رئيس التحرير
عصام كامل

من هدي النبي الكريم

 تلقيت دعوة كريمة من الأخ والصديق محمد الشحات مدير البرامج بالقناة الثانية للتلفزيون المصري بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، للتحدث عن بعض ما خص به الله تعالى الرسول الكريم  صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومنزلته عند ربه تعالى. فلبيت الدعوة ودار الحوار مع الإعلامية غادة الشريف عن إنسانية الرسول الكريم والعلاقات الإنسانية في حياته الكريمة، وكان مما ذكرته أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد شرفت به الإنسانية وارتقت.. 

وأن له الفضل على البشرية والإنسانية فقد جلاها في أسمى وأجل صورها ومعانيها من خلال علاقاته ومعاملاته مع كل من تعامل معهم في حياته. في بيته مع نساءه وأبناءه وأحفاده كان الإنسان بكل ما تحويه معنى الإنسانية. فقد كان الزوج الحنون العطوف الرحيم المتواضع الصبور المقيم لأسس العلاقات الزوجية التي شرعها الحق عز وجل في كتابه الكريم وهي المودة والرحمة. وكان من شدة تواضعه أنه كان يعمل في مهنة أهل بيته ويعاون نساءه ويساعدهن في شئونهم. فكان يرقع ثوبه بيده الشريفة ويخصف نعله ويحلب شاته وينظف فرسه بيده الشريفة.

وكان هين لين سهل العريكة لم يلطم واحدة منهن طيلة حياته. وكان يدخل السرور عليهن ويضاحكهن ويداعبهن ويتنزل إليهن.. من ذلك ما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. أنها كانت في سفر مع رسول الله وهي حديثة السن لم تبدن. فأمر الرسول من معه في السفر من أصحابه أن يتقدموا. فتقدموا. فقال لي: هيا نستبق. فتسابقنا فسبقته فسكت عني حتى بدنت وحملت اللحم وكنت معه في بعض أسفاره فقال لي: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك واحدة بواحدة. 

هذا وقد كان يعدل بين نساءه في الحقوق والواجبات. في المأكل والملبس والمبيت والمعاملات وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم وعلى آله بقوله (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك -يقصد الأحاسيس والمشاعر-فإني أحب عائشة). هذا ولقد كان صلى الله عليه وسلم وعلى آله الزوج المخلص الوفي ومما يروى في ذلك ما رواه البخاري. إن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “ذكر النبي السيدة  خديجة رضي الله عنها فاخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوز وقد أبدلك الله خيرا منها  فقال صلى الله عليه وسلم ما ابدلني الله بخير منها: أمنت بي إذ كفر الناس. وصدقتني حين كذبني الناس. وواستني في مالها إذ حرمني الناس. ورزقني الله منها الولد”. 

مواقف إنسانية

وقد ظل هذا الوفاء للسيدة خديجة بعد وفاتها فقد كان النبي يكرم جيرانها وأهل مودتها، من ذلك ما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: "جاءت امرأة عجوز إلى النبي. فقال لها: من أنت؟ قالت: جثامة المزنية من بني مزن. فقال لها مداعبا: بل أنت حنانة المزنية. وهش بها وأضحكها وأكرمها وسألها: كيف أنتم. كيف حالكم. كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي وأمي أنت يا رسول الله. فلما إنصرفت قلت: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال وتهش بها. فقال: يا عائشة إنها من صحيبات خديجة وإن حسن العهد من الإيمان".

هذا وقد كان صلى الله عليه وسلم وعلى آله يسري على نساءه ويدخل السرور عليهن. من ذلك ما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. كان أناس من الحبشة يقدمون الى المدينة يلعبون بالحراب بالمسجد وكنت أحب أن أشاهدهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني برداءه وأنا واقفة بين أذنه وعاتقه فيظل واقفا حتى أكون أنا الذي انصرف. فاقدروا قدر الحديثة السن الحريصة على اللهو"..

هذا ولقد كان يصبر على نساءه ويتحملهن ومن ذلك ما رواه النعمان  بن بشير رضي الله عنه قال: “إستأذن أبي بكر الصديق رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة رضي الله عنها  مرتفعا على رسول الله فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: لا أراكي ترفعين صوتك على رسول الله”. فجعل النبي يحجزه ويمنعه من لطمها وخرج أبو بكر مغضبا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل، فمكث أبو بكر أياما ثم استأذن علي رسول الله  فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما أدخلاني في سلمكما كما ادخلتماني في حربكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا قد فعلنا.

هذا ومما روى عنه في طيب وحسن معاملته مع بناته ما كان بينه وبين السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام حينما كانت تقبل عليه فقد كان يفرح بقدومها ويقوم لها ويقبلها بين عينيها قائلا: مرحبا. مرحبا. مرحبا بأم أبيها، لقد أشبهتي أبيكي خلقا وخلقا.. وكان من عاداته عندما يعود من سفر يبدأ بالمسجد يصلي ثم بزيارة السيدة فاطمة عليها السلام  قبل نساءه. وروي أنها قد  شكت له يوما من ضيق حالها وتعبها من أعمال البيت.  فقال لها: "يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين قالت: تلك مريم إبنة عمران. قال: تلك سيدة نساء عالمها أما انتي فسيدة نساء العالمين".

هذا وقد كان يحب أبناءها الإمام الحسن والإمام الحسين حبا جما حتى أنه كان  يحملهما فوق ظهره ويمشي بهما. ودخل عليه سيدنا جابر بن عبد الله فرآه يمشي على كفيه وركبتيه والحسن والحسين فوق ظهره. فقال: نعم الجمل جملكما. فنظر إليه رسول الله وقال: ونعم الراكبان هما، وفي رواية "وأبوهما خير منهما".

عزيزي القارئ هكذا كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله إنسانا في بيته مع نساءه وأبناءه وأحفاده إنسانا بكل ما تعنيه الإنسانية من مكارم وفضائل ومحاسن وقيم إنسانية نبيلة.. فما أحوجنا إلى الرجوع إلى هديه القويم وسنته الرشيدة..

الجريدة الرسمية