رئيس التحرير
عصام كامل

خبير: تباطؤ حركة الاقتصاد والانكماش الخطر الأكبر على سوق الأسهم الأمريكي

طارق شاهين رئيس الاستثمار إدارة
طارق شاهين رئيس الاستثمار إدارة الأصول – مصر كابيتال

قال طارق شاهين رئيس الاستثمار وإدارة الأصول – مصر كابيتال، إن الهزة التي تشهدها الأسواق العالمية حاليًّا – وهي ليست الأولى خلال أكثر من عقد من الزمان كان الاتجاه العام فيها صعوديًّا – مناسبة لدراسة العوامل التي ساعدت على استمرار صعود الأسواق – لا سيما سوق الأسهم الأمريكي - ولنتساءل عما إذا كان الهبوط هذه المرة ذا طابع مختلف.

 

فسوق الأسهم الأمريكي – وهو محل اهتمام بسبب حجمه وأدائه القوي في السنوات الأخيرة – هبط بنسبة -17% منذ بداية العام حتى تاريخه. ولكنه رغم ذلك مازال قد حقق عائدًا كليًا تخطى الـ 265% خلال عشر سنوات. أي أن استثمار مئة دولار على سبيل المثال قد تضاعف ثلاث مرات حتى إن ظل المبلغ مستثمرًا أثناء الهبوط الأخير هذا العام. أو بلغة المستشارين الماليين، فإن تأثير الهبوط هذا العام يقلل من العائد السنوي خلال الفترة إلى حوالي 14% بدلًا من 16.5% مع العلم بأن عائد الـ 14% يفوق عوائد أي استثمار آخر في شهادات البنوك أو في أدوات الدخل الثابت في نفس الفترة.  

 

ارتفاع أسعار الفائدة

أما عن اتجاه أسعار الفائدة ودورها البارز في دفع أداء الأسواق المالية، كما وصفها الخبير الاقتصادي الدكتور محمد العريان ببراعة في كتابه "اللعبة الوحيدة في المدينة". أصبح من المعلوم لدى الجميع مدى ارتباط سوق الأسهم الأمريكي بأسعار الفائدة لدى البنك الفيدرالي لذا لن نبالي بتوضيح هذا الارتباط في رسم بياني، ولكن نرى أنه من الأفضل أن نضع ارتفاع سعر الفائدة الأخير في سياق معدلات التضخم الحالية وفي سياق أسعار الفائدة في الماضي وتحديدًا في الفترة التي سبقت العقد الزمني المنصرم. 

Source: US Federal Reserve، Department of Labor

 ويبدو من الواضح أن الإبقاء على ما يسمى عائدًا حقيقيًّا سلبيًّا أصبح بمنزلة سياسة لدى البنك الفيدرالي. فقد يعتزم البنك تقليل الفجوة من حين لآخر ان ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، ولكن أي سياسة تسمى "بالانكماشية" هي في الواقع لن تسفر عن سعر فائدة "معقول" بالمعايير الاقتصادية المعتادة إلا إذا فرض المستثمرون على الحكومة الأمريكية هذا. وذلك لما يشكله من خطر على خدمة الدين العام والخاص وتأثيره على قيم صناديق الاستثمار التي يعتمد عليها المتقاعدون وعلى قوة الاقتصاد نفسه.  

 

وليس من المرجح أن يفرض المستثمرون هذا على صانع القرار الأمريكي لأن الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياطي النقدي في العالم (رغم بعض المحاولات الأخيرة من قوى دولية في الشرق لتقليل الاعتماد عليه) وبالتالي فإن الطلب على الدولار لا يتأثر كثيرا ان قل العائد عليه (في شكل أدوات الدخل الثابت مثلًا). وأكبر دليل على هذا هو قوة الدولار المستمرة عبر سنوات بالنسبة لليورو على سبيل المثال رغم تفوق البلاد الأوروبية من حيث حجم صافي الصادرات على الولايات المتحدة بشكل ملحوظ.   

Source: US Federal Reserve، ECB، Bloomberg (2022 trade figures are annualized)  

وقد لا نتفق مع هذه السياسة النقدية، بل قد نتفق مع الدكتور محمد العريان حين طالب بأنهاء هذا الاعتماد على أسعار الفائدة المتدنية، ولكننا أمام تاريخ واضح لا ينذر بتغيير كبير في الأفق (مع العلم بأن التضخم الأخير يرجع أسبابه بشكل كبير الى مشاكل في حجم المعروض وليس فقط حجم الطلب) حتى إذا علت أصوات المعلقين على اتجاه البنك الفيدرالي الجديد وافتراض تغيير سياسته العامة كما يعتقد البعض. 

 

الاقتصاد القوي قد يشكل الخطر الأكبر

ويعد  الخطر الأكبر يتمحور حول الاقتصاد الأمريكي نفسه والذي كان ومازال أداءه قويًا ولأن هذا الأداء الجيد استمر طويلًا وأصبح عرضة للتباطؤ مع دورات الاقتصاد الطبيعي – وقد يكون أول فتيل هو أسعار الطاقة والسلع التي أصبحت بعيدةً عن متناول الكثيرين مما قد ينتج عنه تراجع في حجم الطلب والاستهلاك. 

 

وهذا العنصر قد يكون الأهم في تحديد اتجاه سوق الأسهم الأمريكي، والذي سبق ووصفنا التقييمات السوقية به بالمبالغ فيها في خطابنا شهر ديسمبر الماضي. ذلك لأنه مع تباطؤ الاقتصاد - إن حدث - ستتراجع توقعات أرباح الشركات المدرجة بشكل كبير ومفاجئ. 

Source: US Department of Labor

Source: Bloomberg

وإن تحقق هذا السيناريو فسيؤدي ذلك إلى شيئين: أولهما أن البنك الفيديرالي الأمريكي سيعود إلى اتجاهه الاستيعابي بهدف تحفيز الاقتصاد مرة أخرى وسترحب الأسواق بهذا لما يمثله من دعم ضمني للسوق.

وسيعترض الأكاديميون على استمرار نهج أسعار الفائدة المتدنية، ولكنه في النهاية سيساعد في امتصاص الانكماش. 

 

والشيء الآخر الذي قد يحدث، ولكنه ليس بالتأكيد هو أن تراجع الاقتصاد الأمريكي قد يذكر الجميع ممن يبحثون عن أفضل الأسواق لتوجيه الاستثمارات بأن هناك نموًا خارج هذا السوق الأوحد الذي قد استحوذ على نصيب الأسد من التدفقات النقدية خلال الأعوام الماضية وتفوق أدائه بالمقارنة بجميع الأسواق الأخرى حتى الآن بشكل منقطع النظير. (وهناك جدل ثانوي عن دور قطاع التكنولوجيا في هذا وقد نتطرق لهذا الأمر في مجال لآخر). 

Source: Bloomberg

الأسواق الناشئة

ترجع أسباب التراجع النسبي في معظم الأسواق الناشئة عالميًّا إلى عوامل عديدة منها بعض السياسات الاقتصادية التي لم ترح المستثمرين، ونمو العجز في ميزانيات المدفوعات أو بسبب عوامل سياسية. ولكن رغم ذلك فإن من المؤكد أن ما زاد الأمر سوءًا هو هذا المناخ الاستثماري الذي فضل السوق الأمريكي نسبيًّا بشكل كبير. 

 

وإن حدث تباطؤ في الاقتصاد الأمريكي وما يترتب عليه من ضعف محتمل في سوق الأسهم فلن تكون الأسواق الأخرى بمعزل، فسوف تتأثر في البداية، ولكن هنا قد يظهر للمستثمرين الفرصة الاستثمارية الناتجة عن تدني التقييم السوقي في العديد من الأسواق الناشئة رغم مخاطر تلك الأسواق. 

الجريدة الرسمية