رئيس التحرير
عصام كامل

بئر الوجع!

هلا حدثتك يا صديقي عن بئر الوجع.. ذلك البئر الذي لا يجف ما دمت على قيد الحياة.. مادام فيك قلب ينبض بالحب وجهاز شعوري يعمل بكامل إنسانيته.. مادمت خبيرًا في قراءة أوجاع البشر! بئر الوجع يا صديقي ينمو مع نمو فتحات أحداقنا.. ما دمنا نرى الأشياء والأحداث والمواقف كما هى.. دون رتوش! ومع اتساع العمر والساعات والسنين اتسعت فوهة البئر.. حتى صار البئر الذي بداخلنا كبركان يغلي كلما قهرتنا الظروف.. وكلما شاهدنا أخطاءً وشعرنا أمام إصلاحها بالعجز! أما وقد عرفت البئر فهل عرفت الوجع يا صديقي؟! 


حسنًا سأخبرك به.. إن لم تكن الأيام قد أهدتك كأسًا من بئره المعبئة بأوجاع السنين.. فليس بالضرورة أن تخوض تجربة الوجع كي تشعر بمرارة الكأس.. يكفيك فقط أن تكون إنسانًا طبيعيًا كما خلقه الله.. تعمل حواسه بشكلٍ سليم، ولا سيما طبعًا الجهاز الحسي.. والعقل غير النرجسي.. والتفكير الذي يحتمل مسارات متعددة.. والأفق الذى يتسع لجميع الأفكار والمسارات وطبائع البشر.. سيشعر بالوجع من يدرك جيدًا نهاية الرحلة كما أدرك بدايتها.. ويكون على يقين بأنه حتما سينتهى به المطاف إلى أعتاب الموت.. 

 

حينها سيتجرد الإنسان من أعباء الحياة ومسئولياتها بنفس القدر الذي يتجرد فيه من ممتلكاته.. وعلى قدر القدرة على التجرد يقترب الانسان من ذاته.. وعلى قدر التجرد يسمو الانسان بروحه.. وعلى قدر السمو يشعر الإنسان بأوجاع الغير.. وربما أيضًا بنفس القدر! 

الوجع والبهجة


وقد لا يحتاج الشعور بالوجع إلى الصياح أو الأنين.. فربما تجده ساكنًا بقوة في مفردات كلماته المتناثرة وعباراته المتلعثمة.. وحتما سترى الوجع مفضوحًا في أعين الانقياء والمخلصين.. غير القادرين على التلون.. وغير البارعين في فنون الشكوى.. سوف تجد الوجع جاثمًا في أحداق العيون يتحرك يمينًا ويسارًا مع نظاراتها الحائرة! 


لاشك أن شيئا من البئر قد صنعناه بأيدينا، لكن أشياءً منه قد صنعتها الظروف والسياقات والأقدار.. وقد يكون البئر هشًا، وقد يكون عميق.. حسب الفلسفة التى تربينا عليها، ومساحة الثقب الذي ننظر منه على عالمنا المحيط! وقدرتنا على ردمه دائمًا محكومة بالإرادة، ومساحات العمر التى نملكها.. وفى كل حالة ربما لا نكون وحدنا من صنع البئر، لكننا يقينا وحدنا القادرون على ردمه! 


وقد يتصارع بئر الوجع مع بئر البهجة المرهون بحجم طاقة التفاؤل التي داخلنا.. وكل بئر يحتاج إلى طعامٍ كي ينمو.. فأبيار المياه تحتاج إلى مزيد من المطر.. وأبيار الجحيم تحتاج إلى مزيدٍ من الحطب! 
إذن أنت بحاجة دائمة إلى دراسة البئر الذى بداخلك حتى لا تجف أبيار البهجة؛ فتجف معها الحياة التى تعيشها.. وحتى لا يفيض بئر الوجع؛ فيتحول إلى مصارف جارفة من الدموع، تُشقِقُ ملامحَ الوجه، وتعرف طريقها إلى القلب؛ فتقتله! 


الموجوع يا صديقي كالمهموم لا يعيش طويلًا.. فعمر السعادة لديه قصيرٌ للغاية.. فالأوجاعُ دودةٌ شرسة.. رغم أنها ضعيفة، لكنها تطارد سعادتنا بلا هوادة، وتأكل أعمارنا بلا رحمة.. وبئر الوجع رغم عمقه يا صديقي لكنه مصنوعٌ من الورق.. وجرعة واحدة من الأمل قادرة على ردمه.. فهذا البئر لا تملئه أوجاع الدنيا مهما بلغت.. ويكفى لردمه كأس واحد من الإرادة والصبر والمثابرة واليقين والثقة بالذات والايمان بأننا آلات عذبة تعزف على أوتارها أقدار الله النافذة! 

 


فما دمت حرًا يا صديقي انهض ولا تخف.. وتخلى عن أبيار الوجع التى صنعتها لحظات ضعفك المتكررة.. وإعلم بأن الذى يكونون في معية الله لا يسقطون أبدًا.. فلا تخف.. وكم أخاف أن يبتلع البئر طاقات البشر.. وكم أخاف أن يبتلع البئر الطموحات والآمال.. وكم أخشى أن يبتلع البئر العمر! 

الجريدة الرسمية