رئيس التحرير
عصام كامل

أكبر أم أسعد؟

لا يوجد شخص هنا، في مصر، اسمه أكبر، ولا يوجد شيء اسمه أسعد. بالطبع يوجد أكبر برج، أكبر هرم. أكبر مبنى. مع أكبر، توجد الشقيقات المتلازمات، فشقيقة أكبر هي أضخم، وله أيضا أعلى، وله أيضا أطول، وكلها على وزن أفعل، التضخيم والتفخيم، وهي جميعا للعلم من المكروهات في علم الصحافة، وفي الجانب التحريري منه. 

 

لدينا إذن أكبر وأفخم وأضخم وأعلى وأطول وأعرض، وأعمق أي شيء في مصر، لكن ليس لدينا أسعد شخص في مصر. الأشياء نتباهى بها طولا وعرضا وعمقا وحجما، ولا نجرؤ أن نقول إن في مصر شعبا سعيدا، أو بعض شعب سعيد، أو شخصا على رأس أسرة، بسيطة معتدلة الحال، يتمتع وأفراد عائلته بالسعادة. بالطبع السعادة موجودة، لكنها حكر على أحقر خلق الله، لصوص هذا الوطن، وبالذات في محنته الحالية، وضائقته المالية.

استطلاعات الرأى ورضا الشعب


من وقت لآخر تخرج استطلاعات رأي، شبه رسمية غالبا، مستقلة نادرا، وكان هناك مركز بصيرة، لا أعلم هل موجود أم اختفى أم حجب، تقيس مستوى رضا الشعب عن أداء الحكومة. الرضا أساس القبول، سواء في علاقات الحب أو الزواج أو تنصيب حكومة، أو رئيس، بدون رضا المحكوم لا شرعية لمن يحكم. 

 

يحصل الحاكم علي شرعيته بأصوات من ارتضوه عليهم حاكما، فإن ساد السخط على أداء الحكومة، غير الحاكم حكومته، أو برر وفسر أسرار عجزها عن تحقيق الحد الأدنى من الرضا، أو التصبر على الأوجاع، كأن تكون الأوضاع الموجعة بسبب ضغوط دولية أو توجيهات رئاسية يصعب مراجعتها، بسبب الطموح وملاحقة الحلم في سياق وقت داهم قصير، مما يترتب عليه عادة تكاليف انجاز أعلى وأفدح!


وأول أمس ومع ارتفاع أسعار البنزين، احترقت اعصاب المصريين، ومن أسف أن خرج استطلاع يتحدث عن رضا المصريين، ومضى وقت قصير ثم أعلن الرئيس عن حزمة زيادات للموظفين وأرباب المعاشات، نزلت على الناس بشيء من التبريد، فقد جاءت هذه القرارات بمثابة تخفيف للآلام المالية القاصمة، وهي تعكس إحساس الحاكم بقلق الناس وتوترهم وعدم رضائهم.

 

لا أعلم في الحقيقة هل قياس الرأي العام واستخلاصه كان سابقا على إعلان الزيادات، ام لاحقا، لكن منطق الاشياء أنه من الصعب سرعة الوصول إلى نتيجة أن الناس راضية بعد ساعتين فقط من اعلان الرئيس عن زيادات في المرتبات والمعاشات، ما لم تكن العينة عشوائية وصغيرة جدا، وغير ممثلة للمجتمع الوظيفي، العامل منه، والجالس بمقهي المعاشات.


على أية حال، النتيجة سيان، يعني راض ام غير راض، هي عيشة والسلام، فمن قبل خرج الشعب في 2011 لعدم الرضا المجتمعي في تصريح للرئيس السيسي نفسه، وها هم يدفعون ثمن السخط، حين ناصبوا الدولة العداء واعتبروها هي المخطئة وليس أداء المواطن هو السيئ.

 


استوعب الناس إذن الدرس، وهم الآن في حالة تصبر، وليس حالة صبر، وهم في حالة ترقب، وليس حالة رضا، ومن ثم فإن هذا النوع من القياسات مسيس، ولا يتفق والعلم، يضر أكثر مما ينفع، يضر صاحب القرار، ولا ينفعه ولاينفع الناس، بل يجعلهم متشككين في النوايا.
هل يوجد شخص هو أسعد الناس في مصر؟ لا أظن، لا يوجد أسعد شخص، لكن يوجد أكبر وأضخم وأعلى.. شيء. القناعة كنز لا يفنى، معنا إذن كنز.. هذا يسمونه الرضا الاضطراري.. بتعبير قهرى!

الجريدة الرسمية