رئيس التحرير
عصام كامل

معركة السفارات.. الكارت الأخير لـ «إخوان لندن».. الجيل الثالث للجماعة يلجأ إلى أسلحة جديدة.. عواجيز التنظيم في محنة تاريخية.. والعاصمة البريطانية منفى سياسي للإسلاميين منذ الستينيات

الكارت الأخير لـ
الكارت الأخير لـ «إخوان لندن»
18 حجم الخط

لم تكن الوقفة الأخيرة أمام السفارة المصرية فى لندن مجرد مشهد احتجاجى عابر، بل نافذة جديدة على تحولات أعمق فى المشهد السياسى للجماعة الأكثر جدلًا فى العالم العربي. وبينما ألقت الشرطة البريطانية القبض على عدد من الشباب المصريين الذين تصدوا للانفلات الإخوانى أمام السفارات المصرية ومحاولات وصم الموقف الرسمى المصرى تجاه فلسطين وغزة.. عاد السؤال مجددًا: من هم هؤلاء المحتجون؟ وهل يمثلون امتدادًا للتنظيم الأم لجماعة الإخوان، أم أنهم جيل جديد يعيد صياغة أهداف التنظيم بوجوه وأسلحة مختلفة؟

منذ الستينيات ارتبطت لندن بالمنفى السياسى للإسلاميين، ففى أعقاب صدام الإخوان مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر، وجد بعض قيادات الجماعة ملاذًا فى أوروبا، وكانت العاصمة البريطانية الأكثر أمنًا لهم، لكن سرعان ما تحولت المدينة إلى قاعدة أساسية للتنظيم الدولي، حيث  تأسست مراكز بحثية مثل The Cordoba Foundation، كما انطلقت جمعيات مثل Muslim Association of Britain، فضلًا عن قنوات إعلامية ناطقة بالعربية لعبت دورًا فى تشكيل الرأى العام المعارض.

يرصد تقرير حكومى بريطانى رسمى صدر عام 2015، عرف بـ”مراجعة كاميرون” أن لندن استخدمت كمنصة لنشاطات الجماعة، بل  بعض الواجهات العلنية كانت تدار بروح الإخوان وإن تبنت لغة أكثر اعتدالًا.

ومع ذلك لم تدرج بريطانيا الجماعة على قوائم الإرهاب كما فعلت مصر أو دول الخليج وعدد من دول العالم، بل فضلت التعامل معها ببراجماتية، تحت رقابة لصيقة دون حظر شامل حسب اعتراف لهيئة الإذاعة البريطانية BBC

اللافت أن التركيبة القديمة لـ “إخوان لندن” لم تعد محصورة فى قيادات خمسينية أو ستينية تتحدث باسم التنظيم الدولي، إذ أفرزت السنوات الأخيرة جيلا جديدا، أغلبه من شباب الجالية أو الطلاب الوافدين، الذين يقدمون أنفسهم عبر واجهات جديدة تحمل أسماء مثل اتحاد شباب الجالية أو مبادرات حقوقية، كما حدث فى الوقفة الأخيرة التى جلبوا لها وسائل إعلام دولية فى تخطيط ليس عفويا بالمرة.

وحسب خبراء، اللافت أيضا أن هذا الجيل لا يرفع شعار “الإسلام هو الحل”، ولا يوزع منشورات أيديولوجية قديمة، بل يتحرك بخطاب إنسانى مثل التضامن مع غزة.. دعم حقوق المعتقلين.. المطالبة بالديمقراطية وتكتيكاته أقرب إلى الحركات الشبابية الأوروبية التى تتلخص قى وقفات قصيرة أمام السفارات، جرافيتى على الجدران، هاشتاجات رقمية تنتشر على تويتر وتيك توك، لكن خلف هذه الواجهة، تشير دراسات أكاديمية إلى أن كثيرًا من هذه المبادرات لا تنفصل تمامًا عن الجماعة الأم.

ويرصد الباحث لورينزو فيدينو فى دراسته “الإخوان فى الغرب” التى نشرها عام (2020) أن هذه التحركات تنتمى لأفكار الجيل الثالث الذى يسعى لتلميع صورة التنظيم بعد تآكلها، عبر لغة حقوقية قد تخاطب الغرب بسهولة أكبر من خطاب الأجيال السابقة.

لكن المتابع لأنشطة هذه المجموعات يلاحظ ازدواجية واضحة،  فى العلن أمام الإعلام الغربي، يتحدث أحفاد الإخوان عن الديمقراطية والحريات وحق التظاهر، أما فى الدوائر الداخلية، خصوصًا على مجموعات مغلقة فى تطبيقات مثل تيليجرام، يظهر خطاب الجيل الجديد أكثر قربًا من شعارات التنظيم الأم، بما فى ذلك استدعاء سرديات المظلومية التاريخية التى لازمت الجماعة منذ تأسيسها.

وهذه الازدواجية فى الخطاب لعبة قديمة تعكس محاولة تكتيكية تجيدها الجماعة ببراعة، من ناحية تكسب تعاطف الإعلام والرأى العام البريطانى بلغة “حقوق الإنسان”.

تجد بريطانيا نفسها أمام معادلة معقدة،  فمن ناحية، لا تريد أن تتهم بالتضييق على حرية التعبير والتجمع، خصوصًا أن هذه الحقوق أساسية فى الحياة السياسية البريطانية، ومن ناحية أخرى، تدرك أن بعض هذه التحركات ترتبط بجماعة مصنفة إرهابية فى دول ترتبط معها لندن بعلاقات استراتيجية وأمنية، على رأسها مصر والسعودية والإمارات.

لذلك جاء رد شرطة العاصمة (Met Police) فى حادثة السفارة الأخيرة محسوبًا، فالاعتقالات نسبت إلى “الإخلال بالنظام العام”، دون الدخول فى تفاصيل سياسية.

لكن مجرد تداول القضية إعلاميًا كان كافيًا لإعادة فتح ملف “إخوان لندن” داخل الإعلام المصرى والدولي، وربط الشباب الجدد بالمنفى القديم.

بالنسبة للدولة المصرية، هذه الواقعة لا يمكن فصلها عن المواجهة المستمرة مع الجماعة، والوقفات الأخيرة ليست أكثر من محاولات مستمرة للتنظيم لاستغلال الخارج فى استعادة إنتاج حضوره السياسى ويستخدم لندن كساحة ضغط وكذلك هولندا وعدد من الدول الأوروبية التى تتيح لهم حق التظاهر دون الالتفات لأهدافهم الحقيقية من ذلك، وربما جاء قرار الحكومة المصرية بإزالة الحواجز أمام السفارة البريطانية بالقاهرة مؤخرًا ردًا عمليَا على هذا العبث.

ورغم النجاح المحدود للجيل الثالث للجماعة فى تمرير بعض مخططاتهم، تبدو صورة عواجيز “إخوان لندن” اليوم أكثر تعقيدًا من أى وقت مضى، فلا هم مجرد قيادات تاريخية تدير اجتماعات فى الغرف المغلقة، وليس لديهم القدرة على قيادة جيل جديد يرفع شعارات حقوقية، ويتقن أدوات الميدان الرقمي، لكن دون نجاح حتى الآن فى كسب شرعية من الشارع الغربى والعربى على حد سواء.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يمثل هذا الجيل مسارًا مستقلًا يمكن أن ينفصل عن التنظيم الأم، أم أنه مجرد واجهة جديدة تستخدم لإعادة تلميع الجماعة بعد سقوطها فى الداخل؟ الجواب مرهون بما ستكشفه التحقيقات حول مصادر التمويل، وقدرة السلطات البريطانية على التفريق بين النشاط الحقوقى المشروع وبين استغلاله سياسيًا. وحتى ذلك الحين، سيظل “ميدان لندن” شاهدًا على جهل الإخوان بمعنى الدولة وطريقة إدارة الخلاف معها والاعتماد فقط  على “سردية منفى” تروج مظلوميات متوهمة أكثر منها حقائق وواقع على الأرض.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية