رئيس التحرير
عصام كامل

صمت اختياري

18 حجم الخط

في زمنٍ تزدحم فيه الأصوات وتتنافس فيه العبارات على لفت الانتباه، أصبح الصمت عملة نادرة. لم نعد نحتمل لحظة صمت واحدة دون أن نُسرع إلى هواتفنا أو نملأ الفراغ بالكلام. نخشاه، كأنه وحشٌ يهاجمنا من الداخل. لكن الصمت، حين يكون لله، يتحوّل من فراغ إلى امتلاء.. من عزلة إلى حضن، من ضعف إلى قوّة لا يراها إلا من سكن فيه.

كنت يومًا أجلس مع شيخٍ وقور، تجاوز الثمانين من عمره، فسألته: ما سر هذا السلام الذي في عينيك؟ ابتسم، وقال: تعلّمت متأخرًا أن الكلام لا يُشفي.. وأن كثيرًا مما كنت أظنه حوارات، كان في الحقيقة صراعًا لإثبات النفس، لا للبحث عن الحقيقة.  أما حين بدأت أُسلّم لله دون أن أُبرر، وأصمت بدل أن أشرح، بدأ قلبي يفهم أن الله لا يحتاج إلى شرح كي يفهمني.. 

هذه الكلمات لم تُغادرني منذ ذلك اليوم.

نحن نتكلم كثيرًا لأننا نخاف أن لا يُفهَمنا أحد. نخاف أن تُشوّه صورتنا، أن نُظلَم، أن نُساء فَهمنا. فنظل نكرر، ونوضح، ونرفع صوتنا.. ثم نتعب، ونبكي، ونتساءل: لماذا لم يفهمني أحد؟، لكن.. من قال إن الإنسان سيقدر يومًا أن يفهمك؟ من قال إن قلبك مكتوب بلغة البشر؟ الله وحده يقرأك، دون ترجمة.

«بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ» (إشعياء ٣٠: ١٥). السكوت هنا ليس ضعفًا، بل هو انسحاب من ساحة لا تستحق صوتك، وسجود داخليّ في حضرة من يفهم أنينك. هو سكوت المُتعب الذي سلّم أمره، لا المُنهزم الذي استسلم.

هو قرار ألا تُشرح نفسك، بل تُسلّمها.. ألا تُدافع، بل تُخبّئ ذاتك في قلب الله، وتتركه هو يتكلم عنك. وهناك، في ذلك الركن الهادئ، تبدأ رحلة جديدة.. رحلة تُربَّى فيها روحك، لا في الزحام، بل في صومعةٍ داخلية، فيها أنت والله فقط.

تبدأ تُدرك أن الرد ليس دائمًا حكمة، وأن الانسحاب لا يعني هزيمة، بل أحيانًا يكون أعظم انتصار للسلام الداخلي. تبدأ تُلاحظ كيف أن قلبك صار أهدأ، ودماغك أقل تشويشًا، وروحك أكثر عمقًا. الصمت الذي يُربّي القلب لا يأتي فجأة، بل هو ثمرة وجعٍ قديم، وتجربة خذلان، وسنين من الجري خلف ما لا يُشبِع.. حتى تدرك أن السكينة ليست في إجابة العالم لك، بل في أن تُجيب الله بنداءٍ داخلي: "أنا لك، فاكتفِ بي".

 

الصمت نعمة.. لكنه لا يُعطى إلا لمن استعد لأن يُربّى من جديد، كطفلٍ يعود إلى حضن أبيه ليكتشف كم كان ضجيج الحياة يُتعبه، وكم كان السلام أقرب مما يظن. حين لا تجد كلماتك، لا تحزن.. ربما أراد الله أن يستلم هو الحديث.
للمُتابعة على الفيس بوك: @PWagih

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية