رئيس التحرير
عصام كامل

الجنين داخل الروبوت.. ولادة المستقبل أم سرقة الأمومة؟

18 حجم الخط

 في مؤتمر الروبوتات العالمي (بكين 2025)، أعلنت شركة كيووا تكنولوجي الصينية عن تطوير روبوت بحجم الإنسان، مزوّد بأجهزة استشعار وبيئة سائلة تُحاكي تمامًا الرحم البشري، من التخصيب إلى التغذية عبر حبل سُرّي صناعي، حتى الوصول لعملية الولادة ويوضع المولود داخل الروبوت لمدة عشرة أشهر. 

الهدف المعلن هو توفير بيئة آمنة للأجنة، خصوصًا لمن يعجزون عن الإنجاب أو يحتاجون إلى بديل عن الأم البديلة، وليست الأرحام الصناعية جديدة تماما، إذ نجح باحثون عام 2017 في مستشفى الأطفال بفيلادلفيا في رعاية جنين خروف في حقيبة حيوية حتى اكتمال نموها.


وتتوقع الشركة أن تطلق النموذج الأول القابل للتشغيل في 2026، بتكلفة تصل إلى نحو ١٠٠ ألف يوان صيني (١٤ ألف دولار أمريكي)، وهو مبلغ يقل بكثير عن تكلفة الاستعانة بأم بديلة. الإعلان أثار ضجة بين مَن رأى فيه معجزة علمية، ومَن رآه تهديدًا لقوانين الطبيعة والفطرة الإنسانية، وهي خطوة تُسوَّق على أنها فتح علمي جديد، لكنها في الحقيقة تثير زلزالًا أخلاقيًا ودينيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لم نشهده من قبل.


والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يجوز أن يُستبدل رحمٌ حيّ نابض بالحب وبمشاعر الأمومة الربانية بآلة صامتة، باردة، مصممة في مختبر؟! وهل تصبح نعمة الإنجاب صفقة اقتصادية تُحدَّد تكلفتها كما تُحدَّد أسعار السيارات والعقارات؟! ثم السؤال الأهم.. كيف ينظر الدين إلى تجربة تنزع عن المرأة وظيفتها الأسمى، وتحوّل الأمومة إلى مشروع صناعي تُديره شركات التكنولوجيا والبيوت الاستثمارية؟


هذه الأسئلة لم تعد من محض الخيال أو من صفحات روايات الخيال العلمي، بل باتت واقعًا على طاولة البحث والتجريب. 
 

الأمومة ليست مجرد وظيفة بيولوجية لحمل جنين، بل هي حالة شعورية تبدأ منذ اللحظة الأولى للحمل. نبضات قلب الأم، قلقها، دموعها، دعواتها، أحلامها لطفلها.. كلها روابط لا يمكن أن تُصنع في مختبر.. 

 

فالطفل، منذ وجوده في رحم أمه، يسمع نبضاتها ويشعر بدفئها. فهل يمكن أن تمنحه آلة معدنية هذا الشعور؟ هل يستطيع الروبوت أن ينقل الحنان والطمأنينة التي تترك بصمتها في تكوين شخصية الإنسان منذ أول لحظة في الحياة؟
 

إن الخوف الأكبر هو أن يتحوّل الطفل، في ظل هذه التجربة، إلى نتاج تقني بلا روابط وجدانية. أجيال قد تنشأ محرومة من العلاقة الأولى في حياتها: علاقة الأمومة، التي تشكّل وجدان الإنسان قبل عقله.


الأمر لا يتوقف عند حدود العلم، بل يتعداه إلى الاقتصاد. إذا أصبح الحمل متاحًا عبر الروبوت بتكلفة محددة، فهذا يعني دخول الإنجاب إلى سوق تجاري. شركات قد تعرض باقات إنجاب تتنافس فيها كما تتنافس شركات الطيران والفنادق.


والحقيقة المرعبة هي تحويل الحياة إلى سلعة يحمل خطرًا مروعًا فمن يملك حق التحكم في الأجنة؟ وهل تصبح الشركات مالكة لحياة تُباع وتُشترى؟ وهل يُستغل الفقراء لشراء حياة من مختبرات الأغنياء؟


إننا أمام تحول من الأمومة كقيمة إنسانية إلى الحمل كخدمة مدفوعة، وهذا ما يهدد قدسية الحياة وتحويلها إلى بند في ميزانية استثمارية. القرآن الكريم يقول: "يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ"، فهل يجوز أن يتدخل الإنسان في هذه الهبة ويختزلها في آلة؟


صحيح أن الأرحام الصناعية (الحضانات) قد تُستخدم لإنقاذ حياة طفل وُلِد قبل أوانه، أو مساعدة من تعجز طبيًا عن الإنجاب، لكن أن تتحوّل التجربة إلى بديل كامل للأم، فهذا يمسّ جوهر الفطرة التي فطر الله الناس عليها.


ومن هنا، فإن علماء الدين سيواجهون أسئلة شائكة مثل: هل الطفل المولود من رحم صناعي يُنسب شرعًا إلى والديه البيولوجيين؟ وما حكم الزواج والأنساب إذا انفصلت الأمومة البيولوجية عن الحمل الجسدي؟ وهل يجوز الاستغناء عن المرأة تمامًا في أعظم رسالة وكرامة وهبها الله لها؟


ومن الناحية القانونية، لابد أن يدرس المشروع معضلات هائلة مثل: هوية الجنين، من هي الأم القانونية؟ صاحبة البويضة أم الروبوت الحامل؟. وحقوق الطفل: هل يُعامل كمولود طبيعي؟ أم كمنتج مختبري له قوانين خاصة؟ الأسرة: كيف سيتأثر مفهوم الأسرة إذا صار بالإمكان إنجاب طفل بلا حمل ولا أم؟
 

من المؤكد أن القانون الدولي اليوم لا يملك إجابة جاهزة لهذه التساؤلات. نحن أمام فراغ تشريعي خطير قد يُستغل لخلق تجارة جديدة في الأجنة المصنّعة، وربما نشهد نزاعات قضائية دولية حول ملكية الأطفال كما حدث سابقًا في قضايا الأمهات البديلات.
 

وفي ظل هذه الطفرة المتسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإذا استُخدمت هذه التقنية بحكمة، فقد تغيّر حياة ملايين الأطفال المولودون مبكرا، كما أنها قد تمنح الأمل لأسر تعاني من العقم. لكن في الوجه الآخر، قد نشهد سيناريوهات أكثر خطورة وهي أن تظهر شركات تقدّم كتالوج أطفال بمواصفات وراثية محددة.. 

 

وقد نجد دول تستغل الأرحام الصناعية لإنتاج أجيال وفق معايير عسكرية أو اقتصادية، وظهور مجتمعات تفقد معنى الأسرة، فينشأ الطفل بلا جذور وجدانية أو ترابط أسري.
 

إنها ليست مجرد تجربة علمية، بل مفترق طرق حضاري سيحدد شكل الإنسانية في العقود المقبلة.
قد نجد قريبًا جملة "مبروك.. الروبوت حامل" قد تُقال يومًا كخبر عاجل في نشرات الأخبار، لكن وراء البريق يختبئ الخطر. فالعلم، حين ينفصل عن القيم، قد يُنجز معجزة لكنه قد يزرع كارثة.


إننا بحاجة إلى وقفة وعي: أن نُقدّر العلم لكن لا نسمح له أن ينتزع إنسانيتنا، وأن ندرك أن الطفل ليس منتجًا تقنيًا، بل حياة وهبة إلهية تُصان بالحب، وتُربَّى في أحضان الأمومة، لا في أحضان الروبوتات.


لا شك أن العلم يفتح آفاقًا لم نكن نتصورها. وربما يكون للأرحام الصناعية مستقبل مشرق في إنقاذ أرواح المواليد المبكرين، أو في الحالات المستعصية طبيًا. لكن تحويل هذا الاختراع إلى وسيلة لتغيير قوانين الطبيعة، وجعل الحمل تجربة روبوتية بلا مشاعر، ينذر بعالم يفقد معناه الإنساني.

إننا أمام مفترق طرق: إما أن نُسخّر العلم لخدمة الإنسان، أو نسمح له بأن يُعيد تشكيل الإنسان وفق معادلات اقتصادية باردة.. ولذلك، نحن بحاجة إلى وقفة عقل وضمير: لنسأل قبل أن ننبهر، ولنتفكر قبل أن نُجرب. فالعلم بلا قيم، قد يُنجز المعجزة.. لكنه أيضًا قد يزرع الكارثة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية