رئيس التحرير
عصام كامل

ما يقدم في الإعلام ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030 !

تعد وسائل الإعلام من وسائل التأثير الهامة في حياة الشعوب والدول، فهي أداة من الأدوات الأيدلوجية والقوة الناعمة للدولة، تستخدم  وسائل الإعلام من جانب الدولة لتعريف كيان الدولة للشعوب الأخرى؛ مثل فلسفتها، حضارتها، تاريخها، وتراثها العلمي والثقافي ولتشجيع السياحة، وتبادل الخبرات، وبنفس الطريقة يكون التعرف على الدول الأخرى، مما يشجع التبادلات التجارية والسياحية ونقل تراث المجتمعات، وللتثقيف وزيادة المعرفة بعيدا عن الأساليب الاكاديمية في المؤسسات التعليمية. 


فتعمل وسائل الإعلام بتعددها وتنوعها على بناء الصورة الذهنية والتأثير في عقول المشاهدين بل إن نسبة كبيرة من الشعوب تعتمد عليها وتأخذ منها معلوماتها خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك فهي تعمل على تشكيل الرأي العام والتأثير في فكر المتلقين وتحديد اتجاهاتهم وأولوياتهم سواء إراديا أو لا إراديا.  ويمكن من خلالها أيضا تزييف الوعي العام، ومن هنا تأتي أهمية استغلالها وتوجيهها والتحكم فيها. 


ويعد ما تقدمه وسائل الاعلام والإنتاج الفني والثقافي وحتى الإعلانات الاستهلاكية لأي دولة جزءا لا يتجزأ من صورتها الخارجية، ووسيلة للسعي والحفاظ علي مكانتها الدولية والإقليمية، وتعطي انطباعا ولو مبدئيا عن طريقة الحياة في هذه الدولة وعادات وتقاليد سكانها وموروثاتها الدينية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية، وتعد بمثابة دعاية قوية لجذب الاستثمارات الأجنبية لها.


وبالنظر إلى ما يعرض من برامج اجتماعية أو مسلسلات أو أفلام في مصر بشكل عام وخاصة خلال شهر رمضان الكريم، الذي يتنافس فيه معظم المنتجين والفنانين ووكالات الإعلان والدعاية لتقديم مادة طوال الشهر الكريم، نجد أنها، ومن نظرة مبدئية، قد تتنافى مع أصول وقيم المصريين، بل إنها تتعدى ذلك الى خلق عادات وإدخال مفاهيم جديدة قد تتعارض مع الموروثات الحميدة للمصريين. حتى ان ما يقدم قد يتعارض مع جهود مؤسسات قومية في الدولة تسعي الى تحسين الأوضاع والتنمية والتطوير.

 

ومع الإنتاج الضخم كميا من مسلسلات درامية قلما نجد أيا منها يرسخ قيم هامة في المتلقين أو يوصل رسالة بتعديل سلوك ما أو يحفز الشباب علي ادراك الطريق الى مستقبلهم أو  يزيد من وطنيتهم وانتمائهم، أو يخلق أجيالا فاهمة وواعية لما هو صحيح أو خطأ، ولما هو حلال أو حرام، أو  يعطي صورة حقيقة أو معلومات حياتية صحيحة عن الحياة الطبيعية العادية للسكان.

حروب الأفكار

كما يتنافي ما يتم عرضه مع قيمة وأهمية المرأة المصرية ودورها الحيوي في بناء النشىء ومساندة الأسرة بكاملها، وهو الدور الذي ألقي الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه الضوء وأكد مرارا وتكرارا على أهميته وضرورته، ووجه لها النداء في أصعب المواقف ثقة منه في استجابتها الحكيمة. كما يتنافي أيضا مع تحذير الرئيس كثيرا من التعرض أو الإساءة للأسرة المصرية لأنها  صمام أمان الدولة، ويتعارض مع المبادرات التي أطلقتها مؤسسات مصرية للم الشمل والحفاظ على الأسر المصرية.


فمع كل التقدم التكنولوجي والعلمي والأزمات والمخاطر التي يمر بها العالم والدول في حد ذاتها،هل هناك نقص في الموضوعات العامة الهامة التي تخدم الوطن ومواطنيه؟!، لذلك يتم طرح مثل هذه الموضوعات البعيدة أو المخالفة والمختلفة واختلاق احداث مصطنعة لا تخلو من العنف والقهر والظلم والمعاناة الشديدة دون أي فكر أو رسالة  من أجل تحقيق سبق اعلامي أو  مجد شخصي أو أهداف أخرى، على شاشات التلفزيون والقنوات الفضائية المصرية الرسمية والخاصة.


وفي عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، زاد عدد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال  الشبكة الدولية للمعلومات، أصبح المجال مفتوحا ومتاحا لجميع المعلومات على مدار الساعة  دون قيد أو شرط، وزاد من فرص استخدامها في حروب الأفكار التي تستهدف الدول من خلال  شعوبها، وتثير حنق وغضب الشعوب ضد دولها ومؤسساتها، مما يؤدي الى تدمير الدول من داخلها، ينبغي  الإدراك  أن الدولة القومية  في حالة حرب، وليست حرب عادية، وإنما حرب وجود،وعدوها غير معروف وغير واضح، وأصبح الإعلام أداة رئيسية من أدوات الحروب الجديدة، لذلك فإن الكلمة مسؤولية، والإعلام مسؤولية، واختيار التوقيت المناسب مسؤولية.

 

فمن الضروري والحيوي، التدقيق في تأهيل وإعداد من يعمل في مجال الإنتاج الفني سواء كتاب أو منتجين أو حتى فنانين، وضرورة تلقيهم دورات تدريبية في شتى النواحي، وعلى رأسها  الأمن القومي والتنمية، بل أيضا متابعة المحتوى الذي يقدم والرسالة التي ينبغي توجيهها خاصة في أوقات الأزمات والحروب، فعليهم مسؤوليات كبيرة في هذا الشأن. 

 

فمن المهم تحديد من يقول؟ وماذا؟ ولمن؟ وبأي وسيلة؟ وبأي تأثير؟، خاصة أنه يقع على وسائل الإعلام والإنتاج الفني والثقافي في الدولة جهدا كبيرا  في نقل صورة الدولة ودعم أجندتها الوطنية، ومدى تحقيقها للسلام والأمن المجتمعي وجودة الحياة لمواطنيها بشكل متسأو في الحقوق والفرص، في الريف والحضر،ودعم مشاركة المرأة والشباب وكل الفئات لتعزيز روح الانتماء والولاء للهوية المصرية، الأمر الذي ينعكس على المكانة  وتعزيز الريادة المصرية على المستويين الإقليمي والدولي لدفع عجلة التنمية الشاملة كما جاء  في رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.

 

وبصفة عامة، أعتقد انه لا يمكن الدفع بأنها حرية إعلام أو حرية تعبير لأن هذه الحرية  في مضمونها هي تعبير عما يخدم الصالح العام بل أن من أولوياتها الحفاظ على استقرار كيان الوطن، وترسيخ الانتماء المجتمعي وترابط أوصاله وليس العكس، لأن كل ما خرج عن ذلك، واستهدف تأليب المجتمع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر يعد خروجا عن حرية التعبير وخروجا عن  رسالة الفن ومهنية الإعلام، بل قد يصل لتقويض الاستقرار المجتمعي.

 


وأقل ما يمكن أن يقدم  للوطن خاصة في هذا الوقت، هو التقدير والاعتزاز بقيمه والعمل علي اعلائها، وتوصيل الصورة الحقيقية لجهود الدولة في مختلف المجالات تطبيقا للرؤية الاستراتيجية للدولة، وليس انفصالا عنها، وأن يكون كل ما يقدم  خدمة وحماية لهذا الوطن، وليس العكس.

الجريدة الرسمية