رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عامل النظافة.. خط أحمر!

في الحقيقة كنت لا أفضل الدخول في مارثون ظاهرة عامل النظافة الذي تم طرده من محل الكشرى.. ولكن مع تزايد ربط أفعال أو تصرفات المدعو بعامل النظافة غير المفهومة وربطها بمهنة أعدها من أهم المهن.. كان لزامًا علي الحديث والدفاع عن شرف مهنة النظافة العامة والعاملين فيها! فلا يستطيع أى مجتمع أن يعيش دون أن يكون هناك عمال نظافة أمناء مسئولين حريصين على نظافة شوارع مدنهم والمرافق العامة لأوطانهم ببدلهم الزرقاء حتى يتفرغ أصحاب الياقات البيضاء من ممارسة أعمالهم الفنية بهدوء وبعيدًا على روائح أكوام الزبالة التى تعشش فيها الجرذان والكلاب والقطط الضالة!

 إن ما يحدث يوميًا على صفحات السوشيال ميديا ليس تنمرًا على شاب "مِلّزق" فقد صوابه، وإنما تنمر على أصحاب مهنة ندين لهم جميعًا بالفضل.. ونسدد كل لحظة لهم ولأسرهم ضربات موجعة في كرامتهم! فماذا لو عزف عمال النظافة عن العمل.. أخبرني بقدرتك على نظافة الشوارع والمراحيض العامة؟! 


لماذا نتحامل عن غير وعي على عمال مهنة لا يستطيعوا مجاراتنا على السوشيال ميديا ولا تجرؤ أسرهم حتى عن الدفاع عنهم وحتى لا يتعرضون إلى مزيدٍ من التنمر والوصمة! ففى الوقت الذى نطارد كرامتهم فيه بالتنمر على صاحبة المهنة المزيف والواقعة المختلقة، يكون فيه عمال النظافة مشغولون بنظافة شوارعنا وترتيب مكاتبنا بكل حب.. فعادة ما تكون مفاتيح مؤسساتنا معهم فهم أول من يفتحها وأخر من يغلقها.. فهل  ترى من البساطة أن نتخلى عن مهنة بيدها مفاتيح المستقبل أقفال الحاضر.. ترى هل من الانسانية أن نطارد بلا رحمة من يحملون قذارتنا على أكتفاهم دون ملل؟!

 
لقد شغلت قضية التحامل على الضعفاء علماء الغرب وعجت مؤلفاتهم بالدفاع عنهم دون نص قرأني يستندون إليه، ولكن بدافع الإنسانية وحدها وربما دافع العقل والمنطق الوطني والإنساني السليم، الحريص على عدم تحول المجتمعات البشرية من اليوتوبيا ويقصدون بها المدن الفاضلة النظيفة، إلى الدستوبيا والتي يقصدون بها المدن القذرة!

دفاع عن عمال النظافة

ولكن يبدو أن هوس التريند وإدمان السوشيال ميديا بات أكثر سطوة على العقل الجمعي فى مجتمعاتنا، وتسبب ربما بفعل فاعل في وأد الضمير وأخلاقيات التعامل الإنساني.. كما تسبب في عدم التمييز بين ما هو إنساني وغير إنساني وما هو وطني وغير وطني.. وأعتقد أن الساند الأول لهذه الظاهرة هو حالة الانفلات التى يتسم بها الفضاء الإليكتروني وعدم المساءلة الجنائية عن تلك الأفعال، التى ترقى في تصوري إلى أن تكون جرائم في حق الإنسانية والوطن معًا!


فمقالتي تلك ليس مقصدها الدخول فى سباق التنمر على صاحب واقعة الكشري، وإنما دفاع واجب عن عمال النظافة ودورهم المهم في بناء الوطن وحماية بيئته والحفاظ على الصحة العامة والارتقاء بالمزاج العام حتى لا تعكره عواصف التلوث وحتى تخرج صورة الوطن خالية من أكوم القمامة!
فمن العقل وكذلك حسن الخلق ألا ندع شهوة التنمر تتسلط على مصلحة الوطن وتتسيب فى قهر كرامة المخلصين!


إن الاهتمام بهذه الواقعة من كبرى الصحف والمواقع الإخبارية التى تفرغت لتتبع تحركات صاحب الواقعة يعد مؤشرًا خطيرًا على مدى ومساحة السطحية التى وصلنا إليها.  وكذلك دليل قاطع على أن الوعي العام بات فى خطر! وأن العالم الافتراضي قد صَدَّر إلينا واقعًا مزيفًا أو واقعًا بديلًا؛ ربما ليلهينا عن قضايا واقعنا المعيش، الذي بتنا عاجزين عن مواجهته، والتعاطي مع أزماته المتكررة والمتصاعدة، حتى أصبحنا نسخر فيه من كل شيئ، حتى من أجمل القيم التى جبلنا على قداستها!

 

فلماذا أصبحنا نتحامل على الضعفاء دون رادع.. ولماذا أصبحت السطحية فى معالجة قضايانا الاجتماعية عنوانًا يتصدر واجهة الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي! فكم كنت أخشى أن يتصاعد الاهتمام بصاحب واقعة الكشري فنُخصص له جلساتٍ برلمانية خاصة؛ للمطالبة بحقوقه المسلوبة زيفًا، باعتبارها القضية الأهم في لحظة تاريخية حرجة، تئن فيها شعوب العالم من موجات الغلاء!

وما دمت قد تطرقت عنوة للحديث عن واقعة الكشري فدعوني أكون أكثر إيجابية، وأطالب بيوم وطني لعمال النظافة يوافق ١١/١١ من كل عام نُكرم فيه أصحاب الضمائر الحية والآيادي البيضاء من عمال النظافة.. وربما يستحق أن نطلق عليه رمزًا.. يوم تكريم الزبالين.

Advertisements
الجريدة الرسمية