رئيس التحرير
عصام كامل

خراب بريطانيا على يد الحريم.. الانهيار بدأ في عهد مارجريت ويكتمل مع ليزا

تراس وتاتشر
تراس وتاتشر

تعاني بريطانيا أزمة اقتصادية حادة، وفشلت رئيسة الوزراء ليزا تراس، في تحقيق وعودها بالرفاه التي عولت عليها للفوز بمنصبها، خلفا لـ بوريس جونسون الذي غادر منصبه لذات الأسباب.

 

انهيار بريطانيا اقتصاديا وسياسيا

قبل أن تكمل ليزا تراس شهرين داخل داونينج ستريت (رئاسة الحكومة البريطانية) تلقتها آمالها في البقاء بمنصبه ضربة قاسية بعدما أعلن نواب حزب المحافظين مطالبهم باستقالتها.

 

كان رئيس مجلس العموم البريطاني، توري كريسبين بلانت، أول  برلماني يدعو ليزا تراس علانية إلى الرحيل عن منصبها، لكن مجموعة من الآخرين شككوا علانية في قدرتها على البقاء في داونينج ستريت.

 

وقال السير مالكولم ريفكيند، عضو حزب المحافظين، لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية أنه من "المصلحة الوطنية" أن يطالب أعضاء البرلمان باستقالتها، بينما دعاها النائب أندرو بريدجن أيضًا إلى الاستقالة، قائلًا: "لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، بلادنا وشعبها وحزبنا يستحقون الأفضل".

 

وبدأت تتكشف ملامح التوافق على خليفتها فى المنصب، واتضح أن حلفاء وزير الدفاع، بن والاس، يحشدون الدعم بين أعضاء البرلمان من أجل الاستيلاء على السلطة.

 

وخلف الكواليس، من المتوقع أن تجتمع مجموعات من نواب حزب المحافظين وأعضاء البرلمان هذا الأسبوع لمناقشة سبل عزل تراس".

 

انتقاد بايدن لخطة تراس

اللافت في الأزمة البريطانية والذي يعد خروجًا عن المألوف، هو وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن السياسات الاقتصادية لرئيسة الوزراء ليز تراس بأنها "خاطئة" في سياق انتقاده لتخفيض الضرائب عن الأثرياء.

 

تصريحات للرئيس الأمريكي اعتبرها المراقبون خروج عن المألوف، وتكشف إلى حد كبير مدى تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للمملكة المتحدة، إن الارتباك الاقتصادي الذي أعقب إعلان الميزانية المصغرة كان متوقعًا.

 

التدخل الأمريكي والظرف الداخلي في بريطانيا وظهور دعوات علنية للمطالبة باستبدال النظام الملكي إلى الجمهوري بعد رحيل الملكة إليزابيث، مع فقدان الملك تشارلز الثالث كاريزما الحكم، وانتقاد الشعب للمخصصات العائلة المالكة.. جميعها أمور تثبت بما لايدع مجالا للشك أن استقالة تراس لن تكون نهاية مطاف الأزمات، فعلى ما يبدو أن الخطة الأمريكية الانتقامية من بريطانيا العظمى بعقدة التاريخ منذ حقبة الاستعمار وصلت محطتها الأخيرة، ولن يكون هناك حلول ناجزة ويبدو أن المملكة غابت عنها الشمس إلى الأبد.. والعودة إلى مطالعة أحداث نهاية عهد رئيس الوزراء البريطانية سابقا مارجريت تاتشر، يظهر إلى حد كبير ملامح انهيار بريطانيا العظمى. 

 

نهاية عهد مارجريت تاتشر

تعد مارجريت تاتشر التي توفيت إثر إصابتها بالسكتة الدماغية، واحدة من أكثر الشخصيات السياسية تأثيرا في القرن العشرين.

 

وقد طبع إرثها السياسي تأثيره الواضح على من خلفها في الحكم، من المحافظين والعمال، وتميزت فترة حكمها التي امتدت 11 سنة بأسلوب من الحزم والمواجهة أحيانا وانتهت بنفس الأزمات التي تواجه ليزا تراس الآن.

 

وبين عامي 1979 و1990، فازت تاتشر في الانتخابات بثلاث فترات متتالية لتصبح أول سيدة بريطانية تتقلد منصب رئيس وزراء بريطانيا.

 

صحيح أن فترة حكم تاتشر شهد الوضع الاقتصادي تحسن ملموس لصالح النخبة، لكن في الفترة الأخيرة من رئاستها لمجلس الوزراء تصاعدت حالة الاستياء وتزايد حدة المعارضة بين أعضاء البرلمان حتى من حزب المحافظين إزاء السياسات المالية والتي تتبناها وإدخال ما يسمى بـ "ضريبة الرأس" للخدمات البلدية.

 

وكانت تاتشر فرضت ضريبة يتم تحصيلها عن كل بالغ في البلاد وتحددها السلطات المحلية، واضطرت إلى إلغائها بعدما خرج حوالي 17 مليون بريطاني في احتجاجات زادت حدتها إلى العنف مع الشرطة. وتم تشريع ما يعرف الآن بضريبة المجلس المحلي التي يتم تحصيلها عن البيوت في الأحياء.

 

الأمر الذي دفعها في نهاية المطاف لتقديم استقالتها عام 1990 بعد تأكدها من عدم قدرتها على الفوز بانتخابات زعامة حزب المحافظين.

 

جون ميجور ورث الأخطاء الاقتصادية

تموت مارجريت تاتشر، دون أن تموت معها ''الأخطاء'' الاقتصادية التي ارتكبتها، ولقد تجاوزت تاتشر في عملية التغيير كل الخطوط والمبادئ، بما في ذلك بعض المبادئ التي أطلقها المفكر الإسكتلندي الشهير آدم سميث، الذي كان يرى أن مصلحة الفرد أهم من مصلحة المجتمع، وعلى الرغم من خلل هذا الطرح، وجدت تاتشر أن سميث، كان ''معتدلًا'' أكثر من اللازم في مسألة الفرد والمجتمع، لتطرح ''نظريتها'' الخاصة، على عدم وجود المجتمع أصلًا.

 

وحتى رئيس وزراء بريطانيا الأسبق،جون ميجور، الذي خلف تاتشر مباشرة (1990-1997)، الذي يعتبر من أتباعها المخلصين، لم يستطع فور وصوله إلى الحكم، إلا أن يرفع شعارًا كان ضروريًّا لبقاء المحافظين في السلطة. 

 

والشعار كان ''العودة إلى الأصول''. وهذا الشعار، كان بمنزلة اعتذار غير مباشرة عن الأضرار التي ألحقتها تاتشر بالمجتمع، هذا الشعار لم يوفر لميجور مساحة زمنية طويلة في الحكم، سواء على الصعيد الحزبي أو الشعبي. لقد هبطت تاتشر بشعبية حزبها لمرحلة الانهيار التى نراها فى أبهى صورها الآن مع تراس.

 

تونى بلير يستغل انهيار المحافظين

تركة تاتشر التى فشل جون ميجور من الفكاك منها، ساعدت حزب العمال المعارض الرئيسي في بريطانيا بقيادة توني بلير، على تحقيق فوزا ساحقا في الانتخابات ضد حزب المحافظين الحاكم عام 1997.

 

تولى تونى بلير رئاسة وزراء بريطانيا منذ عام 1997 حتى 2007، وفي عام 2001 أعيد انتخاب بلير لولاية جديدة في انتصار سهل أكد استمرار إعراض الناس عن المحافظين وبرامجهم لدرجة أن البعض تساءل في ما إن كان المحافظون سيبقون على مسرح السياسة البريطاني كحزب كبير أم أنهم في الطريق إلى الزوال.

 

إزاء تردي وضع المحافظين إلى مستوى "معارضة حليفة" بدل أن يكون ذا لون مختلف، وبين تهافت عمال بلير ومحافظو إيان دنكن سميث -رئيس حزب المحافظين- على إظهار التأييد الأعمى لواشنطن في سياستها وحربها ضد العراق تمكن بلير من البقاء فى الحكم وشهد عهده انبطاح بريطانيا أمام أمريكا، وفشل فى تحقيق وعوده الانتخابية واكتفى بالاستقواء بالبيت الأبيض الذي بات يدير الأمور فى لندن، ولعل هذا الاتباع والتطابق قد جر عليه انتقادات الناخبين البريطانيين مما دفعه لتقديم استقالته من الحزب والوزارة ليخلفه جوردون براون.

 

جوردون براون امتداد لحزب العمال

في عام 2007 خلف وزير الخزانة البريطاني جوردون براون رئيس الوزراء توني بلير بعدما فاز بزعامة حزب العمال.

 

ثلاثة أعوام كانت فترة بقاء براون في السلطة، لكنها استقال رئيس من منصبه يوم 11 5 2010 بعد عدم قدرة حزب العمال الحاكم على تشكيل حكومة في أعقاب الانتخابات العامة.

 

ومهدت استقالة براون، التي أنهت 13 عامًا من حكم حزب العمال الطريق لتولي حكومة جديدة بقيادة المحافظين يترأسها ديفيد كاميرون.

 

ديفيد كاميرون يعود بالمحافظين للسلطة

منذ قدمت تاتشر بريطانيا هدية اقتصادية للولايات المتحدة، رسمت واشنطن خط خروجها من البربكست لتمزيق أوروبا، وسهل بلير المهمة على البيت الأبيض فى صناعة القرار الداخلي لبلاده.

أخطاء حزب العمال، مثلت شوكة فى ظهر المحافظين من جديد ومع ووصول ديفيد كاميرون لرئاسة وزراء المملكة المتحدة (2010-2016).

المفارقة في رئاسة ديفيد كاميرون للوزراء هي رغبته في وقف هوس حزبه بالاتحاد الأوروبي، لكن ذلك حدد مدة ولايته.

وعلى الرغم من ذلك، بعد عامين ونصف العام فحسب، بدل كاميرون موقفه في خطابه في بلومبيرج، وألزم حكومة المحافظين المستقبلية بالتفاوض على علاقة مختلفة مع الاتحاد الأوروبي وإجراء استفتاء البقاء/ الخروج. ومع فوزه في الانتخابات في عام 2015، أدت تلك الاستراتيجية إلى إعادة التفاوض بشأن شروط عضوية المملكة المتحدة والاستفتاء في يونيو  2016.

لكنه -ديفيد كاميرون- أعلن استقالته من منصبه إثر تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي رغم تحذيراته من العواقب الاقتصادية الوخيمة لمثل هذه الخطوة.

وقال كاميرون أمام مقر رئاسة الوزراء في لندن إن "البريطانيين اتخذوا قرارا واضحا وأعتقد أن البلاد بحاجة لقائد جديد يأخذها في هذا الاتجاه"، ليفسح المجال لوزيرة الداخلية فى حكومته تريزا ماي للفوز بالمنصب.

تريزا ماي.. إخفاق تاتشر الجديدة

مع وصول تريزا ماي لرئاسة الوزراء، توقع الجميع أنها تاتشر جديدة خصوصًا أنها كانت أول سيدة تتولى المنصب بعد رحيل من المحافظين منذ استقالة تاتشر.

 

أعوام حكم تريزا ماي القصيرة 2016-2019 كانت ملبدة بالأزمات والانهيار الاقتصادي، على غرار نهاية عهد مارجريت تاتشر، مع حالة الانسداد السياسي نتيجة فشل تطبيق سياسة واضحة للخروج من الاتحاد الأوروبى، تنفيذا لنتائج الاستفتاء

 

وقالت ماي في كلمة ألقتها أمام مقر الحكومة في داونينج ستريت وقتها: "لقد بذلت ما بوسعي" لتنفيذ نتيجة استفتاء 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي.

 

وأضافت أنها تشعر "بأسف عميق" لأنها لم تتمكن من تنفيذ قرار الاستفتاء، لكن اختيار رئيس جديد للوزراء سيكون "في مصلحة البلاد".

 

بحسب تقييم النخبة السياسية البريطانية، كانت تريزا ماي أسوأ رئيس وزراء في تاريخ البلاد منذ عهد اللورد فريدريك نورث، رئيس الوزراء الذي شهد عصره اندلاع حرب الاستقلال الأمريكية في العام 1775".

بوريس جونسون.. شبيه ترامب في لندن

تولى بوريس جونسون رئاسة الوزراء خلفا لتريزا ماي لفترة حكم مماثلة امتدت لثلاثة أعوام منذ 2019- حتى 2022.

 

فترة حكم جونسون شهدت تقارب ملحوظ بين لندن وواشنطن، أعاد للذاكرة ما فعله تونى بلير مع الولايات المتحدة، ورسخ جهوده بهدف اتمام عملية خروج بلاده من البريكست وشهدت ولايته أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

 

وبدأ سرعة مؤشر انهيار بريطانيا في الازدياد بصورة لافتة، وصارع من أجل البقاء في منصبه على الرغم من تمرد متزايد داخل حزب المحافظين ضد قيادته، وتجاوز عدد المستقيلين من حكومته وحزبه الخمسين.

 

ليزا تراس تصطدم بحائط التضخم

وليزا تراس لا يمكن وصفها بـ المرأة الحديدية، لكنها امرأة زئبقية مرنة إلى حد كبير قدمت الكثير من الوعود للشعب، ورسمت خطط وأحلام خلال عرض برنامجها حتى فازت بالمنصب.

وفازت تراس في المنافسة على القيادة لتحل محل بوريس جونسون بناء على برنامج يتضمن تخفيضات ضريبية كبيرة لتحفيز النمو.

لكنها اعترفت السبت الماضي بأن الخطة ذهبت "أبعد وأسرع مما كانت تتوقعه الأسواق".

وأضافت في مقال لصحيفة "ذا صن" البريطانية، "لقد استمعت وفهمت. لا يمكننا تمهيد الطريق لاقتصاد منخفض الضرائب وعالي النمو دون الحفاظ على ثقة الأسواق في التزامنا بتحقيق وضع مالي سليم".

وقال وزير المالية الجديد فى حكومتها، جيريمي هانت، إن بريطانيا ستشهد زيادة بعض الضرائب وقرارات صعبة تتعلق بالإنفاق.

وأكد جيريمي هانت، أنه سيُظهر للمستثمرين أنه سيعمل على إصلاح المالية العامة للبلاد، بعد أن تسببت الخطط الاقتصادية الأصلية لرئيسة الوزراء البريطانية ليزا تراس في انهيار سوق السندات.

وبدا واضحًا أنها ستكون أسرع رئيسة وزراء تغادر منصبها فى تاريخ بريطانيا، ما يعني أن ما تبقى من بريطانيا مجرد أنقاض منذ أن بدأت تاتشر هدم إمبراطورية التاج العظمى.

الجريدة الرسمية