رئيس التحرير
عصام كامل

متى يرى النور قانون المسئولية الطبية؟!

حكم القضاء الألماني  بالسجن 7 سنين على طبيب -لمجرد أنه أخطأ في تشخيص حالة مريضه- أعادني بالذاكرة لأول تحقيق  نشرته في حياتي المهنية أيام كنت طالبًا بإعلام القاهرة.. التحقيق كان بعنوان "الأطباء يخطئون والقانون لا يعاقبهم" وقد نشرته جريدة الجمهورية برئاسة الكاتب الصحفي محسن محمد..

 

حكم المحكمة الألمانية يعيدني اليوم للنظر في حال منظومتنا الطبية التي تعج بأخطاء طبية قاتلة، تمر في أحيان كثيرة بلا عقاب ولا ردع ويروح ضحيتها أرواح بريئة، أوقعها حظها العثر في يد من لا ضمير لهم ولا كفاءة مهنية ولا تقدير لقسم أبقراط، ولا لمهنة هي في الأصل رسالة هدفها تخفيف معاناة المرضى، وإدخال الأمن والسكينة إلى قلوبهم بمعاملة إنسانية يحتاجونها في أقسى وأصعب أوقات حياتهم.. كما يعيدنا لفوضى واعتداءات وظروف مهنية قاسية يعيشها السواد الأعظم للأطباء وخصوصًا الشباب في المستشفيات الحكومية!

ملاحظات على القانون


ولست أدرى لماذا تأخر صدور قانون المسئولية الطبية الذي لا يزال حتى هذه اللحظة حائرًا بين الأطباء والنواب.. رغم أن الحديث عنه لم ينقطع أبدًا ولا يزال الكثيرون خصوصًا العاملين في الوسط الطبي يعولون عليه ويتمنون خروجه إلى النور، لأهميته القصوى في معالجة العديد من الأمور الشائكة.


ثمة قانون للمسئولية الطبية يجري التداول بشأنه في أروقة البرلمان قدمه بالفعل بعض النواب، وجرى عرضه على نقابة الأطباء لإبداء الرأي فيه وبالفعل استطلعت الأخيرة آراء وتطلعات جموع الأطباء، ومجالس نقاباتهم الفرعية بالمحافظات، فضلًا على مجلس النقابة العامة لضمان تحقيق الاستقرار، وحماية مزاول المهن الطبية جنبًا إلى جنب الحفاظ على حقوق المريض.


أما أهم ملاحظات وطلبات الأطباء، فكانت التأكيد على عدم جواز عقوبة الحبس في الخطأ الطبي إلا لمزاول المهن الطبية بدون ترخيص أو خارج التخصص بصفة متعمدة في غير حالات الطوارئ، وضرورة النص على تشكيل لجان نوعية طبية تفحص قضايا الخطأ الطبي وتضع تقريرها..

 

واختصاص لجنة المسئولية الطبية دون غيرها بتلقي شكاوى الخطأ الطبي والإحالة إليها من جميع سلطات التحقيق المختلفة وعدم قبول دعاوى التعويض إلا بعد صدور قرار نهائي من لجنة المسئولية الطبية، وعدم جواز النشر بوسائل الإعلام عن قضايا الخطأ الطبي إلا بتصريح من تلك اللجنة.


من حق الأطباء أن يرفضوا الحبس في حال وقوع خطأ طبي ومن حق المجتمع أن يطمئن على نفسه ويضمن عدم وقوع تلك الأخطاء وخصوصًا الجسيمة نتيجة إهمال أو تقاعس أو انعدام كفاءة، ومن حق الجميع التوافق على أن هدم الكعبة أهون عند الله من إزهاق روح بريئة بلا ذنب ولا جريرة، لست مع حبس الطبيب لمجرد مضاعفة حدثت للمريض من دون قصد..

 

 

فماذا إذا ارتكب خطأ جسيمًا ومبالغًا فيه.. هل يكفي التعويض هنا وألا يتعارض ذلك مع قانون العقوبات في حال القتل الخطأ.. مطلوب آراء علماء الشرع والنفس والاجتماع والقانون مع الأطباء ونواب الشعوب للخروج بصيغة توافقية تحمي المجتمع من الأخطاء الجسيمة للأطباء وتضمن للطبيب بيئة عمل آمنة لا ترتعش فيها أياديهم، خصوصًا مع الحالات المرضية الخطرة.. وفي كل الأحوال انظروا لحكم القضاء الألماني بحبس طبيب أخطأ في صدر هذا المقال!

الجريدة الرسمية