رئيس التحرير
عصام كامل

تجربة تستحق الدراسة

قال أحدهم: كان الامتحان طويلا ومملا فخرجت من اللجنة لأنه اليوم الأخير.. هكذا هو الإحساس بمعاناة الثانوية العامة.. التعليم في مصر ليس تأديبا وإصلاحا وتهذيبا بلغة السجون.. المسألة أعقد من ذلك.. التعلم في بلادنا سلسلة من الإرهاق والمعاناة والتعب والخوف.

في بلاد سبقتنا في تجاربها التعليمية وابتنت نماذج علمية، يعد التعلم متعة، وعندما يصبح التعلم متعة ستجني أجيالا من العباقرة والعلماء والمعلمين والمهندسين والصناع المهرة.. باختصار الفارق بيننا وبينهم أنهم ينعمون بتجارب تعليمية مرضية وجاذبة أما نحن فالثانوية العامة خير دليل.
 

Advertisements


تابعت مثل غيري احتفالات صاخبة أمام لجان الثانوية العامة مع اليوم الأخير وأدهشنى ما جاء على ألسنة أولادنا الطلاب.. هم وانزاح.. غم وكآبة وملل.. إرهاق وتعب ورهبة.. والاحتفال بانتهاء هذا النموذج لا يرتبط بما قدمه الطلاب في امتحاناتهم.. فقط هم سعداء لأن البعبع انتهى.

احتفال وحيد أراه على نحو مغاير وقد حضرته مع نخبة من الخبراء والزملاء الصحفيين.. احتفال دعانا إليه الخبير التربوي والتعليمي الدكتور المندوه الحسينى الذي قدم تجربة هذا العام مغايرة لكل ما يمكن أن تتوقعه أو تتصوره.. تجربة خارج الصندوق.
 

السنتر في المدرسة 


تساءل الدكتور المندوه الحسينى: لماذا يتغيب الطلاب عن مدارسهم في الثانوية العامة ويقبلون على السناتر؟ وما هى عناصر الجذب في هذه المراكز؟ ولماذا يدفع أولياء الأمور فيها كثيرا من الأموال ويهجرون مدارسهم؟ لم يعط الحسينى ظهره للظاهرة بل عكف على دراستها.


التقى بالطلاب وأولياء الأمور والمدرسين وأنصت بجد واهتمام إلى ما يقولون.. الطلاب يذهبون إلى مدرسين أكفاء لهم شهرتهم في الأوساط، والمدارس لا تقدم لهم الوجبة العلمية الجاذبة وأولياء الأمور يجرون وراء كل ما هو ناجح وقادر على عبور أبنائهم إلى مستقبل أكثر إشراقا.
 

قرر الحسينى أن ينقل السنتر إلى المدرسة وجالس أبناءه الطلاب وسألهم عن أمهر المعلمين في هذه المراكز وتعاقد معهم وجاء بهم إلى المدرسة.. هنا وجد الطلاب ضالتهم المنشودة في مدرستهم وحقق نسبة حضور مائة في المائة وحل مشكلة مزعجة لأولياء الأمور الذين يتابعون أبناءهم في هذه المراكز المتناثرة في محافظة الجيزة.
 

وأراد الحسيني تقييم التجربة فأقام احتفالا كبيرا في اليوم الأخير من امتحانات الطلاب تحت شعار لا للدروس الخصوصية.. لا للسناتر.. حضر الحفل أولياء الأمور والطلاب ومعلمو السناتر الذين تعاقد معهم وبدأ الجميع في تقييم التجربة والحديث عن تفاصيل التجربة.. أولياء الأمور سعداء لأن مدرسة أبنائهم حققت لهم ما كانوا يحلمون به.


الطلاب من جانبهم عبروا عن تقديرهم وشكرهم للمدرسة التي نقلت إليهم ما يحلمون به داخل فصولهم، ومعلمو السناتر قالوا كلاما مهما حول التجربة وأعلنوا أنهم مستمرون فيها العام القادم.. بفكرة خارج الصندوق حقق المندوه الحسينى حلم الأسرة بكامل عناصرها وحقق تعليما ممتعا وجاذبا ونسبة حضور فاقت التوقعات.


وأعلن الحسينى أنه مستعد لتطبيق التجربة في مدارس الحكومة والبحث عن عدد معقول من القاعات والتعاقد مع معلمى السناتر وتقديم تجربة تعليمية مرضية وجاذبة وتحت الإشراف العلمى وحماية الطلاب من الانتقال إلى مناطق بعيدة وتحقيق الأمان الأسرى لأولياء الأمور.


كان الاحتفال مختلفا ومختزلا لتجربة واحد من خبراء التعليم المهمين في بلادنا.. فقط فكر الرجل خارج الصندوق وتعامل مع الواقع بواقعية ولم يعط ظهره لمسار أدى إلى إلغاء دور المدرسة تماما.. فعلا تجربة تستحق الدراسة.

الجريدة الرسمية