رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة تواجه ارتفاع الأسعار بقوانين صنعها تجار الغلاء.. كيف؟!

رغم أن أزمة ارتفاع الأسعار والغلاء التى أصابت أسواقنا المحلية لمختلف السلع، استهلاكية ومعمرة وترفيهية من خلال موجات متلاحقة للغلاء الجنونى مستمرة منذ أكثر من عامين، إلا أن عجز الأجهزة  الرقابية أو غيابها متواصل واكتفت الحكومة بالوقوف مكتوفة الأيدى إلا من بعض الإجراءات الموسمية لعرض منتجات أقل جودة من خلال مجمعاتها الاستهلاكية أو المعارض المجمعة للسلع.. 

 

مدعومة بحملات اعلامية لتحميل الأزمة لأسباب خارجية بفعل جائحة كورونا تارة وبفعل الحرب الروسية الاوكرانية تارة أخرى، وحياة عموم الناس أصبحت فى الحضيض ولا معين، إلا الدعاء للمولى برفع البلاء والغلاء عن العباد.. 

 

ومع دخول سوق النقد في حالة من الاضطراب الشديد في الشهور القليلة الماضية أخذت أزمة انفلات الأسعار منحى آخر صعب الاحتمال على معظم فئات الشعب، ومظاهر ضيق الحال باتت تنثر سعال وزفير في شوارع وميادين المحروسة لتنضم فئات لم نعهدها إلى أسراب المتسولين والمنكوبين من أصحاب المعاطف والكابات الفرو العتيقة تنبئ بأن ضيق الحال إمتد لشريحة مهمة من كبار السن أصحاب الوظائف العليا سابقا، والأزمة تمتد وتتوسع وتنتشر.


وأخيرأ وصلت أصوات المنكوبين بلهيب الأسعار الجنونية لمسامع مجلس الوزراء ليعلن رئيس الحكومة متكرما على الأشقياء وعامة الغلابة في مصر الجديدة إتخاذ إجراءات عديدة تسعى من خلالها الدولة للسيطرة على زيادة الأسعار في الأسواق، بعدما تلاحظ له وتبدى أن نصائح الصبر على البلاء لم تعد تفيد في مواجهة غول الأسعار الجنونية، الذى أصاب أسواقنا المحلية..

 

وتوعد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المتهمين بجميع المنافذ التجارية في مهلة مدتها أسبوعين  بضرورة وضع الأسعار على السلع، ومن بعدها سيذهب جن الأسعار إلى مخبأه وترتاح  الحكومة من أصوات مزعجة تنادى  بحل مشكلة ارتفاع الأسعار.. جهود الحكومة لا تتوقف لحل الأزمة خلال مهلة قطعتها على نفسها قوامها شهرين وأعلنت وزارة التموين، عن لجنة لوضع سعر عادل للسلع الاستراتيجية!

سعر عادل للسلع

 

وستكون مهمة اللجنة الجديدة وفقا لما أعلنه على المصيلحى وزير التموين والتجارة ‏الداخلية، هي وضع سعر عادل للسلع الإستراتيجية والأساسية والتى ‏سيصل عددها إلى ما يقرب من 10 إلى 15 سلعة ثم رفع العدد لسبعة عشر سلعة إستراتيجية وأساسية، بمعاونة من اتحاد الصناعات واتحاد الغرف ‏التجارية ومشاركة من جهاز حماية المستهلك..

 

واستدرك على المصيلحى وزير التموين معلنا للقاصى والدانى  وموضحا  في الوقت نفسه أنه لا تسعير ‏إجبارى للسلع، بل بالسعر العادل  سيقضى على الأزمة فورا خلال شهرين وسيذهب غول الأسعار وشياطينه إلى الجحيم ويعود التجار الجشعين إلى جحورهم  وينعم الغلابة والمعدمين بالسعر العادل  الذى لا يعرفه أحد.. وبركاتك يا حكومة.


فهل فعلا يمكن أن تنتهى أزمة جنون الأسعار في الأسواق بجرة قلم من الحكومة ولا بالسعر العادل المزعوم والمعلن عنه مؤخرا، وكل الأسباب التى صدرتها لنا الحكومة أنها السبب الحقيقى لانفلات الأسعار باقية.. فأزمة الدولار وإضطراب سوق النقد مستمرة رغم دولارات صندوق النقد أو البلاء الدولى، والحرب الاوكرانية الروسية تتصاعد، وجائحة كورونا وتداعياتها لم تنتهى بعد..

 

والأهم هل فعلا نمتلك أجهزة رقابية على الأسواق، وهل من حق حكومة تحول اقتصادها لآليات السوق وبدأت تتبع سياسات العرض والطلب منذ انفتاح السداد مداح إياه قبل نحو ٥٠ عام أن تراقب أسواقها وتتحكم في أسعار السلع المتداولة بها، أو بالأحرى هل كانت حكوماتنا المتعاقبة خلال نصف قرن من التحول لآليات السوق الحر جادة في حماية مواطنيها من عامة المستهلكين للسلع والبضائع المتداولة في أسواقنا المحلية..

 

هل بنت الحكومة منظومة تشريعية وادارية بديلة لوزارة التموين للرقابة على الأسواق وحماية المستهلكين، وقرروا في مناهجهم مبتدعى نظام السوق الحرة أنفسهم، لتبدأ من الجمارك والموانئ وتتضمن آليات متعددة لحماية حقيقية للمستهلكين من جشع التجار وأهل الإحتكار وضرب المنافسة العادلة في الأسواق تتولاها تنظيمات الاقتصاد الحر ذاته ممثلة فى اتحادا الصناعات والغرف التجارية بمعاونة سلطات الجمارك وجهاز حماية المستهلك وأجهزة الرقابة الصناعية والحجر الزراعية تحت مظلة القانون العام والجنائى.. 

 

سيقول قائل وهل نحن لا نمتلك شبيه لهذه الاجهزة؟.. والإجابة نعم لدينا  كل تلك الاجهزة  ولكن  هل لها وجود حقيقى في الرقابة على الأسواق ومفتش التموين أصبح على المعاش ومسئول حماية المستهلك وحماية المنافسة ومنع الاحتكار بلا صلاحيات أو آليات واضحة تتفاعل مع جمهور الأسواق.

 

وبفعل فاعل فى زمن سيادة نفوذ أصحاب المال والعمال وهيمنتهم على اللجان الفاعلة فى مجلس الشعب إياه، أصبح السؤال.. من كان له الإسهام الأكبر في وضع القوانين المنظمة لعمل تلك الأجهزة والتنظيمات ولعب لعبته لتحول كل اجهزتنا المعنية بحماية المستهلك وحماية المنافسة ومنع الاحتكار إلى مجرد هياكل بلا روح أو دور حقيقى لتصبح بمرور الوقت مجرد خيال مآتة..

وهذا هو مربط الفرس، لتصبح معها فعالية اجهزتنا الرقابية وقدرة أجهزة حكومتنا الميمونة في السيطرة على الغلاء وجنون الأسعار وحماية المواطنين من جشع التجار وأباطرة الإحتكار في خبر كان، وحال المستهلكين يا مغيث في إنتظار الرحمة وشفاعة السعر العادل.

الجريدة الرسمية