رئيس التحرير
عصام كامل

صحافة الزمن الجميل!

 شتان الفارق بين صحافة زمان وصحافة اليوم، بين قوة المنافسة والتنوع والتشويق وصناعة الرأي العام، وبين صحافة البيانات الجاهزة والأخبار الموحدة بعناوين تكاد تكون واحدة.. بين صحافة صنعت أمجاد صاحبة الجلالة وبين صحافة تسببت مع عوامل أخرى في سحب البساط من تحت أقدام مهنة البحث عن المتاعب..

 

ورغم أن صحافة زمان كانت أقل عددا؛ حيث كانت تصدر أربع صحف فقط عاصرتها في بداية عملى الصحفى محررًا بجريدة الجمهورية وتحديدًا في عام 1976، أقوم بتغطية أخبار ونشاطات وزارة النقل والمواصلات؛ وهي صحف الأهرام والأخبار والجمهورية والوفد.

Advertisements


كان الصحفي هو مندوب الجريدة في الوزارة وليس العكس، مهمته البحث عن الخبر وتذليل متاعب الناس في الحصول على الخدمات، وأذكر أنني حين استهللت مشواري الصحفي بمتابعة نشاطات وأخبار وزارة النقل والمواصلات التي كانت تضم شركات وهيئات تعادل حاليًا ثلاث وزارات..

 

ذلك أنها كانت تختص بالنقل بشتى صوره والاتصالات والطيران المدنى في عصر وزيرها العملاق سليمان متولى “إكسبريس النقل” في مصر كما كان يحلو للبعض أن يطلق عليه؛ والذي كان أشهر من تولى حقيبة النقل وأكثرهم استمرارًا في منصبه الذي استمر لنحو 20 عامًا.. 

 

صحافة زمان

 وأذكر أنني في بداية عملي الصحفي طلبت مقابلته فلم يستجب بينما سمح لزميل بالأهرام بمقابلته؛ لكنني لم أيأس ولم أترك الإحباط يتسلل إلى نفسي، بل سلكت طريقًا طويلًا، فقابلت وكلاء الوزارة ورؤساء الهيئات والشركات التابعة للوزارة والنقابات المهنية المعنية أستقي منهم الأخبار وأفكار التحقيقات التي لفتت انتباه الوزير سليمان متولى.. 

 

الذي فوجئت بمدير مكتبه يطلبني لمقابلة الوزير في مكتبه؛ ثم بادرني بسؤال: من أين لك بهذه الأخبار، فأجبته بكل ثقة وحسم بأن الصحفي لا يُسأل عن مصادره، فابتسم ولم يعلق على قولي..

 

لكنه قال لي إن مكتبي مفتوح لك في أي وقت وسوف تكون معنا بعد غدٍ في رحلة بالطائرة لمحافظة الوادي الجديد، ومن يومها توطدت علاقتي بالمهندس سليمان متولى حتى صرت من أكثر الصحفيين موثوقية لديه، وهو ما لم يمنعني أن أحقق المعادلة الصعبة بكسب ثقة القاريء وثقة المصدر في الوقت ذاته..والقدرة على تحقيق السبق الصحفي في ظل منافسة قوية بين الصحف وقتها.


لم أكتف بنقل الأخبار بل شاركت في عمل تحقيقات صحفية لم تترك مشكلة تهم الناس مع الوزارة إلا وتناولتها وخصوصًا التليفونات التي كانت حالتها سيئة جدًا وقتها؛ وقابلت محاولات تطويرها في بداية عصر مبارك عقبات عديدة أهمها عدم وجود خرائط بمسارات مرافق القاهرة من كهرباء وصرف صحي.. 

 

حيث جرى تكليف شركة ألمانية بإقامة أول شبكة تليفونات حديثة في منطقة رمسيس ووسط البلد، وقد أعددت تحقيقًا يتناول تلك المشكلة في الجمهورية الأسبوعي، وتولى الأستاذ سمير رجب مدير تحرير الجمهورية الأسبوعي وقتها، كتابة عنوانه "لا أمل في إصلاح تليفوناتنا" فانقلبت  الدنيا رأسًا على عقب!

 

وهو ما يعكس حجم تأثير الصحافة في ذلك الوقت الذي نجحت في تحقيق أرقام توزيع خرافية تدل على ارتباط القاريء بها رغم قلة الإمكانيات فلم تكن هناك إنترنت ولا تدفق المعلومات وسهولة وسرعة الاتصالات التي نراها الآن، لكن الصحافة لم تستفد منها.. ولا أدرى إن كانت المشكلة أن ثمة صحفيين غير مؤهلين بالقدر الكافى أم تكمن في وزارات ومسئولين لا يشجعون تداول المعلومات وتسهيل عمل الصحفي!

 صحافة زمان كانت تجاهد لتخفيف العبء عن المواطن وحل مشكلاته فأحبها القاريء وأقبل على شرائها ودعمها والتجاوب معها وهو ما منحها الثقل في عين المسئول- أي مسئول- فاحتفظ الصحفي بمكانته ونفوذه وتأثيره في كل مكان، خلافًا لما نراه اليوم من تراجع في المكانة والتأثير لأسباب يطول شرحها.

الجريدة الرسمية