رئيس التحرير
عصام كامل

مدير آثار الكرنك: نظرية فيثاغورث أصلها مصري.. وفلاحة أول من عثرت على حجر رشيد (حوار)

الدكتور مصطفى الصغير
الدكتور مصطفى الصغير

الأبحاث والدراسات ما زالت جارية لمعرفة أسرار اللغة المصرية القديمة

 

الحضارة المصرية كان لها السبق في تأسيس العديد من العلوم

 

خروج حجر رشيد إلى لندن بدأ مع مغادرة نابليون بونابرت لمصر و"السياحة" تحاول إعادته

 

أنصح بهذا الإجراء لأنه سيقضى على التنقيب غير الشرعى عن الآثار


يعد علم المصريات‏ هو أحد فروع علم الآثار، ويختص بدراسة تاريخ مصر القديمة، ولغتها وآدابها ودياناتها وفنونها وتعدّ الحضارة المصرية من أقدم حضارات التاريخ، وهو دراسة اللغة والأدب والدين والعمارة والفن من الألفية الخامسة قبل الميلاد حتى نهاية ممارساتها الدينية المحلية فى القرن الرابع الميلادى. 


ويعتبر قدماء المصريين هم أول علماء المصريات بداية من الملك تحتمس الرابع الذى قام بإزالة الرمال من حول جسد أبو الهول تحقيقا لحلم رآه يناشده فيه بذلك، وترك تحتمس الرابع لوحة تحكى تفاصيل هذا الحلم، وبعد تحتمس بقرنين من الزمان قام الأمير خعمواس ابن الملك رمسيس الثانى بالتنقيب وترميم آثار أجداده القدماء من معابد ومقابر ومبانى منها هرم الملك أوناس بسقارة ليكون أول مرمم للآثار فى علم المصريات.


مدير عام آثار متاحف الكرنك والمشرف على طريق الكباش الدكتور مصطفى الصغير يتحدث عن علم المصريات نشأة وتطورًا ومعنى وتاريخًا فى هذا الحوار لـ"فيتو":

 

*نريد إطلالة سريعة على مفهوم علم المصريات ونشأته؟

نشأ علم المصريات جاءت من فك رموز حجر رشيد، وهو محور فك رموز الكتابة المصرية القديمة، وهو حجر عثرت عليه خلال الحملة الفرنسية على مصر فلاحة مصرية بالصدفة، وخضع للدراسة من قبل علماء الحملة الفرنسية وخاصة شامبيليون.

 

*كيف تعامل “شامبيليون” مع حجر رشيد وكيف فك رموزه؟
اعتمد “شامبيليون” فى فك رموز حجر رشيد على مقارنة اللغات الموجودة على الحجر سواء اللغة الهيروغليفية أو اللغة اليونانية أو اللغة الديموطيقية.

كما اعتمد فى فك رموز الحجرعلى مقارنة الثلاث لغات، خاصة اللغة اليونانية لمقارنة بعض الحروف وتحديدا فى أسماء الملوك. 

ومن خلال تتبع العلامات توصل إلى معرفة الحروف، وهى كانت اللبنة الأولى فى محاولات فك رموز اللغة المصرية القديمة.

*ألم تكن هناك محاولات سابقة لما فعله “شامبيليون”؟

بالفعل.. كانت هناك محاولات من جانب بعض العلماء العرب، ولكن لم يكتب لها النجاح، ومازالت تجرى الأبحاث والدراسات لمعرفة أسرار اللغة المصرية القديمة، خاصة أن علم المصريات هو العلم الذى يختص بحضارة من أعظم الحضارات وهو الحضارة المصرية القديمة.

 

*هل يمكن أن تضع لنا إطارًا زمنيًّا لفك رموز حجر رشيد؟
بداية تأسيس فك رموز حجر رشيد كانت فى عام 1822، ويتم الاحتفال خلال هذا الأيام بالذكرى 200 لفك رموز حجر رشيد ونشأة علم المصريات، كما إن خروج حجر رشيد من مصر إلى لندن بدأ مع مغادرة نابليون بونابرت من مصر، وأصبحت قوات الحملة الفرنسية تحت ضربات العثمانيين والإنجليز، وفى مارس 1801 نزلت القوات الإنجليزية فى خليج أبى قير فأخذ الجنرال مينو قواته إلى شمال مصر وأخذ معه كل الآثار التى حصل عليها علماء الحملة الفرنسية ولكنه هُزم فى معركة أبى قير البحرية، وتقهقرت القوات الفرنسية إلى الإسكندرية حاملة معها الآثار المصرية.

وبعد ذلك تم نقل حجر رشيد إلى الإسكندرية ووضع فى مخزن باعتباره من ممتلكات القائد الفرنسى مينو وحوصرت القوات الفرنسية فى الإسكندرية وأعلن مينو الهزيمة فى 30 أغسطس 1801 وتم توقيع معاهدة الاستسلام وبموجب المادة 16 من الاتفاقية تم تسليم الآثار التى فى حوزة الفرنسيين للجانب البريطانى ومن ضمن الآثار حجر رشيد.

 

*وماذا حدث بعد ذلك؟
وقَّعت مصر على اتفاقيات دولية لاستعادة القطع الأثرية التى خرجت بطرق غير مشروعة وفقا لعدد من الأسس والقواعد، ولا يمكن المطالبة بعودة الآثار التى خرجت بطرق شرعية بسبب وجود سندات ملكية، حيث كان يسمح بخروج وشراء الآثار المصرية قبل إصدار قانون رقم 117 لسنة 1983 والذى منع تجارة الآثار أو إهدائها بالكامل، كما إن تمثال رأس الملكة نفرتيتى والتى خرجت فى فترات من قبل قانون 117 لسنة 1983 وتطالب مصر بعودتها خاصة أنها خرجت بطريقة غير شرعية من خلال وضعها فى قالب من الجبس لتهريبها للخارج.

كما وقَّعت مصر العديد من الاتفاقيات فى مجال مكافحة تهريب الآثار، وتحاول وزارة السياحة والآثار إعادة حجر رشيد من خلال تصدير العديد من الحملات الشعبية والتى تطالب بعودة الأثر إلى مصر.

*وماذا الذى تم اكتشافه أيضًا عبر حجر رشيد؟
الحضارة المصرية كانت لها السبق والريادة فى تأسيس العديد من العلوم عندما كان العالم عبارة عن كتلة من الظلام، وبداية من دخول الإسكندر الأكبر وبداية عصر البطالمة فيما بعد ونشأة مكتبة الإسكندرية، استقبلت مصر عددا كبيرا من الفلاسفة ورواد الحضارة الرومانية للتعلم فى المدارس المصرية القديمة، وكانت غزوات الملوك المصريين لإخضاع الشعوب يتم خلالها استقطاب عدد من أبناء الملوك والأمراء للتعلم فى مصر مثل الملك تحتمس الثالث والملك رمسيس الثالث، حيث كانت مصر بؤرة لنشر العلم والمعرفة، تم نقل تلك العلوم إلى باقى الحضارات مثل الحضارة الرومانية القديمة.

حيث أثبتت إحدى البرديات التى عثر عليها أن بداية نظرية فيثاغورث أصلها مصرى قديم، وعلوم الطب وانتشارها على جدران المقابر من خلال بردية هارت والتى تم من خلالها التوصل إلى العديد من الوصفات الطبية المختلفة، والبراعة الكبيرة التى وصل إليها المصرى القديم فى علم الهندسة، وهو ما ظهر فى بناء المقابر والمعابد والأهرامات، بالإضافة إلى التقدم فى علوم الزراعة.

طريق الكباش

*وماذا عن علم التحنيط باعتباره علمًا فرعونيًّا أصيلًا؟
المصرى القديم تفرد بعلم التحنيط نظرا لوجود اعتقاد لديه فى البعث والخلود والثواب والعقاب فى العالم الآخر، حيث اهتم المصرى القديم بعادات الدفن وأهمية الحفاظ على جسد المتوفى بداية من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر المتأخر والعصور الرومانية.

وكان الحفاظ على جسد المتوفَّى هو الشغل الشاغل لهم إيمانًا منهم بالبعث مرة أخرى، وتطور التحنيط وكانت هناك محاولات متعددة للتحنيط حتى بلغت مراحل متقدمة فى عصور الدولة الحديثة ووصل إلى قمة الازدهار فى العصر المتأخر، وكانت عملية التحنيط تقوم على استخراج كافة الأحشاء اللينة ويتم بعدها حفظ جسد المتوفى بواسطة تجفيفه بملح النترون لمدة 40 يوما وهو من العادات المصرية القديمة التى يتم الاحتفال بها حتى يومنا هذا وهو تخليد ذكرى الـ 40، وبعدها يتم دهانه بأنواع من الأصماغ للمحافظة على جفاف الجلد.

وهناك العديد من أجساد الملوك وكبار رجال الدولة موجودة حاليا كما لو كان لم يحدث لهم شيء، وهناك مومياء لمغنية عثر عليها بدير المدينة فى غرب الأقصر عليها وشم موجود على جسدها حتى الآن وهو ما يدل على براعة المصرى القديم فى فن التحنيط.

ومتحف التحنيط الموجود بالأقصر يحتوى على نماذج مختلفة لفنون التحنيط، وهناك نموذج لأحد أهم عمليات التحنيط لأحد كبار الكهنة من العصر القديم من الأسرة 21 ويدعى “مساحتا” وهو قمة ما وصل إليه علم التحنيط للمصرى القديم، حيث تم حفظ المناطق الرخوة من جسم المتوفى والتى تحتوى على الدهون فى الخدود والصدر والعضلات من خلال وضع حشوات فى تلك الأماكن والتى تحاكى الشخص كما لو كان على قيد الحياة، عكس باقى المومياوات التى ظهرت عليها النحافة بسبب جفاف الجسد.

 

*وما السر الأبرز فى عمليات التحنيط؟
السر فى عمليات التحنيط يرجع إلى كيفية مزج العديد من المواد الطبيعية مع بعضها بعضا وظروف المزج من درجات الحرارة المختلفة والنسب والوسط الذى يتم فيه المزج ومن المحتمل أن تكون تلك التفاصيل هى الفاصل فى الوصول إلى أسرار علم التحنيط، وهناك بعض المحاولات التى جرت حديثا لمعرفة أسرار علم التحنيط بعضها كتب له النجاح والبعض الآخر لم يكتب له، واخره نموذج لفن التحنيط لبطة صغيرة قام بها الأثرى زكى إسكندر وما زالت محتفظة بقوائمها الأساسى لها، وعلم التحنيط واحد من أهم العلوم التى تفرد بها المصرى القديم.


*كيف رأيت إقبال المصريين بكثافة على المتاحف والمقاصد الأثرية خلال الفترة الأخيرة؟
مشاهد الإقبال على المتاحف والمناطق الأثرية فى 27 من سبتمبر الماضى أعاد الأمل مرة أخرى فى وعى الشعب المصرى بأهمية الحضارة المصرية القديمة، وأن التراث المصرى القديم ملك للشعب المصرى، وهو نتاج مجهودات الدولة فى التوعية الأثرية، وهو ما أتى بثماره فى حرص المصريين على زيارة المتاحف والمناطق الأثرية.

وهى دعوة لكافة القائمين على العمل الأثرى للتفكير فى كيفية جذب المصريين إلى زيارة المناطق الأثرية مرة أخرى سواء من خلال تخفيض أسعار تذاكر الزيارة أو إقامة الفعاليات المختلفة، وهو المسار الأول والكبير فى الحفاظ على الآثار ووقف العبث بها خاصة مع إحساس المواطن بأن التراث هو ملك له، وسيؤدى إلى وقف الكتابة على جدران المتاحف والمعابد وغيرها، فضلًا عن اختفاء الحفر خلسة وغير الشرعى للتنقيب عن الآثار، وذلك مع وجود شعور لدى المواطنين بأن الآثار والتراث الأثرى هو ملك لهم.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية