رئيس التحرير
عصام كامل

بزنس البلاستيك.. باحثون يحذرون من خطورة الأكياس القابلة للتحلل.. والبديل الآمن يتوقف على إدارة جيدة للمخلفات

الاكياس البلاستيكية
الاكياس البلاستيكية

فى عالم يبحث عن الأمان البيئى ومقاومة الانبعاثات ومخاطر التلوث، أصبح البلاسيتك شبه مطارد من كل البلدان التى تملك أدنى ثقافة بيئية، فرغم مميزات وفوائد البلاستيك لكن مشكلاته كارثية وضرره أكبر من نفعه والنفايات التى تنتج عنه تحتاج وقتًا طويلًا للتحلل، لهذا أصبحت كيفية التخلص من بقايا البلاستيك مشكلة تسبب قلقًا بيئيًا رئيسيًا.

استثمارات بالمليارات

وبالتزامن مع قمة المناخ بمدينة شرم الشيخ تفتح «فيتو» ملف البلاستيك، حيث تعد صناعة من أهم الصناعات المصرية ولها التأثير الأقوى فى معدلات النمو الاقتصادى، حيث تتربع مصر على عرش القارة الأفريقية فى حجم الإنتاج بنحو 2.1 مليون طن وتمثل أكثر من 20% من حجم سوق البلاستيك لقارة أفريقيا، طبقًا لأحدث تقارير المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية.كما يبلغ حجم الاستثمارات بهذا القطاع نحو 7.2 مليار دولار، ويتجاوز حجم الإنتاج نحو 198 مليار جنيه وعدد المصانع 7500 مصنعا، يعمل بها 524 ألف عامل، كما يبلغ حجم استهلاك مصر سنويا من المنتجات والمواد البلاستيكية 935 مليار دولار يزداد بمعدل 9.7%.

وتستحوذ صناعة التعبئة والتغليف على 38% من إجمالى استهلاك المواد الخام للدائن البلاستيك، وبلغ حجم صادرات مصر بقطاع الكيماويات عام 2018 نحو 5.399 مليار دولارًا منها 1.656 مليار دولار صادرات منتجات البلاستيك بنسبة 31% من صادرات القطاع.

ويصل حجم الواردات نحو 3.202 مليار دولارًا، وتمثل الواردات المصرية من البلاستيك حوالى 70% من احتياجات البلاد من المواد الخام بينما توفر المصانع المصرية المنتجة للبولى بروبلين والبولى إيثيلين حوالى 30% فقط من احتياجات المصانع العاملة، بينما تحتل مصر المرتبة الـ 38 فى قائمة الدول المصدرة للبلاستيك بقيمة 1.7 مليار دولار خلال 2020 لينخفض من 2.2 مليار دولار فى 2019 بسبب جائحة كورونا.

6 % من المخلفات

كما يقدر المركز المصرى لتكنولوجيا البلاستيك أن البلاستيك يمثل ستة فى المائة من مخلفات مصر أى نحو 970 ألف طن، ويتم إعادة تدوير 45 فى المائة منها فى حين يتم إعادة تدوير 10 فى المائة فقط من البلاستيك المنتج على مستوى العالم. ويتم إعادة استخدام 5% من المخلفات البلاستيكية مرة أخرى، وتوجد فى مصر 700 كسارة تنتج حوالى 262 ألف طن سنويًا، و400 ماكينة جرش تنتج حوالى 120 ألف طن سنويًا، و450 ماكينة تخريز تنتج حوالى 172 ألف طن سنويًا، (الدراسة القومية لقطاع إعادة تدوير البلاستيك فى مصر – مركز تكنولوجيا البلاستيك –14‏/12‏/2021).

أطلقت وزارة البيئة منذ حوالى عامين أكياس بلاستيكية قابلة للتحلل، وهى الأكياس التى أنتجتها الوزارة بالتعاون مع مركز البيئة والتنمية للإقليم العربى وأوروبا «سيداري»، بديلا عن الأكياس البلاستيكية العادية، وأكدت أن الأكياس الجديدة مصنوعة من البلاستيك صديق البيئة، الذى يستغرق 18 شهرًا للتحلل، على عكس الأكياس العادية التى تستغرق من 30 إلى 50 سنة للتحلل.

وخصصت وزارة البيئة 6 ملايين يورو للمصانع المنتجة للبلاستيك لدعم إنشاء خطوط إنتاج الأكياس القابلة للتحلل، وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أن الوزارة تعمل على خلق آليات تحفيزية للمصنعين العاملين فى إنتاج الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل، بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة واتحاد الصناعات وشركاء آخرين.

بلاستيك محظور

وأعلن جهاز شئون البيئة عن حظر استخدام البلاستيك القابل للتحلل باستخدام الإضافات المحفزة للأكسدة؛ لعدم فاعليتها فى عملية التحلل الحيوى للبلاستيك سواء فى الظروف البيئية البرية أو البحرية ولما لها من إضرار بيئية تؤثر وبشكل مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان والكائنات الحية فى البر والبحر، لكن على جانب آخر خرجت المادة 18 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم إدارة المخلفات، والتى صدرت فى 22 فبراير 2022، التى اعتبرت البلاستيك القابل للتحلل الحيوى من «البدائل الآمنة صديقة البيئة» لكن لم تحدد اللائحة التنفيذية النوع المقصود من البلاستيك القابل للتحلل الحيوى.

وقال أحمد الصعيدى، خبير قانونى مختص بقضايا البيئة، إن «قانون تنظيم إدارة المخلفات الصادر فى أكتوبر 2020 هو أول تشريع يتناول تنظيم المخلفات البلاستيكية أحادية الاستخدام، ويضع ضوابط على تصنيعها وتداولها نظرا لخطورتها على الصحة والبيئة، ويعتبر إصداره خطوة جيدة.

بديل آمن

وتقول الدكتورة الباحثة راجية الجرزاوى، طبيبة وناشطة حقوقية وباحثة فى مجال البيئة، إن بعض الشركات والمصانع المنتجة للبلاستيك استغلت عمومية نص اللائحة وعدم تحديد المقصود من البلاستيك القابل للتحلل الحيوى، وبدأت فى إنتاج البلاستيك القابل للتحلل الحيوى بالأكسدة باعتباره البديل الصديق للبيئة والحل لمشكلة تراكم مخلفات البلاستيك، بينما ما يحدث فى الواقع هو أن هذا البلاستيك يتكسر فقط إلى قطع دقيقة، قد لا تراها أعيننا لكنها تتراكم فى البيئة وتؤثر على الصحة.

وأضافت الجرزاوى فى تصريحات خاصة لفيتو أن هناك مخاوف أن تزيد بعض هذه الجهود مشكلة التلوث بالبلاستيك بدلًا من تخفيفها عن طريق الترويج لاستخدام البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة كبديل آمن على البيئة بينما هو ليس كذلك، فيتميز هذا البلاستيك بأنه رخيص ولا يتطلب تعديلًا كبيرًا فى التقنيات، فهو يصنع من نفس المواد المستخدمة فى صناعة البلاستيك التقليدى، مع إضافة مواد تسرع من تكسير جزيئات البلاستيك بالأكسدة لتتفتت إلى أجزاء صغيرة.

ويزعم المصنعون أن هذه الأجزاء سوف تتحلل بيولوجيًّا بعد ذلك عن طريق البكتيريا والفطريات إلى مكونات أولية تمتص فى البيئة، إلا أن عددًا كبيرًا من العلماء والمؤسسات الدولية والحكومية المهمة والمختبرات الصناعية والجمعيات التجارية يتشككون ويرون أنه لا يوجد أى يقين على أن جزيئات البلاستيك تتحلل بيولوجيًّا بشكل كامل فى البيئة.

ليس حلًا آمنًا

ولفتت الباحثة البيئية إلى أنه فى عام 2018 أصدر البرلمان الأوروبى قرارًا يعتبر أن العبوات البلاستيكية القابلة للتحلل بالأكسدة لا تعتبر قابلة للتحلل البيولوجى ولا تتطابق مع المواصفات الأوروبية.وقبل ذلك فى عام 2015 أشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بعنوان: «البلاستيك القابل للتحلل الحيوى بالأكسدة والنفايات البحرية» إلى أن البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة لا يعتبر حلًّا للحد من النفايات البحرية، وحذر من أن وصف المنتجات بأنها «قابلة للتحلل» يزيد من ميل الجمهور إلى إلقاء القمامة.وفى نوفمبر 2017 وجهت 150 جهة عالمية نداء يدعو إلى فرض حظر على المواد البلاستيكية القابلة للتحلل بالأكسدة لأن دلائل مهمة تشير إلى أن هذا البلاستيك لا يتحلل بيولوجيًّا فعليًّا، بل يتفتت إلى أجزاء صغيرة ومايكروبلاستيك تزيد مخاطر التلوث بالبلاستيك

هناك فرق

وعلى جانب آخر أوضح الدكتور أحمد محمود يوسف، رئيس قسم مواد التعبئة والتغليف بالمركز القومى للبحوث، أن هناك فرقا بين البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة والبلاستيك القابل للتحلل البيولوجى بالأكسدة، والفرق فى المرحلة التى يصل إليها أو يتوقف عندها التحلل أو التفاعل، لأن البلاستيك الذى يحتوى على مواد تحفز الأكسدة قد يتحلل بالأكسدة ثم يتوقف التفاعل عند هذه المرحلة (التحلل بالأكسدة)، أو قد يستمر التفاعل إلى درجة التحلل البيولوجى (التحلل البيولوجى بالأكسدة).

وأضاف يوسف لـ “فيتو” أنه بالرغم من أنه من الثابت علميًّا أن المواد المؤكسدة المضافة تسرِّع عملية تحلل البلاستيك، إلا أن الظروف المتغيرة فى البيئة المفتوحة مثل نسبة الأكسجين أو الضوء والحرارة تؤثر على عملية التحلل وقد توقفها، وهذا هو موضوع الخلاف الأساسى حول هذه الأنواع من البلاستيك. ويعتبر البلاستيك البيولوجى هو البلاستيك الذى يحتوى على 20% أو أكثر من المواد المتجددة مثل النشا وغيرها، مشيرا إلى أنه ليس كل أنواع البلاستيك البيولوجى قابلة للتحلل البيولوجى، لكن الأنواع القابلة للتحلل البيولوجى منه تتحلل مائيًّا خلال عملية التسميد.

وأكد أستاذ مواد التعبئة والتغليف أن البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة لا يتوافق مع المعيار الأوروبى EN 13432 أو المعيار الأمريكى للتسميد، اذ يتطلب المعيار الأوروبى أن تتحلل المنتجات البلاستيكية تحللًا بيولوجيًّا بنسبة 90% بعد 90 يومًا فى المختبر قبل أن يتم تسويقها على أنها «قابلة للتحلل البيولوجي»2.

عالية التكلفة

ولفت الأستاذ بالمركز القومى للبحوث إلى أنه رغم أن البلاستيك البيولوجى والأوراق يمكن تحليلها بيولوجيًّا فإنها عالية التكلفة لتصبح بديلا للأكياس البلاستيكية العادية كما أنها قد تكون أثقل وزنًا وأضعف وتصنيعها يحتاج إلى المياه والطاقة واستخدام الأرض ويجب جمعها بشكل منفصل، لذا يجب الموازنة بين مزاياها والعبء البيئى لها وعدم الإفراط فى استخدامها.

وأشار الدكتور أحمد يوسف أن البديل الآمن هو اعتماد إدارة جيدة للمخلفات البلاستيكية تتبنى المبادئ الأساسية من تقليل الاستهلاك بمنع وخفض، وتقليل استخدام البلاستيك وخاصة فى التعبئة والتغليف كلما أمكن، وعند استخدام البدائل يجب أن تكون البدائل صديقة للبيئة، بالإضافة إلى إعادة استخدام البلاستيك كلما كان ذلك ممكنًا، لأن هذا يقلل الحاجة إلى البلاستيك أحادى الاستخدام.

نقلا عن العدد الورقي
 

الجريدة الرسمية