بعملية إزالة الغابات، فالغابات تقلل الانبعاثات لأنها تمتص ثاني أكسيد الكربون. من ناحية، فيجب تقليل الانبعاثات وتقوية عملية الامتصاص. ويكاد البعض يقول إن الانبعاثات وقطع الأشجار متساويان في خطورتهما.

لذلك، اتخذت حكومة لولا إجراءات كبيرة لوقف ما يسمى بقطع الغابات، للإجابة عن سؤال حول التوقعات الواقعية، يجب أن نقر بحقيقة أن عملية "الكوب" بدأت كمجال تفاوض حكومي، لكنها تطورت مع مرور الزمن لتشمل أطرافًا أكبر بكثير من مجرد ممثلين حكوميين يتفاوضون، ويشارك فيها ممثلين لمنظمات المجتمع المدني وغيرهم إذا اطلعتِ على وثائق الأمم المتحدة بعد كل "كوب"، ستجدين أرقامًا مهمة حول عدد الحضور، وتقسيمهم بين المفاوضات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، والبنوك والمؤسسات المالية. قد تتفاجئين بأن الممثلين الحكوميين التفاوضيين الذين يتصور البعض أن المؤتمر من أجل أن يتفاوضوا معا لا يشكلون سوى 30% من الحضور.

قد يكون ذلك سلبيا بعض الشيء لأنه يشوش على العملية التفاوضية، ولكن الأهم هو الجانب المتعلق بالتنفيذ على أرض الواقع. فالمفاوض الدبلوماسي من كل دولة يتفاوض حول نص تلتزم به الدول ولكن التطبيق الفعلي على الأرض يقوم به أصحاب المصلحة في مختلف القطاعات. عند الحديث عن خفض الانبعاثات، هناك قطاع الطاقة وقطاع النقل وقطاع البترول. وعند الحديث عن الزراعة، هناك مؤسسات وكيانات تعمل في هذا المجال.

لذا، يجب أن يكون التعويل في هذا "الكوب" على المخرجات الملموسة في مجال أجندة العمل، وليس على أجندة المسار التفاوضي. لن أقول إنه لن تكون هناك مخرجات متعلقة بالتمويل وغيره، ولكن أتوقع أن تنضم الدول والكيانات طوعًا إلى مبادرات مختلفة، كما حدث في مؤتمرات سابقة بمبادرات حول المياه والزراعة. وهذا اتجاه حميد مستمر في كل "كوب". لا أقلل من قيمة العمل الدبلوماسي، لكن هذا إقرار بواقع أن عملية التنفيذ لهذا التحول الهائل المقدم عليه العالم تعتمد على القطاعات الصناعية والزراعية والمجتمعية.

بجانب أن البرازيل تتحدث عن مبادرة ضخمة لحشد تمويل ضخم لمساعدة الدول على عدم القيام بإزالة الغابات لأنها ثروة وأي دولة تعتبرها ثروة، ففقدان الغابات الذي ليس لديه مردود اقتصادي ولكن يمكن تحويله إلى أرض زراعية، تخيلوا لو أن مصر لديها غابات بدلًا من الصحاري، ويمكن تحويلها إلى أراضٍ زراعية بسهولة، ولهذا ترى بعض الدول أن هناك ظلما في المطالبة من الدول الفقيرة بعدم استثمار الموارد السيادية لديها مثل الغابات للحفاظ على الكوكب، رغم أن الدول الأخرى تستثمر مواردها البترولية رغم الإضرار بالبيئة. 

ولهذا هناك مبادرة ضخمة بتمويل ضخم جدًا تقودها البرازيل، وتعتبر فكرة إنشاء صندوق لذلك الهدف ليست جديدة، وكانت هناك أفكار مطبقة لمساعدة وتشجيع الدول التي لديها غابات للحفاظ عليها وعدم التخلص منها،وستكون هناك مخرجات أخرى في مجالات متنوعة، بما في ذلك الضغط على الدول لتقديم المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) لتكون أكثر طموحًا. هناك الكثير من الأمور خارج الإطار التفاوضي.

– ولكن بعض الحكومات في دول كبرى مثل الإدارة الأمريكية غير مقتنعة بخطر التغير المناخي، فما تأثير السياسة على ملف التغير المناخي؟ 

المؤكد أن له تأثير لا يمكن إنكاره. فتغير المناخ يعتمد على إسهامات الجميع، ولو كانت إسهامات الجميع غير متساوية، بمعنى أن إسهامات بعض الدول أكبر من غيرها، وهي أرقام علمية ثابتة، فالدول مهتمة بانبعاثاتها، والولايات المتحدة هي ثاني أكبر حجم للانبعاثات بعد الصين، ولكنها أيضًا أكبر مساهم في توفير تمويل المناخ، وقرار الإدارة الأمريكية بالانسحاب من اتفاق باريس يضر بالجهد الجماعي، ولكنها دولة ذات سيادة، والاتفاق يسمح بالانسحاب منه، فلا توجد مخالفة، ولكن التأثير على الجهد الجماعي هو تأثير سلبي، يعيق التقدم.

والقرارات التي تتخذها الدول بشأن الانبعاثات هي قرارات سيادية تتكفل بها كل دولة، ولا أحد يستطيع أن يصادر عليها. ولكن، هل ستتأثر المنظومة ككل؟ بالتأكيد، عندما تقرر دولة، وهي ثاني أكبر مصدر للانبعاثات وأكبر مساهم في تمويل المناخ، أن تقلل أو تجمد تفاعلها معها، سيؤدي ذلك إلى إبطاء الجهود ويستدعي من الآخرين تعويض ذلك، علمًا بأن الجميع مثقل بمحاولة الوفاء بنصيبه العادل، فالخفض الكلي للانبعاثات على المستوى العالمي مهم، لأن كل دولة تفعل شيئًا يجمع كله على بعضه ويحدد ما إذا كنا مجتمعين نعمل ما يكفي أم نحتاج إلى زيادة الجرعة، فالعملية ستتأثر، وفي نفس الوقت ستوجه ضربة لمفهوم العدالة، فبمجرد أن تتنصل دولة ما من مسؤولياتها، سيتحمل غيرها ملء الفراغ، وهذا يضر بالجهود.

- كان من المفترض أن يكون تحقيق "صفر انبعاثات" هدفًا بحلول عام 2050، لكن هل الخطوات المتخذة عالميًا تجعله طموحًا أو حلمًا بعيد المنال؟ 

أى شيء يتعلق بالتنبؤ لتحقيق هدف سيكون علينا أن نكون حريصين لكثرة الظروف والمتغيرات التي قد تبطئ أو تسرّع تحقيق هذا الهدف، فالأحداث الجيوسياسية لدى الدول أو أمراض مثل جائحة كوفيد ١٩، كلها تفرض أعباء اقتصادية على الدول، وقد تبطئ الإجراءات المتخذة في مجال مكافحة التغير المناخي، لكن من جانب آخر فهناك تطورات إيجابية غير متوقعة، كتطور تكنولوجيا الطاقة المتجددة وانخفاض تكلفة الألواح الشمسية، مما يفتح آفاقًا جديدة ويغير الحسابات. 

إذًا، هناك عوامل إيجابية وسلبية تعدّل المسار باستمرار وتسعى الدول لتحقيق صفر انبعاثات بحلول تاريخ محدد، وفقًا لتقديراتها وقدراتها، وقد تتأخر أو تتقدم قليلًا، لكن الأهم هو استمرار الإرادة السياسية لتحقيق الخفض. 

من جهته، يحدد الجانب العلمي، ممثلًا في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، من خلال دراسات معمقة، ويضع مؤشرات على تجاوزنا للهدف المحدد،لخفض درجة حرارة الأرض واحد ونصف درجة ويحدد المطلوب عمله في الفترة المقبلة. لكن العبرة ليست بدولة أو اثنتين، بل يجب أن يعمل الجميع.

- ولماذا لا يوجد تعريف محدد لتمويل المناخ؟ وهل يمكن بحث ذلك في مؤتمر البرازيل؟

السبب في عدم وجود تعريف محدد هو حماية الدول المتقدمة، ولا لن يتم بحث ذلك في مؤتمر الأطراف في البرازيل، وبرغم أن هناك اعتقادا أن مؤتمر البرازيل سيحقق عدة نتائج هامة ولكن يبدو أن تلك التوقعات غير دقيقة، فالمشكلة تكمن في التوقعات العالية من المؤتمر، يعتقد الكثيرون أن دولة الرئاسة تمتلك عصا سحرية ولديها صلاحيات وقدرات مطلقة، وهذا يتغاضى عن حقيقة أن هذا المحفل يضم 192 دولة ذات سيادة. دولة الرئاسة تملك أمورًا وأدوات، لكن لها حدود وسقف، ولا تملك أن تفرض شيئًا. 

أكبر دولة في العالم مؤيدة وساعية لفرض إجراءات لا تملك أن تفرض إلا في حدود قد تكون أفضل من دولة صغيرة، لكن نتكلم في مساحة محدودة تميز ما بين رئاسة وأخرى. لا يمكن لدولة كبيرة أن تفرض شيئًا بمفردها، وأهم ما تمارسه أي دولة رئاسة هو "إدارة التوقعات"، لأنه عندما تُعلن الاتفاقات، فالصدمة تصبح كبيرة جدًا إذا لم يتم الوفاء بها. وعلى العكس، إذا تركت الاتفاقات واقعية، فستظهر النتيجة التي سيسعد الناس بها، لأنه في البداية كانت الاتفاقات عقلانية وموجودة.

- هل سيتم بحث موضوع أسواق الكربون ومبادلة الديون مقابل شهادات الكربون في كوب ٣٠؟ وما موقف مصر من موضوع أسواق الكربون؟

هناك أدوات تمويل مبتكرة تهدف إلى مساعدة الدول على التحول إلى التنمية المستدامة، ويجب النظر إليها والترحيب بها. ولكن من الصعب أن أطلب من الدول المتقدمة فقط أن تقوم بالتمويل لأن المطلوب سنويًا قد يتراوح بين أربعة وخمسة تريليونات دولار، ولا يمكن الاعتماد فقط على الدول المتقدمة لتوفير هذا المبلغ، لذا، الواقع يقتضي البحث عن مصادر تمويل متنوعة، منها القطاع الخاص من خلال خلق بيئة مواتية لتحقيق مكاسب للمستثمرين، وبالتالي يتم جذب الأموال بالسوق، بالإضافة إلى أدوار مؤسسات التمويل الدولية التنموية. 

يجب التكامل بين هذه الأدوات، بحيث يتم الحصول على جزء من التمويل من كل مصدر ممكن، وطرق جميع الأبواب وحشد التمويل من كل المصادر لتحقيق الهدف وهو 1.3 تريليون دولار سنويًا من الأدوات المالية المبتكرة، ومن بين هذه الأدوات، مبادلة الديون، حيث يتم توجيه الديون المستحقة لمشروعات خفض الانبعاثات، وهذه النماذج المالية المبتكرة لا تحل المشكلة بمفردها، ولكنها جزء من الحل، وفيما يتعلق بموقف مصر من أسواق الكربون، فمصر ترفض الإشارة لها كأداة تمويل فنحن تعتبرها أداة تخفيف وليست أداة تمويل، الهدف الأساسي من اتباع فكرة أسواق الكربون هو تداول شهادات بغرض إحداث الخفض، وقد يتوفر تمويل كأثر جانبي إيجابي. 

ومع ذلك، يجب الحذر من التعويل الزائد عليها، لأنها قد توصف أحيانًا بأنها الحل السحري، مما قد يؤدي إلى إهمال مصادر التمويل الأخرى ولكن من المؤكد أنه قد يأتي منها بعض التمويل الذي قد يخدم إجراءات خفض الانبعاثات.

كما أن موضوع أسواق الكربون معقد، فهناك أسواق طوعية وأسواق إلزامية. مصر لديها سوق طوعي ومنصة، وهذا جهد جيد كخطوة أولى نحو سوق أكثر تطورًا. يتطلب الدخول في الأسواق المعقدة الاعتراف بالأسواق المتبادلة لكي تكون للشهادات قيمة ويجوز تداولها، وهذا ما تتناوله المادة 6 من اتفاق باريس. وهي مادة معقدة كان عليها جدل وعدم اتفاق ولكن حدث بعض التطور في مؤتمر كوب ٢٩ في أذربيجان، ومؤتمر البرازيل لديه فرصة كبيرة للاستفادة بشدة من أسواق الكربون، ومن المؤكد أنه سيركز على ذلك ربما في الجزء التفاوضي أو العملي بحسب ما سيحدث في الكوب.و أسواق الكربون جزء كبير من مستقبل التعامل الدولي،و لديها مفاتيح حل أساسية في خفض الانبعاثات وتوفير التمويل.

- هناك حديث أن اتفاقية باريس لم تصل بالعالم الي ما كان يصبو إليه في مسألة مكافحة انبعاثات الغازات والتغير المناخي فهل العالم يحتاج لاتفاقية جديدة؟

هذا سؤال جيد جدًا، يجب أن نرجع فيه لنقطة طبيعة الحوكمة فهي غير قسرية بل  قائمة على فكرة الإسهامات المحددة وطنيا، كان لدينا اتفاق كيوتو قبله وفشل، فالدول الكبرى انسحبت منه ورفضت أمريكا وغيرها فكرة البيئة وإجبار الدول على التنفيذ، ففكرة القسر جيدة ومطلوبة لكن مع الدول ذات السيادة تصبح صعبة،فمثلا عصبة الأمم التي كانت موجودة، كانت أفضل ولكن تم تغييرها وإنشاء منظمة الأمم المتحدة التي نشأت لتدارك الجوانب السلبية لعصبة الأمم وإنشاء مجلس الأمن الذي يميز الدول النووي والكبرى المنتصرة وهو أحد أسباب استمرار الأمم المتحدة، فأحيانا الواقعية تكون مطلوبة.

ويبقى السؤال هل هناك إحتياج لاتفاقية جديدة؟ لن أندهش إذا تعالت أصوات في القريب أو في المستقبل تطالب بأداة قانونية أخرى، هل هذه الأصوات ستكون كافية للبدء في وضع اتفاق جديد؟ هل لو تم البدأ ستنجح؟ لا أعرف الإجابة بعد، واعتقد أن تلك الأصوات ستأتي بشكل أكبر من المجتمع البحثي والأكاديمي الذي يبحث ويحلل الوضع ويخرج بنتائج في مسالة التغير المناخي، ولكن هناك نقطة مهمة جدًا فلا بد على المشتغلين المعنيين المؤيدين لمنظومة تغير المناخ والراغبين في نجاحها أن يمارسوا قدر من ضبط النفس فيما يعلنوه من انتقادات لهذه المنظومة، لأن هناك خيطا رفيعا بين أن أنتقدها بمحاولة تقويم وإصلاح وبين أن أنتقدها بما يؤدي إلى هدمها، حقيقة الأمر تقول أنه بدون اتفاق باريس، الأرض كانت على مسار 4.5 إلى 5 درجات من ارتفاع درجة الحرارة، واتفاقية باريس وضعتنا الآن على مسار وصل إلى 2.5 درجة فقط من ارتفاع درجة الحرارة ومن المأمول أن نسير على مسار أفضل، ونقر أنه لا بد وما زال هناك الحاجة لمزيد من العمل، لكن أن أقول إن ذلك لم يحقق كل المأمول ولهذا لا بد من انتهائها أمر ليس صحيحا ولابد من الاعتدال في النظرة للأمور وأن يكون هناك مجال التقويم والتحسين.

والنقيصة الأساسية في أعين البعض هي الجزئية الخاصة بـ الاسهامات المحددة وطنيا، وتاريخيًا هي صيغة بهذا الشكل بناءً عن رغبة الولايات المتحدة تحديدًا، وإدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما كانت ترى صعوبة تمرير اتفاقية فيها إلزام و كانت الفكرة جيدة تسمح بجلب أكبر عدد من الدول الانضمام لها. وقد تحقق لها عالمية الإنضمام، فهذه واحدة من أسرع الاتفاقيات في الوصول للمعدل المطلوب في تاريخ الاتفاقات الدولية للدخول إلى حيز التنفيذ، بسبب انها تعتمد على الإرادة لكل دولة واحترام سيادة الدول ولو كانت اتفاقية تجبر كل الدول على خطوات فربما لما كان لها القدرة علي الحصول علي موافقة معظم الدول. 

– كنت سفيرا لمصر في البرازيل ولديك خبرة في التعامل معهم، فكيف ترى مدى القدرات الدبلوماسية البرازيلية لتحقيق نجاحات في المؤتمر؟ 

البرازيل لديها دبلوماسية متميزة وقدرات وإمكانيات كبيرة. على الرغم من تصنيفها كدولة نامية، إلا أنها حققت قفزات اقتصادية و تنموية هائلة. 

ويجب إدارة التوقعات في مؤتمرات المناخ، حيث إن كل دولة رئاسة تبذل قصارى جهدها لاستكمال ما بدأته الرئاسة السابقة وأن تسلمها للرئاسة التالية في مكان أفضل والبرازيل لن تحل كل المشاكل، لكن نأمل أن تدفع القضية إلى مكان أفضل. وهكذا هي عملية تراكمية ومستمرة.

– نقل التكنولوجيا نقطة مهمة جدًا، ولكن للأسف لا يتم إلقاء الضوء عليها بشكل قوي. وهذا الموضوع يفيد في مسالة تغير المناخ، لأن هناك دولا متقدمة لا تعطي الدول النامية القدرات التكنولوجية التي تساعدها على مكافحة وتحمل التغير المناخي، فهل سيتم بحث ذلك؟

في عام 1992، كنت سكرتيرًا ثالثًا في بعثة مصر الدائمة في جنيف ومسؤولًا عن ملف نقل التكنولوجيا، وتركته ثم عدت إليه بعد سنوات. وأذكر أن نفس النقاش الذي كان سائدًا في سنة 1991 حول موضوع نقل التكنولوجيا، لا يزال الآن يدور حول نقل التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية. وأنا مناصر لحقوق الملكية الفكرية، لكن المعضلة تكمن في أن الدول التي تملك التكنولوجيا تقول أنها مملوكة لشركات أنفقت عليها، مثل صناعة الدواء، وبالتالي لا يمكنها نقلها. 

إذن ما هو الحل؟ التعاون. هناك أشكال كثيرة للتعاون، وبالذات نقل التكنولوجيا في مجال التكيف، خاصة أن التكنولوجيا في مجال التكيف ليست بالضرورة غالية، لكن إدارة الموارد المائية وإدارة القطاع الزراعي بشكل أكثر فعالية من خلال التكنولوجيا المتاحة لن تكون مكلفة علي جميع الأطراف ولكن ستأتي بأثر إيجابي جدًا لكثير من الدول النامية. واحد من التكنولوجيات المهمة هي موضوع الرصد، رصد الزلازل والأرصاد الجوية. 

مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة "جو تيريش" منذ عامين مهمة جدًا، لأنه تبين أن أكثر منطقة في كوكب الأرض هي أفريقيا في جنوب الصحراء، والبشرية فيها غير مغطاة بشبكة رصد في مجال المناخ، وهذا بالغ الأهمية بالذات في الأحداث المناخية، وقد رأينا ما حدث في دارفور ووفاة ألف مواطن بسبب سقوط الأرض،فعندما تحدث سيول وأمطار صعبة أو فيضانات، الفرق بين أن أعطيك إنذارًا مبكرًا هو الفرق بين الحياة والموت، بين دمار كامل أو تضرر كبير ومجرد رصد الكارثة قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة أمر يحدث فرق كبير أى فرق بين حياة وموت للبشر في المكان وهناك جهود ومبادرات، ولكن أظن أن هناك بند نتمنى أن يدفع موضوع نقل التكنولوجيا قليلًا للإمام وبارقة أمل.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية