رئيس التحرير
عصام كامل

باب السيد البدوي

لا شك أن إحياء ذكرى الأولياء والصالحين وتذكر مناقبهم وسيرتهم الطيبة العطرة تحيي القلوب وتسعدها وتحرك المشاعر الطيبة في القلب وتقرب إلى الله تعالى. وصدق القائل: "كم من أموات تحيا القلوب وتسعد بذكرهم. وكم من أحياء تتعذب النفوس وتشقى برؤياكم"، فما أطيب الحديث عن أولياء الله تعالى وعباده الصالحين وخاصة من يصل نسبه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أهل بيت النبوة الأطهار، الذين خصهم الله تعالى بالطهر والتطهير.. يقول تعالى: “رَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ”.. والذين خصهم بالرحمة والبركة..

 

وجعل سبحانه وتعالى مودتهم فرضا على الأمة بأسرها حيث قال عز وجل: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ).. فما أطيب الحديث عنهم وصدق القائل إذ قال: (ألا بذكر الصالحين تتنزل الرحمات). وحديثنا في المقال عن رجل من خاصة أهل ولاية الله تعالى ومحبته عن ثالث أقطاب الأرض عن الولي التقي النقى صاحب السيرة والمناقب الطيبة والكرامات الزاهرة، ألا وهو السيد أحمد البدوي رضى الله عنه..

 

وهو السيد أحمد بن السيد علي بن السيد يحيى الذي يصل نسبه إلى سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وإحدى ريحانتاه وسيد شباب أهل الجنة مولانا الإمام الحسين بن علي عليه السلام.. ولد رضي الله عنه بمدينة فاس بالمغرب سنة ٥٩٦ هجرية وتوفي بمدينة طنطا بمصر سنة ٦٧٥ هجرية. وله مقام مشهور بها يتردد عليه ملايين من المحبين من جميع بقاع الأرض..

 

السيد أحمد البدوي له كنيات عديدة منها شيخ العرب، والملثم،وأبي الفتيان، وأبو العباس، وأبو فراج، والسطوحي، وعيسوي المقام، والقطب الرباني، وباب النبي، والصامت، والزاهد، والفتوة، والقدسي، وبحر العلوم، والمعارف، والعطاب، وجياب الأسرى، وندهة المضام، والأسد، وولي الله..

كرامات السيد البدوى 

 

ولد رضي الله عنه ونشأ وتربى في أحضان أسرة كريمة وبيت من بيوت أهل بيت النبوة فتربى على الفضائل ومكارم الأخلاق. حفظ كتاب الله تعالى وهو إبن السادسة من عمره وتلقى علوم السنة النبوية الشريفة على يد والده. أحب الخلوة وهو في مرحلة الصبية وكان صواما قواما ذاكرا لله تعالى، وبلغ من حاله في عبادته أنه كان يطوي الأربعين يوما بلا طعام، وكان يغلب عليه الصمت والتفكر والنظر في آيات الله عز وجل، وكان زاهدا ليس في متاع الدنيا فقط وإنما فيما سوى الله تعالى.

 

وكان صاحب سياحات في الله لطلب المزيد من العلم ومجالسة الأولياء والصالحين في الأقطار فجاب الأرض شرقا وغربا طلبا للعلم ومجالسة الصالحين.. منها سفره إلى مكة المكرمة ومكوثه بها ثلاث سنوات ثم انتقاله إلى مصر ثم إلى العراق ثم إلى بلاد الشام، ثم إلى مصر حيث استقر بها في بيت السطوحية، وقام بتربية المريدين والرجال في طريق الله تعالى.

 

وهب عليه السلام حياته لله فلم يتزوج حتى لا يشغله شاغل عن عبادة ربه تعالى وذكره.. والسيد البدوي له حكاية لطيفة مع والده السيد علي بن السيد يحيى وهي: سأله والده يوما قائلا: يا أحمد أتريد أن تكون قطب زمنك ووقتك؟ فرد قائلا: رحمك الله يا أبتاه وما قطب الوقت؟ فقال والده: هو الوارث المحمدي الكامل والنائب عن الحضرة المحمدية في زمنه.. فقال: رحمك الله يا أبتاه لما تقول لي هذا..

 

فأجابه قائلا: لما أراه عليك من حال يا بني زهدك في الدنيا وعدم إقبالك عليها وصيامك وقيامك وإقبالك على الله تعالى وإشتغالك بذكر وحبك للعزلة والخلوة ومخالفة أحوال أقرانك وإذا دعوناك لطعام وجدناك صائما وإذا تحسسناك بالليل وجدناك قائما لله تعالى ذاكرا، فكل ذلك دعاني أن أقول لك ما قلت.. فسأل البدوي والده قائلا: أتظن يا أبتاه أن منازل ومقامات القلوب تأتي على أثر بذل المجهود؟

 

 

قال: بلى يا بني لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).. قال: صدقت يا أبتاه ولكني أرى خلاف ذلك.. فسأل الأب قائلا: وماذا ترى يا بني؟ قال: أرى أن منازل ومقامات القلوب تأتي على أثر عين الكرم والجود الإلهي لقوله سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). هذا، والسيد أحمد البدوي له كرامات عديدة في حين حياته وإلى الآن إذ إن كرامة الأولياء على الله تعالى لا تنقطع بوفاتهم فكرامتهم على الله تعالى لا تنقطع.

الجريدة الرسمية