رئيس التحرير
عصام كامل

حلم بوجبة لم يتحقق!

ما سأسرده ليست مشاهد سينمائية، أو سيناريوهات لدراما رمضانية، أو حتى حكاوى شعبية لدغدغة المشاعر، إنما هو واقع أليم شاهدته بعينى وليحاسبني الله عليه إن كان به حتى  قليلا من خيال.. للأسف وبكل آسى صار واقع الكثير منا أكثر شجونا من عالم الفن الروائي أو الأعمال الدرامية المأساوية، فحتى وقت قريب كان هناك مثل شعبي يقول: (لا أحد يبات من غير عشاء في مصر)، لكن الحال تبدل وأصبح هناك من يفتقد الإفطار والغداء والعشاء أيضا بفعل الغلاء الفاحش والمستعر، والذي لا تتوقف نيرانه عن التهام الغلابة ومن أصبحوا غلابه في سنوات قليلة.

رائحة الشواء

بيت في أحد الأحياء الثرية في مدينتى دمنهور، كان يقيم مأدبة عرس فاخرة وكبيرة، لكن يبدو أن أصحابها قصروها فقط على أقاربهم وأصدقائهم وحرموا منها من يستحقها من الفقراء، ومن هم بحاجة لتذوق اللحوم ولو لمرة فى الشهر أو ربما فى العام.. تصادف أنني كنت أشتري بعض السلع من متجر أمام هذا المنزل، وكانت رائحة الشواء والطعام الفاخر تنتشر في المكان، رأيته وهو يتقدم بخطوات مثقلة وحرجة.. 

رجل في منتصف العمر يبدو عليه الإرهاق الشديد، وجهه شاحب، ثيابه نظيفة، لكن يبدو أن الجوع قد أنهكه والإشتياق لوجبة دسمة جعله يقطع الشارع أمام بيت أصحاب الوليمة مرات ومرات ذهابا وإيابا لعل أحدهم يدعوه لتناول الغداء مع الضيوف، لكن أحدا لم يعره اهتماما.. حاول في المرة الأخيرة وذهب لأحد أصحاب العرس وهنأنه، فشكره الرجل وتجاهله تماما ولم يدعه للدخول مع من كان يستقبلهم، فانصرف كسير النفس خاوي البطن وعينيه تبرق بها دموع مكبوتة وآسى قاتل!

تذكرت حينها حديث الرسول الكريم عندما ذم الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويجنبها الفقراء.. لكن يبدو أن قلوبنا قست جدا ونسيت الدين وتجاهلت قيم التكافل وإطعام الطعام للفقير والمسكين وكل ذي حاجة، وأصبح كل ثري منغلق على نفسه وعلى ذويه وأقرانه ومن ينتفع من علاقته بهم.

كان بائع المتجر يقف بجوارى وأنا أتأمل هذا الرجل، وحقا تألم كثيرا لحال هذا المسكين الذى كان يأمل في قطعة لحم، أو قليل من طعام لا يتذوقه إلا نادرا، لأنه قال لي إن هذا أصبح حال الكثيرين هذه الأيام وأنه بحكم عمله في هذا المتجر، أصبح هناك الكثير ممن يدخل ليشترى سلعة معينة، فيسأل عن سعرها ثم يتراجع ويتحجج بأى شىء حتى يجنب نفسه الإحراج مع شدة حاجته لتلك السلع الضرورية كالأرز أو الزيت أو أساسيات المنزل.

عالم آخر مستفز

في إحدى قنوات الرياضة، يخرج على المشاهدين شاب ودع أسباب الفقر وودع معه مظاهر الرجولة المعتادة، حيث تعلو رأسه قصة شعر نسائية، ويتدلى من صدره ويده حلى نسائى، يستضيفه مذيع كل مؤهلاته أنه قريب أحد من لعبوا الكرة وركلوها يوما ما، ليحدثونا عن لاعب ضحي كثيرا من أجل نادي معين ووقع ليلعب له مقابل ٧ ملايين جنيه فقط  في الموسم، وأنه كان معروضا عليه أضعاف هذا المبلغ الصغير، لكنه حبا في النادي رضى بالقليل! 

إلى متى نتحمل هذا السفه وهذا الإستفزاز بينما الأكثرية تجاهد من أجل تلبية مطالب أسرها يوما بعد آخر، لماذا لا تكون الضرائب على الدخل متفاوتة بتفاوت الدخل  نفسه، إن اللاعب أو الممثل أو المغني الذين يتقاضى ملايين شهرية أو مقابل حفلة أو عمل فني يجب أن يدفع نصف دخله كضريبة مثل كل دول العالم من حولنا، لما يجوع ناس ويرفل آخرون في نعيم لا يستحقونه، والكارثة أنه عندما يمرض أو يدمن أحد هؤلاء المرفهين المدللين يعالجون على حساب الدولة، وتخرج أصوات قميئة تصفهم بأنهم ثروة قومية يجب الحفاظ عليها.. 

هم ليسوا ثروات بل هم هدر واستنزاف لثروات الشعب، الثروة القومية بحق هو كل شريف يكافح ليعيش بكرامة دون أن يكون من المحظوظين ومن تسلط عليهم الأضواء الزائفة.
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية