رئيس التحرير
عصام كامل

تداعيات انسحاب روسيا من معاهدة القوات التقليدية

الدكتور اشرف كمال،
الدكتور اشرف كمال، فيتو

الحرب الروسية الأوكرانية، في وقت تحتدم فيه المعارك بمدينة باخموت شرق أوكرانيا ، والتي تعد هدفًا رئيسيًا للهجوم الذي شنته موسكو، ومسرحًا لأشد المعارك الدموية البرية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، أعلن  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية  التي جري التفاوض عليها  خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وتحديدًا في الـ  19 نوفمبر 1990، وتهدف إلى وضع حدود شاملة على فئات رئيسية من المعدات العسكرية التقليدية في أوروبا من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال، وألزمت بتدمير كميات الأسلحة الزائدة عن حدود الاتفاقية.

انسحاب بوتين ينهي التزام موسكو بآخر معاهدات الرقابة على التسلح في القارة الأوروبية، رغم أن العمل بهذه الاتفاقية قد تم تجميده عمليًا، منذ عام 2007، على خلفية تباين المواقف بين موسكو وحلف شمال الأطلسي، ليعكس المرسوم الروسي  إعلانًا رسميًا بـ وفاة الوثيقة التي ماطلت الأطراف في المصادقة القانونية عليها لسنوات طويلة.

Advertisements

معركة الربيع 

 

ومع تصاعد الأوضاع العسكرية الروسية في أوكرانيا  وإعلان كييف عن معركة هجوم الربيع المرتقبة، جاء قرار الروسي فلاديمير بوتين  بتعيين  نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، ممثلا رسميا له خلال النظر في مسألة الانسحاب من المعاهدة الموقعة في باريس، التي يبدو أن الانسحاب منها  رسميًا جاء ردًّا على التوسع العسكري لحلف الناتو بأوروبا الشرقية والمساعدات العسكرية الأمريكية التي لا تتوقف لكييف بهدف استنزاف موسكو، حسبما أفاد خبراء ومختصون في الشأن الروسي.

معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “ستارت”

لم تكن تلك الاتفاقية الأولي التي يعلن بوتين الانسحاب منها منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، بل سبق  أن جاء قرار روسي مماثل  في 21 من فبراير الماضي،  نص على تعليق  مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “ستارت”، ما يعني أن كل الوثائق التي تحدد آليات التعامل مع ملفات الأسلحة التقليدية أو الأسلحة الاستراتيجية النووية باتت ملغاة،  ويعني الانسحاب الروسي الحالي تقويض آخر الوثائق المشتركة التي كانت رغم الخلافات حولها  تضع أساسًا قانونيًا لمناقشة ملفات الرقابة على التسلح وانتشار القوات على جانبي خطوط التماس.

غياب الحوار بين روسيا والغرب

ومع غياب آليات الحوار بين موسكو والغرب حاليًا، فإن هذا الوضع يطلق أيدي الطرفين لتعزيز عمليات نشر الأسلحة بنوعيها التقليدي والاستراتيجي النووي في أرجاء القارة الأوروبية، مما يزيد من مخاطر وقوع صدامات أو انزلاق الوضع نحو مواجهات على خلفية اتساع الهوة بسبب الحرب الأوكرانية، والمخاوف من انخراط مباشر لأطراف أخرى في أوروبا في المواجهة العسكرية الجارية.

خبراء يكشفون مصير الحرب الروسية الأوكرانية

الانسحاب من تلك المعاهدة فتح الطريق أمام العديد من الأسئلة حول تداعيات القرار الروسي علي مسار الحرب  الروسية الأوكرانية، وكذا التساؤل حول إمكانية أن يتسبب ذلك القرار في توتر وصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.

وتعليقا علي تلك التساؤلات المطروحة قال أشرف كمال، مدير المركز المصري للدراسات: في البداية، يجب التأكيد على حقيقة أن المواقف الرسمية الروسية تأتي كرد فعل على الممارسات الغربية، وفي إطار حق الدول في ممارسة السيادة واستقلال القرار السياسي بما يحقق مصالحها الوطنية.

مراحل الموقف الروسي 

وأضاف: الموقف الروسي من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، مر بمراحل مختلفة بداية من محاولات التوصل إلى تفاهم مشترك مع دول حلف شمال الأطلسي حول وضع القوات والأسلحة في أوروبا امتدادا إلى جبال الأورال، منذ إبرام المعاهدة عام 1990 ثم تعليق موسكو العمل بالمعاهدة عام 2007، والتوقف عن المشاركة في اجتماعات المجموعة الاستشارية المشتركة عام 2015، واليوم الإعلان عن الانسحاب النهائي من المعاهدة.

وتابع مدير المركز المصري للدراسات: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء حلف وارسو، كان من المتوقع اختفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) لكن الحلف واصل التوسع في اتجاهات مختلفة من أوروبا، وضم مناطق ودول كانت أعضاء في حلف وارسو، وبات وجوده ضرورة استراتيجية أمريكية في مواجهة موسكو، فالرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" مع بداية ولايته الأولى عام 1993 حتى نهاية ولايته الثانية عام 2001 اهتم بتوسيع الحدود العسكرية والسياسية للحلف الحلف نحو وسط وشرق أوروبا، وتجاهل تحذيرات الخبراء وبعض المستشارين من رد فعل روسيا.

وأكمل: “في ظل السياسات الغربية والاستراتيجيات الأمريكية المعادية لروسيا، فإن معاهدة انتشار القوات المسلحة التقليدية في أوروبا ولدت ميتة، حيث أن المعاهدة استهدفت انشاء نظاما أكثر أمنا واستقرارا للعلاقات السياسية والعسكرية في أوروبا، بينما استهدفت دول الحلف بقيادة الولايات المتحدة، القوة العسكري الرئيسة في الناتو، عدم تأثير المعاهدة على الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا وخطط توسيع الحلف، وخلق نقاط ارتكاز للقوات في البحر الأسود، وصولا إلى فنلندا والسويد، ومرورا بـ بولندا ودول البلطيق، لاتفيا، استونيا، ليتوانيا”.

واستطرد: "مع أهمية الاتفاقية في مجال نزع السلاح، استمرت الجهود والمفاوضات المتبادلة حتى تم التوصل إلى تعديل الاتفاقية والتوقيع عليها في قمة "منظمة الأمن والتعاون الأوروبي" في إسطنبول عام 1999، ورغم تصديق موسكو على التعديلات الجديدة عام 2004 لم تلتزم دول الحلف، والمماطلة من خلال المزيد من المطالب غير المبررة، مع رفض انضمام دول البلطيق للمعاهدة إلى جانب دول أخرى لم توقع على المعاهدة، والنتيجة كانت إعلان موسكو تعليق العمل ببنود الاتفاق عام 2007 على أمل مراجعة الحكومات الأوروبية مواقفها المتعلقة بمنظومة الأمن في القارة".  

وتابع: لطالما اقترحت روسيا على دول حلف شمال الأطلسي بضرورة الاسترشاد بمبادئ التعاون والأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة، وانه لا تعزيز لأمن أحد الأطراف بشكل فردي، او في إطار منظمة دولية أو تحالف عسكري على حساب أمن الأطراف الأخرى، وأن تسوية الخلافات يكون من خلال آليات المشاورات العاجلة على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، بما في ذلك مجلس روسيا ـ الناتو، والحفاظ على الحوار من أجل تحسين آليات منع الحوادث في أعالي البحار وفي المجال الجوي فوقها (بشكل أساسي في منطقة البلطيق والبحر الأسود).

وأوضح  أشرف كمال: في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة الدولية خلال السنوات السابقة، أصبح الالتزام بالمعاهدة بلا معنى، ويجب إزالة العقبات التي تقيد التحركات العسكرية الروسية في مناطقها المختلفة، خصوصا مع استمرار الدعم العسكري المقدم من أوروبا والولايات المتحدة إلى حكومة كييف، والتوسيع غير المبرر للبنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسي بصورة تشكل تهديدا للأمن القومي للأمة الروسية.


المعاهدة ليس لها أي قوة حقيقية

 المستشار والمحلل السياسي الروسي الكسندر هوفمان، قال: يجب أن نبدأ بحقيقة أن روسيا علقت مشاركتها في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا في عام 2007، ومنذ عام 2015  كانت روسيا مجرد طرف رسمي في المعاهدة، لا يمكن القول أن المعاهدة كان لها أي قوة حقيقية خلال هذا الوقت تمامًا كما هو واضح أن انسحاب روسيا الكامل من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لن يؤثر بشكل كبير على العلاقات الأكثر تضاربًا وتوترًا بين روسيا وحلف الناتو.

وبشأن اختيار روسيا ذلك التوقيت للانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا في الوقت الحالي، علق هوفمان: "أولًا وقبل كل شيء، يرجع ذلك إلى عدم رغبة أعضاء الناتو في التصديق على اتفاقية التكيف مع معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، والتي تم تطويرها لحل الخلل العسكري المرتبط بالتغييرات العسكرية السياسية واسعة النطاق التي حدثت في أوروبا بعد عام 1990 وتوسيع الهيمنة الأمريكية، فانسحاب روسيا الكامل   إجراء شكلي قانوني  من الواضح أنه في ظل الظروف الحالية  لم تكن هناك فرص لتمديد مشاركة روسيا في معاهدة القوات التقليدية في أوروبا.


وحول  تأثير المنظمة البحرية الدولية على نظائرها المستقبلية لمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، أكد هوفمان أن الصراع المسلح في أوكرانيا والنزاعات المحلية اللاحقة التي خطط لها المجتمع الأطلسي في الفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، على طول محيط الحدود الروسية، بالإضافة إلى التأثير المعاكس، واستمرار انتشار النفوذ الروسي في الخارج القريب، قد يؤدي إلى إدراك الحاجة إلى إبرام اتفاقيات جديدة مع الكرملين في مرحلة وسيطة من التاريخ.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية