رئيس التحرير
عصام كامل

الهلال الخصيب.. هجمة تطبيع تنطلق من سوريا.. النظام السوري يسعى إلى الحصول على «شرعنة» دولية وتحقيق استقرار داخلى.. مشروع سياسي خبيث يمنح إسرائيل التحكم فى عدة دول

الشرع
الشرع
18 حجم الخط

منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، وبدء العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة ثم تطورت الأوضاع فى الضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران، عاد مصطلح “الهلال الخصيب” إلى الطرح الفكرى والجيوسياسى من جديد، خاصة مع تكرار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الحديث عن تغيير خريطة الشرق الأوسط، فماذا يعنى هذا المصطلح وما هى دلالاته وانعكاساته على الأرض؟

من جانبه، قال الخبير فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور معتز سلامة لـ فيتو، إن الهلال الخصيب كمصطلح، موجود منذ فترة طويلة قد تصل إلى نحو 100 عام، لافتا إلى أن أول من تحدث عنه هو عالم الآثار والمصريات الأمريكى فى جامعة شيكاغو جيمس هنرى برستد.

وأوضح سلامة أن برستد تحدث عن هذا المصطلح بالتفصيل من منظور تاريخى جغرافى أثري، كاشفا عن أن “الهلال الخصيب” هو منطقة تضم العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين وبعض أجزاء من تركيا ومصر وإيران.

وتابع سلامة: “برستد تحدث عن أن هذه المنطقة لها ملامح تاريخية وسياسية وجغرافية مشتركة وأن بينها موروثات تاريخية قريبة إلى بعضها البعض مثل الحضارات التى نشأت فى هذه المنطقة والروابط التاريخية المشتركة إلى حد كبير بين بلدانها، وبالتالى نشأ هذا المفهوم وتطور منذ فترة طويلة”.

واستكمل الخبير فى مركز الأهرام: “لكن فيما يتعلق بتطور هذا المصطلح، فقد تم توظيفه سياسيا وطرحه بعض الساسة فى سوريا فى ثلاثينيات القرن العشرين، كذلك طرحه أيضا نور السعيد رئيس الوزراء العراقى فى فترة الأربعينات، كمشروع سياسى للتوحيد بين سوريا والعراق وفلسطين والأردن، ولكن المشروع تعرض لانتكاسات بسبب الظروف الإقليمية واعتبارات تتعلق بالصراع الفرنسى البريطاني، بالإضافة إلى رفض عدد من الدول العربية الكبرى لهذا المشروع وبالتالى سقط من الحسابات”.

الدكتور معتز سلامة
الدكتور معتز سلامة

وأضاف سلامة: “الآن يجرى إعادة تسليط الضوء على مشروع الهلال الخصيب من جديد ولكن فى سياق مختلف، وهو السياق الخاص بالوضع الراهن والاضطرابات فى المنطقة الناتجة عن الحروب الإسرائيلية”، مشيرا إلى أنه كان هناك حديث عن مشروع هلال خصيب إيرانى ولكنه تراجع وبدأ فى السقوط رويدا رويدا خاصة بعد تقويض قوى طهران إلى حد كبير بسبب الضربات الإسرائيلية الأمريكية الأخيرة.

وتابع: “الآن نحن أمام هجوم جيوسياسى فكرى آخر وهو الهلال الخصيب الخاضع أو التابع لدولة الاحتلال والذى يسعى لاستثمار حصاد الحروب الإسرائيلية فى الفترة الأخيرة، وبالتالى نحن أمام مشروع سياسى جاء لشرعنة التطبيع الذى قد يحدث بين إسرائيل وسوريا ولبنان فى إطار يضمن تحكم دولة الاحتلال فى هذه المنطقة الجغرافية من العالم العربي”، مضيفا: المشروع يأتى فى سياق الهيمنة الإسرائيلية على سوريا ولبنان وفلسطين.

واستطرد الخبير فى مركز الأهرام: “أعتقد أن هذا المشروع كما فشل سابقا فهو سيفشل فى المرحلة الراهنة أيضا لعدة اعتبارات جوهرية، فمثلا دول الهلال الخصيب تختلف فيما بينها سواء من خلال أنظمة الحكم أو التوجهات السياسية والاجتماعية، ففى الأردن على سبيل المثال نظام ملكى مستقر، بينما فى سوريا هناك نظام غير مستقر تماما أساسه حكم عنيف يتبع جبهة النصرة، فضلا عن حكم محدد فى العراق فى ظل تشتتها بين أمريكا وايران، كذلك لبنان فهى لديها مشاكل داخلية كبرى وعدم استقرار لحد كبير، وبالتالى أعتقد أن هذا المشروع يتجاوز الحقائق الجغرافية السياسية فى المنطقة ويتجاوز الأوضاع القائمة فى هذه البلدان غير المستقرة إلى حد كبير، وهو أساسه مشروع لتمرير النفوذ الإسرائيلى على هذه المنطقة تحت عباءة توحيد سياسى وجغرافي”.

وقال سلامة: “الدول المستهدفة بهذا المشروع متباينة كثيرا فى تكويناتها العرقية والسياسية الداخلية، فدولة مثل سوريا لديها مشكلة فى استيعاب الأكراد فكيف يمكن إقناع كل الكيانات فى هذه الدول بتعدداتها الفكرية والقبلية وتوحيدها جميعا فى مشروع سياسى واحد”، مشددا على أن هذا المشروع يغلب عليه الحلم والخيال أكثر مما هو مشروع سياسى حقيقى وواقعى وأنه مدفوع بتوظيف سياسى لحصاد مكاسب الحروب الإسرائيلية الأخيرة، معربا عن اعتقاده بأن طرح هذا المشروع الآن يأتى ليكون عباءة لتمرير مشروع التطبيع الإسرائيلى السورى اللبناني.

وشدد سلامة على أن أخطر ما فى مشروع التطبيع إذا حدث بين كل من سوريا ولبنان ودولة الاحتلال يأتى فى ظل أوضاع سيئة تعيشها كل من بيروت ودمشق، فسوريا مختطفة وهناك نظام جديد متطرف استطاع الاستيلاء على السلطة ويجرى شرعنته بالقوة وبالقرار الأمريكى والإسرائيلي، لافتا إلى أن دمشق ليست حرة فى قرارها السياسى أو بإبرام الصفقات خلال هذه الفترة فهى محكومة بأوضاع سياسية شديدة التعقيد.

وعن لبنان، أوضح سلامة أنه يعيش فى أوضاع غير مستقرة خاصة بعد مواجهة حزب الله ودولة الاحتلال وتعرض بيروت لخسائر كبيرة للغاية بسبب الحرب وتراجع الدور الإيرانى هناك، لافتا إلى أن التطبيع إذا تم فى هذه المرحلة فهو سيتم بحسابات القوة الإسرائيلية. وتساءل سلامة: هل يقدم لبنان على التطبيع بحسابات وطنية وعن اقتناع أم هو انكسار أمام القوة الإسرائيلية، لافتا إلى أن هذه الأوضاع لن ينتج عنها معاهدات مستقرة بل معاهدات مؤقتة يحفظها فقط ميزان القوة الإسرائيلي.

وأشار سلامة إلى أن مكسب سوريا الوحيد حال التنازل والتطبيع مع إسرائيل، سيكون شرعنة وجود النظام السورى الجديد على الساحة الدولية وتحقيق قدر من الاستقرار الداخلى وبعض المكاسب الاقتصادية والاستثمارات المستقبلية وقدر من الهدوء على الجبهة الإسرائيلية، أما تل أبيب فسيكون مكسبها كبيرا، فستتحول منطقة الهلال الخصيب لمسرح للنفوذ الإسرائيلى ليس الاقتصادى فقط وإنما أيضا السياسى والعسكري، فإذا كانت إسرائيل تخترق لبنان وسوريا والعراق بدرجات محددة فهى ستمد اختراقاتها بشكل مشروع من داخلها فى هذه الحالة، مضيفا: “لا أستبعد أن تشرف دولة الاحتلال على تشكيل الجيش السورى الجديد وهذا أخطر ما فى الأمر.

وأضاف الخبير فى مركز الأهرام: لا نستطيع حاليا الفصل بين المشروعين (مشروع الدولة والمشروع الصهيوني)، ولكننا نستطيع القول بإننا إزاء تجدد المشروع الصهيونى فى المنطقة، لافتا إلى أن فكر نتنياهو وقادة الاحتلال الآن يتجاوز حلم المشروع الصهيونى فى بداياته، وهم الآن يحلمون بمنطقة تهيمن عليها إسرائيل، خاصة عندما وجد قادة الاحتلال أن الأمور تجرى منذ 2023 بسلاسة منقطعة النظير فى ظل وجود دعم أمريكى وغربى مطلق، ولا يوجد صوت دولى يقف أمام تل أبيب، ومع هزيمة وتكبيد بعض الجماعات العربية فى المنطقة العديد من الخسائر وجد ما يغريه، مشددا على أن إقدام إسرائيل على التمادى كان ناتجا عن الصدفة فى إحراز انتصارات عسكرية غير مسبوقة وأيضا بسبب الحالة النفسية والسياسية والاجتماعية التى تعيشها عدد من البلدان العربية أبرزها سوريا ولبنان.

وكشف الخبير فى مركز الأهرام أن فشل أو نجاح مشروع الهلال الخصيب متوقف على تغير الظروف، فإذا استمرت وضعية سوريا ولبنان فى حالة الضعف هذه أمام إسرائيل واستمرت موازين القوى كما هى الآن فقد يأخذ المشروع وقته ويتمدد زمنيا ومكانيا.

وأضاف: “طرح المشروع فى الوقت الحالى يأتى فى إطار محاولة لسلخ سوريا ولبنان وفلسطين والعراق عن المحيط العربي، لخلق مزيد من الصراع فى المنطقة وتشكيل جناح فى المنطقة العربية يجعل لدولة الاحتلال تمددا اجتماعيا سياسيا عسكريا داخل هذه الدول الـ 4، وبالتالى من الممكن استغلالهم مستقبلا حال نجاح هذا المخطط لوضع أعباء فى مرحلة ما على المنطقة العربية أو منطقة الخليج، وقد يمتد الأمر لعقود ولكن المشروع ليس نابعا من طموحات المنطقة ولا يجسدها وإذا تبدلت الأوضاع فى هذه البلدان وأصبحت أكثر استقرارا فسيفشل المشروع، مشددا على أن إسرائيل تسعى لاستغلال هذه اللحظة لتشكيل وبناء أوضاع مستدامة تمتد لعقود وقرون، وأن الحلم الاسرائيلى كبير جدا وهذه اللحظة استثنائية بالنسبة للمشروع الصهيوني.

وتابع سلامة: “الرهان على القوى السياسية الحية فى مجتمعات دول الهلال الخصيب، فليست كلها مع مشروع التطبيع، فقد تظهر هذه القنابل المجتمعية بعد فترة، خاصة النظام السورى فهو لا يمكن الرهان عليه وليس مؤهلا كمشروع سياسى لإعادة سوريا.. المسار السياسى فى هذه الدول قد يقطع الطرق على أمريكا وإسرائيل.. كما أن عودة النفوذ الإيرانى فى هذه الدول لم يحسم بعد.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية