رئيس التحرير
عصام كامل

زي النهاردة.. مولد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله صاحب أكبر مجاعة في تاريخ مصر

تمثال المستنصر بالله
تمثال المستنصر بالله

في مثل هذا اليوم من عام 1029 وُلد المستنصر بالله، الخليفة الفاطمي الثامن والإمام الثامن عشر في سلسلة أئمة الشيعة الإسماعيلية.

 

عن خلافة المستنصر 

بدأ المستنصر حُكمه بإظهار مهارة عالية في القيادة بفضل الوزير القوي أبي القاسم علي بن أحمد الجرجرائي، وكان قد سبق له أن عمل وزيرًا في عهد الحاكم بأمر الله وابنه الظاهر، وأكسبته هذه السنوات خبرة واسعة ودراية بشئون الحكم. 

سيطر المستنصر على الدولة سيطرة تامة وأحسن سياستها فامتد سلطان الخلافة ليشمل بلاد الشام وفلسطين والحجاز وصقلية، وشمال إفريقيا، وتردد اسم الخليفة على المنابر في هذه البلاد. وتطلع إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية السُّنّية ليضمها إلى سلطانه، فنجح في استمالة "أبي الحارث أرسلان البساسيري" أحد قادة العباسيين، ومدّه بالأموال والذخائر فثار على الخليفة العباسي واستولى على بغداد.

أقام الخطبة بها للمستنصر لمدة عام وألزم الخليفة «القائم بأمر الله» العباسي بكتابة كتاب يقر فيه بأنه «لا حق لبني العباس ولا له من جملتهم في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء» 

 

تراجع الدولة 

بعد وفاة الوزير القوي أبي القاسم الجرجرائي بدأت رصد أم الخليفة المستنصر تتدخل في شئون الدولة وصار لها الكلمة الأولى في تعين الوزراء والإشراف على تصرفاتهم. وأصبحت الدولة في يد أعوانها فلقبت بـ«السيدة الملكة»، وكان خاطبها الرجال في حضرة ابنها الخليفة بمولاتهم. 

أسفر تدخلها في شئون الحكم عن إذكاء نار العداوة والفتنة بين طوائف الجيش. فاشتعلت المنازعات والمعارك بينهم. وهو ما جعل أحوال البلاد تسوء بسرعة وعمها الفوضى والاضطراب، وحل بها الخراب.

 

الشدة العظمى

لم تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية. 

وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة من 1065م إلى سنة 1071م وعُرفت هذه المجاعة بالشدة المستنصرية أو الشدة العظمى.

وأفاض المؤرخون فيما أصاب الناس من جراء هذه المجاعة من تعذر وجود الأقوات وغلاء الأسعار، وكان يباع الرغيف بخمسة عشر دينارًا، واضطر الناس إلى أكل الميتة من الكلاب والقطط والبحث عنها لشرائها. 

بل إن بعض المؤرخين ذكروا اكل الناس جثث من مات منهم، وصاحب هذه المجاعة انتشار الأوبئة والأمراض التي فتكت بالمجتمع وقيل إنه كان يموت بمصر عشرة آلاف نفس، ولم يعد يرى في الأسواق أحد، ولم تجد الأرض من يزرعها، وباع الخليفة المستنصر ممتلكاته، ونزحت أمه وبناته إلى بغداد. وساء به الحال حتى إن بعضهم ممَّن كانوا في بعض من اليسر كان يتصدّق عليه بما يأكل في يومه.

وكان من نتيجة هذه الأزمة العاتية أن أخذت دولة المستنصر بالله في التداعي والسقوط. وخرجت كثير من البلاد عن سلطانه، فعادت بغداد إلى الخلافة العباسية، وقُطعت الخطبة للمستنصر في مكة والمدينة وخُطب للخليفة العباسي عبد الله القائم بأمر الله.

انهار حكم المستنصر في بلاد الشام أيضا، فاستقل قاضي صور بمدينته وخرجت طرابلس من سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلب وبيت المقدس والرملة عن سلطانهم ثم تبعتهم دمشق في العام التالي.

حَكَمَ المستنصر طوال ثمانية عشر عامًا، ترك فيها أثرًا طيبًا في تاريخ الدولة، وقد زار مصر الرحالة الفارسي ناصر خسرو فأشاد برخاء مصر وأمنها، ونظمها ومدنها وغناها وثروتها وحضارتها وصف المعجب بما رأى وشاهد، لكن انهارت الأوضاع في أواخر حكمه وتصاعدت الصراعات على السلطة إلى أن توفي المستنصر في 29 ديسمبر 1094م عن عمر يناهز سبعة وستين عامًا.

الجريدة الرسمية