رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الرحمن فاسأل به خبيرا (6)

أعلم أيها المريد طالب طريق الله تعالى أنه "من عرف نفسه فقد عرف ربه تعالى". أي من عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالعلم. ومن عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة. ومن عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة. ومن عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغني. ومن عرف نفسه بالموت والفناء عرف ربه بالحياة والبقاء، إذ إن صفات الله تعالى تخالف صفات خلقه والله تعالى ليس كمثله شيء. 

 

هذا وللوصول إلى معرفة الله عز وجل لابد لك من معرفة أسرار الله تعالى في مملكتك وإدراك أنك صاحب أعظم مملكة في ممالك الكون، وأعظم ما أبدع الخالق سبحانه وتعالى في عالم الخلق، وإنك عبارة عن  صورة مصغرة لجميع عوالم الخلق، وفيك انطوى العالم الأكبر، فبعدما أظهر الحق سبحانه وتعالى طلاقة قدرته في مظاهر عوالم الخلق من سموات ونجوم وكواكب، وشمس وقمر وأفلاك وأملاك وملائكة وجن وعوالم علوية وأراضين، وما حوته من مخلوقات من بحار وأنهار ومحيطات، وعوالم كائنة فيهن، ومن معدن وحب ونبات وحيوان، وخلق كثير جمع سبحانه كل مظاهر هذه العوالم الكونية في مملكتك..  

 

وأعلم أن مملكتك مملكة عظيمة جامعة للروح والجسد والنفس والقلب والعقل، والروح هي نفخة الرحمن في الجسد الطيني، وهي مكمن سر الحياة فيك وبها لك كيان وقيمة وقدر، وبها أنت كائن حي فعال في الأرض وسيدا عليها، وهي الممدة للعقل والقلب والنفس والجسد.. والروح ليس لها أي ارتباط بالعالم المادي الشهواني، وهي خارجة عن أحكام الزمان والمكان، ولا يحدها ولا يهيمن عليها شيء، وللروح غذاء وقوت وهو ذكر الله عز وجل، به تسمو وتحلق إلى الملأ الأعلى حيث مصدرها، والروح سجينة الجسد ما دام للإنسان حياة على الأرض، وليس للروح هيئة ولا كيف ولا وصف، أشار العارفون إليها بكلمة لطيفة لا كثافة لها ولا وزن ولا ثقل، نفخها الله في القلب، ومنه تسري إلى العروق والأنسجة والخلايا والأعصاب والجوارح..


والروح هي سر الله فينا فهي نفخته المنسوبة إليه سبحانه يقول عزوجل: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي"، هذا عن الروح، أما عن القلب فهو موضع النفخة ومحل النظر من الله وموضع التجلى الرباني، وهو العقل المبطون، وهو المكاشف لعالم الملكوت إذا صفا وطهر من العلائق والأغيار وحب الدنيا، وهو مكان ومحل التجليات والإفاضات الربانية.. يقول تعالى في الحديث القدسي: "ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن"..

العقل والقلب والنفس

 

أي إن السموات والأرض لا تسع تجليات الحق سبحانه بأنوار أسمائه وصفاته، وإنما قلب المؤمن مع صغر حجمه هو الذي يسع تجليات الحق عز وجل بما فيها من أنوار وعلوم ومعارف وأسرار وحقائق ورقائق ومعانٍ، والقلب هو تلك المضغة التي أشار إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".


وصلاح القلب مرتبط بتزكية النفس، فإذا ما تزكت النفس على أثر المجاهدة ومخالفة هواها وتخلصت من صفتها الأمارة بالسوء وتخلت عن النقائص والرذائل وتحلت بالكمال والمكارم تطهر القلب وصلح، نفهم إذن أن هناك رابطا بين القلب والنفس..


هذا بإيجاز عن القلب أما عن النفس فهي جوهر ذات الإنسان، وهي الجامعة للأضداد كلها وهي القابلة للسمو والارتقاء وتجاوز منازل الملائكة، وهي في نفس الوقت وبنفس القدر والقوة القابلة للانحطاط والتدني، يقول سبحانه: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).
 

هذا وللنفس عدة أوصاف كل وصف على حسب ما هي عليه من حال وهي سبع صفات، الأمارة بالسوء، واللوامة، والملهمة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، والكاملة التي يمنحها الله عز وجل إذن الدخول في جنة أنسه والمقام في حضرة القرب، حيث قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).
 

هذا والنفس البشرية هي أعدى أعداء الإنسان، وأخطر عليه من سبعين شيطانا كما أخبر النبي الكريم بقوله: "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، إنها لأقوى من سبعين شيطان"، ولذا جهادها هو الجهاد الأكبر، هذا باختصار عن النفس..


أما عن العقل فهو قائد مملكة الإنسان، وبه كان تكريم الإنسان وبه يتفاضل الناس، والعقل به يفكر الإنسان ويقيس ويزن الأمور والأشياء، وهو المبتكر والمخترع وهو محل العلوم، والعقل له على النفس تأثير، وللنفس تأثير عليه، فإذا أثر في النفس استقامت، وإذا أثر فيه هوى النفس ضل صاحبه وغوى.. هذا ولمعرفة المريد لنفسه لابد له من السعي جاهدا لتزكيتها..


واعلم أيها المريد أن للعقل وصل بالقلب، ففي كليهما نور مبعثه الروح، وهوى النفس له دخنة سوداء حائل بين التقاء نور القلب ونور العقل، وإذا تبخر هوى النفس وزالت دخنته يلتقي النور بالنور، عند ذلك يلتقي الأربع  وهي الروح والقلب والعقل والنفس في وحدة واحدة.. وعلى أثر ذلك يقام العبد في مقام المعرفة بالله تعالى..

Advertisements
الجريدة الرسمية