رئيس التحرير
عصام كامل

من متحف الفن إلى ساحة النصر.. كيف أدار السادات حرب أكتوبر من قصر محمود خليل.. يحتوي على مهبط للطائرات.. ولوحة فان جوخ "أبرز مقتنياته" (فيديو)

قصر محمود خليل بالجيزة
قصر محمود خليل بالجيزة
18 حجم الخط

على مقربة من كورنيش النيل بالجيزة، يقف قصر أثري شامخ بعمارته الفرنسية الفاخرة وحدائقه الغناء، قصر لا يشبه غيره من القصور التاريخية.. هنا، بين جدران احتضنت لوحات فان جوخ ومونيه ورينوار، وبجوار منزل رئاسي شهد إدارة أعظم معركة في التاريخ المصري المعاصر، يلتقي العشق الأبدي للفن مع النصر الأبدي في أكتوبر.

هذا هو متحف محمود محمود خليل وحرمه، القصر الذي تحول من بيت لعاشقَيْن للجمال، إلى مقر للرئاسة المصرية، بجوار المنزل الذي أدار منه الرئيس الراحل أنور السادات حرب أكتوبر المجيدة، ثم عاد ليكون واحدًا من أهم المتاحف الفنية في مصر والشرق الأوسط.

 جار شاهد على النصر.. "نافذة على النصر"

في عام 1971، قررت الدولة تحويل القصر إلى مقر رئاسي، ونُقلت المقتنيات الفنية إلى مركز الفنون بمنطقة الجزيرة في الزمالك، أصبح القصر جزءًا من المجمع الرئاسي للرئيس الراحل أنور السادات، حيث كان منزله الخاص ملاصقًا للقصر مباشرة. 

من شرفة منزله المُطلة على مهبط طائرته الهليكوبتر، وبجوار قصر محمود خليل الذي تحول إلى مقر رئاسي، أدار الرئيس الراحل أنور السادات حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. 

تابع القائد سير المعركة لحظة بلحظة، يصدر الأوامر ويتلقى التقارير، بينما كانت قواتنا تعبر القناة وتحطم خط بارليف. 

في هذا المشهد التاريخي الملهم، كان قصر محمود خليل جارًا وشاهدًا على لحظات صنع التاريخ.

القصر الذي احتضن روائع الفن العالمي، أصبح على بُعد خطوات من غرفة عمليات النصر، كأن القدر أراد أن يجمع في مكان واحد رمزين للحضارة المصرية: الفن الخالد الذي يسمو بالروح، والنصر الخالد الذي يرفع رأس الأمة. 

من هذا المشهد التاريخي الاستثنائي، يفتح القطاع الثقافي اليوم "نافذة على النصر"، ليجمع بين الذاكرة والفن، ويستعيد نبض انتصار أكتوبر في المكان الذي كان جارًا لمقر إدارة المعركة، فالقصر لم يعد مجرد متحفًا للوحات، بل أصبح شاهدًا حيًا على لحظة فارقة غيرت مجرى التاريخ.

قصة حب سبقت النصر بنصف قرن

لكن قبل أن يصبح القصر جارًا لأعظم معركة، شهد أجمل قصة حب، فخلف هذا المبنى الفخم حكاية رجل مصري من كبار الأعيان وزوجته الفرنسية، جمعتهما الفنون لتتحول حياتهما إلى معرض حي للجمال.  

وُلد محمود محمود خليل في عام 1877 لأسرة ثرية من كبار ملاك الأراضي الزراعية في مصر. 

تلقى تعليمه الأولي في القاهرة، ثم التحق بمدرسة الزراعة ليتأهل لإدارة أملاك عائلته الواسعة. لكن طموحه لم يقف عند حدود الحقول والمزارع، فقرر استكمال دراسته في فرنسا. 

سافر محمود خليل إلى باريس عام 1897 لدراسة القانون في جامعة السوربون، وهناك انفتحت أمامه نوافذ جديدة على عالم الثقافة والفنون الأوروبية. 

تعرف على المتاحف والمعارض الفنية، وبدأت تتشكل لديه رؤية مختلفة للحياة، رؤية ترى في الفن والجمال قيمة لا تقل أهمية عن الثروة المادية.

 لقاء باريسي يغير مصير القصر

في العاصمة الفرنسية، التقى محمود خليل بفتاة فرنسية تُدعى إيميلين لوكا، كانت تدرس الموسيقى وتعشق الفنون التشكيلية بشغف كبير. 

جمعتهما لغة الفن المشتركة قبل أن تجمعهما العاطفة، فكلاهما كان يرى في اللوحات والتماثيل نوافذ على الروح الإنسانية.

تزوج الثنائي في عام 1901، وبدأت رحلتهما في جمع الأعمال الفنية من أشهر صالات العرض الأوروبية، لم يكن هدفهما مجرد الاقتناء، بل كان شغفًا حقيقيًا بالحفاظ على روائع الفن العالمي، أنفقا جزءًا كبيرًا من ثروتهما على شراء لوحات أصلية لعمالقة الانطباعية والواقعية الفرنسية.

 القصر يتحول إلى معرض فني حي

عاد الزوجان إلى مصر عام 1918، واستقرا في قصرهما الفخم الذي بُني على الطراز الفرنسي الكلاسيكي في منطقة الجيزة. لم يكن القصر مجرد مسكن فاخر، بل تحول تدريجيًا إلى صالون ثقافي يستقبل كبار الفنانين والمثقفين المصريين والأجانب. 

علقت على جدران القصر لوحات أصلية لأساتذة الفن العالمي مثل فان جوخ، مونيه، رينوار، جوجان، ديجا، وبيسارو، كما ضم القصر تماثيل برونزية ورخامية نادرة، وقطعًا من الخزف الصيني والأوروبي الفاخر، إضافة إلى سجاد فارسي نفيس وأثاث فرنسي أنيق. 

كان محمود خليل رجلًا عامًا أيضًا، فقد شغل منصب رئيس مجلس الشيوخ المصري لفترتين، وكان عضوًا بارزًا في الحياة السياسية والاجتماعية، لكن حبه للفن ظل هو الخيط الذي ينسج حياته وعلاقته بزوجته. 

هذا القصر الذي خلدته السينما المصرية في فيلم "الأيدي الناعمة"، حيث صُورت بعض مشاهده الخارجية في حدائقه الفسيحة، كان يحمل بين جدرانه قصة استثنائية ستتحول إلى إرث ثقافي يفتخر به المصريون. 

 وصية الخلود.. القصر هدية لمصر

توفي محمود خليل في باريس عام 1953، وترك وصية واضحة بأن يُدفن في مصر، وأن تُحفظ مقتنياته الفنية للأجيال القادمة. بعد سبع سنوات، في عام 1960، توفيت زوجته إيميلين وكررت في وصيتها رغبة زوجها بأن يتحول القصر إلى متحف عام. 

استجابت الحكومة المصرية للوصية، وفي عام 1962 افتُتح متحف محمود خليل رسميًا أمام الجمهور، ليصبح واحدًا من أهم المتاحف الفنية في مصر. ضم المتحف في البداية أكثر من 240 لوحة زيتية أصلية و400 تحفة فنية ما بين تماثيل وقطع خزفية ونحاسية نادرة.

لكن كان على القصر أن يعيش فصلًا تاريخيًا آخر قبل أن يعود إلى دوره الثقافي.

 سنوات المجمع الرئاسي وشهادة على التاريخ

ظل القصر مقرًا رئاسيًا لمدة 15 عامًا تقريبًا، كان خلالها جزءًا من المجمع الرئاسي الملاصق لمنزل الرئيس السادات، وشهدت هذه المنطقة التحضير لحرب أكتوبر وإدارتها من المنزل المجاور، ثم اتفاقية السلام.

بعد وفاة السادات عام 1981، بدأت جهود استعادة المتحف، أُعيد افتتاح المتحف عام 1995 في احتفالية كبيرة حضرها مثقفون وفنانون ودبلوماسيون. 

عادت اللوحات والتماثيل إلى مكانها الأصلي، واستعاد القصر دوره كمنارة ثقافية، لكنه لم يعد مجرد متحف للفن، بل أصبح رمزًا يحمل ذاكرة مزدوجة: ذاكرة عشق الجمال وذاكرة الجوار مع بيت النصر.

 كنوز فنية لا تُقدر بثمن

يضم المتحف اليوم مجموعة استثنائية من الأعمال الفنية، من بينها 25 لوحة للمدرسة الانطباعية الفرنسية، تشمل أعمالًا نادرة لـمونيه، رينوار، سيسلي، وبيسارو، إضافة إلى لوحات لفنانين من مدارس أخرى مثل جوجان، فان جوخ، تولوز لوتريك، وكوربيه.

كما يحتوي المتحف على تماثيل لنحاتين عالميين مثل رودان، ومجموعة من التحف الشرقية والصينية النادرة، ومكتبة فنية تضم مئات الكتب والمراجع المتخصصة في تاريخ الفن. 

المتحف مُقسم إلى عدة قاعات، كل منها مخصص لمدرسة فنية أو فترة زمنية معينة، مما يتيح للزائر رحلة بصرية متكاملة عبر تاريخ الفن الأوروبي من القرن الثامن عشر حتى بدايات القرن العشرين.

 أزمة السرقة الشهيرة

في عام 2010، تعرض المتحف لحادثة سرقة مدوية هزت الوسط الثقافي المصري والعالمي، حيث سُرقت لوحة "الخشخاش" للفنان فان جوخ التي تُقدر قيمتها بـ55 مليون دولار، إضافة إلى عدة لوحات أخرى. أثارت الحادثة تساؤلات حول أمن المتاحف المصرية، ورغم الجهود المبذولة، لم تُستعد اللوحة حتى الآن.

 قصر يحمل ذاكرة مزدوجة

اليوم، يستقبل متحف محمود خليل آلاف الزوار سنويًا من مختلف الجنسيات. يتجول الزائر بين قاعاته ويشعر بأنه يعيش في قلب ثلاث قصص متداخلة:

الأولى: قصة حب استثنائية بين محمود خليل وإيميلين، حب جمع بين ثقافتين مختلفتين لكنهما اتفقا على أن الفن لغة عالمية تتجاوز الحدود والأزمنة.

الثانية: ذكرى الجوار مع بيت النصر، حين كان هذا القصر جزءًا من المجمع الرئاسي الملاصق لمنزل الرئيس السادات الذي أدار منه حرب أكتوبر المجيدة، وكانت شرفته المُطلة على مهبط الطائرة الهليكوبتر تشهد اللحظات الحاسمة في تاريخ مصر المعاصر.

الثالثة: مسيرة ثقافية تمتد لأكثر من 60 عامًا، حافظت فيها مصر على إرث فني عالمي، وحولت وصية زوجين إلى واقع يفخر به كل مصري.

الأثاث الأصلي ما زال محفوظًا، والثريات الكريستالية تتدلى من الأسقف العالية، والسجاد الفارسي يفرش الأرضيات. في كل ركن من أركان القصر، تشعر بحضور محمود خليل وإيميلين، وتستحضر أن هذا المكان كان جارًا لبيت شهد إدارة أعظم معركة في تاريخنا الحديث.

"نافذة على النصر" التي يفتحها القطاع الثقافي اليوم ليست مجرد مبادرة، بل هي استعادة لروح المكان الذي جمع بين عشق الفن وعزة الوطن، المكان الذي كان جارًا لبيت القائد، هنا، لا يموت الجمال ولا تُنسى البطولة، بل يحيا كلاهما ويتجدد مع كل زائر يدخل من بوابة القصر، يتأمل اللوحات، ويتذكر أن هذه الجدران كانت على بُعد خطوات من المكان الذي انطلقت منه أوامر النصر العظيم. 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية