رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كسوف شمس العدالة عن رجالها

العدالة شعورٌ يستقر في النفس قبل أن يُدون في الدساتير والقوانين، وعندما يفقد المواطن العدالة، يفقد معها الأمن وراحة البال، وتقوم العدالة في مصر على أركان المنظومة القضائية، ومن بينها النيابة الإدارية، تلك الهيئة القضائية العريقة النائبة عن المجتمع في تعقب المخالفات التأديبية التي تقع من العاملين بالجهاز الإداري للدولة مستهدفة حماية المال العام وإنصاف المظلومين من كيد الفاسدين، وبوجودها يشعر الموظف العام أنه بمأمن من العسف والانتقاص من حقوقه المالية أو الإدارية.
نتحدث اليوم عن خلل إداري وضرر مادي ومعنوي أصاب بعض أعضاء النيابة الادارية الذين لم تُنفذ أحكامهم القضائية الباتة تنفيذًا صحيحًا يُعوِضهم عن خطأ تخطيهم في التعيين، رغم كونهم أوائل دفعاتهم، وتعيين من هم أقل منهم في الكفاءة والتقدير، وما تكبدوه من جهد ووقت ونفقات لإثبات أحقيتهم، ومن هنا بدأ كسوف شمس العدالة عن رجالها، فما بالنا بآحاد الناس.
وقد سبق لعدد من أعضاء النيابة الادارية، الحصول على أحكام مماثلة، وتم إعادة ترتيب أقدمياتهم تنفيذًا لها، وهو ما يكشف عن تمييز غير مبرر في المعاملة القانونية، بين المستشارين المتضررين وبين زملائهم رغم اتحادهم في المركز القانوني، وذلك التمييز يتنافى مع مبدأ المساواة الذي كفله الدستور، ولذلك فهم يطالبون منذ سنوات عديدة بتنفيذ هذه الأحكام تنفيذًا كاملا بإرجاع أقدميتهم إلى تاريخ صدور القرارات الجمهورية بتعيين زملائهم الأقل منهم في التقدير والكفاءة، وترقياتهم لذات الدرجة المُرقين إليها دون جدوى.

قرارات جمهورية

ويستشهد هؤلاء المستشارون بالكثير من زملائهم الذين صدرت بشأنهم قرارات جمهورية تنفيذًا لأحكام قضائية صدرت لصالح حالات مماثلة لحالاتهم ومتساوين معهم في المركز القانوني، ووضعوا في ترتيب أقدميتهم الصحيح في الدرجة الوظيفية الأعلى التي وصل إليها زملاؤهم وأصبحوا متساوين مع زملائهم.
ومن هؤلاء مستشارة تم تعيينها استنادًا إلى تظلم قدمته رغم حصولها على تقدير مقبول، ثم تم تنفيذ حكم مماثل للأحكام الصادرة لصالح زملائها بترتيب أقدميتها مع أقرانها المعينين في ذات الدفعة، وقالت المحكمة عبر حيثيات حكمها إن المادة (28) من اللائحة الداخلية لهيئة النيابة الإدارية تضمنت النص على ترقية أعضاء النيابة الإدارية عن طريق الامتياز الظاهر، وكذا الأقدمية مصحوبة بالجدارة.
والبين من قانون هيئة النيابة الإدارية والقرار الجمهوري باللائحة الداخلية للهيئة وكذا قرارات وزير العدل المنظمة للعمل الخاص بأعضاء الهيئة قد تضمنت إجراء تفتيش على أعضاء الهيئة من قبل إدارة التفتيش المختصة لبيان كفايتهم ودرجتها، وأن الترقية بالنسبة لأعضاء هيئة النيابة الإدارية يراعى الامتياز الظاهر وكذا الأقدمية مع الجدارة والكفاية.

التفتيش

وخلت النصوص من شرط صريح متعلق بضرورة إجراء التفتيش على أعمال عضو الهيئة كشرط للترقية للوظيفة الأعلى لأن المفترض في أعضاء النيابة هو الصلاحية والكفاءة كأصل عام، وأن خلاف ذلك لابد أن يثبت بدلائل وقرائن تفيد هذا الأمر منها التفتيش على عضو الهيئة.
وإذا كان هناك حائل بين عضو الهيئة والتفتيش عليه وعلى أعماله لسبب خارج عن إرادته، فإنه لا يجوز أن يكون هذا الأمر سندًا مشروعًا لتخطيه في الترقية للوظيفة الأعلى لأنه من الأمور المرتبطة بالعدالة الواجب توافرها أن يكون أسباب عدم ترقية العضو وتخطيه فيها مرجعهًا له لوجود تقصير أو إهمال في جانبه متعلق بأدائه لعمله أو لانعواج في مسلكه.
 والثابت للمحكمة أن زملاء دفعة الطاعنة تم ترقيتهم إلى وظيفة مساعد نيابة إدارية اعتبارًا من تاريخ صدور القرار الجمهوري، وأن جهة الإدارة أبدت أن سبب عدم الاستجابة لطلبها فى الترقية اعتبارًا من تاريخ شغل زملائها لها كان مرجعه لعدم وجودها الفعلي في الخدمة وعدم إجراء تفتيش عليها لإثبات صلاحيتها، فأن هذا الأمر مردود عليه بأن المشرع  لم ينص على أن من شروط الترقية للوظيفة المطعون عليها قضاء مدة خدمة فعلية معينة.

كما لم يشترط المشرع كشرط  للترقية إجراء تفتيش عليها من قبل إدارة التفتيش بالهيئة قبل صدور قرار ترقيتها لأن المشرع لم ينص على هذا الأمر صراحة فى نصوص القانون وتعديلاته والقرارات الجمهورية والوزارية المنفذة لأحكامه، وإنما تطلب المشرع فقط الجدارة وأن هذا الأمر يعد كأصل عام من المسلمات الواجب توافرها فيمن يعين عضوا بهيئة النيابة الإدارية باعتباره عضو هيئة قضائية.

صلاحية الطاعنة 

وخلت الأوراق مما يفيد عدم جدارة أو صلاحية الطاعنة لشغل وظائف أعضاء النيابة الإدارية ومن ثم فإنها تعد صالحة وتتوافر فى شأنها الجدارة والكفاية اللازمة  لشغل وظيفة مساعد نيابة إدارية بل أن جهة الإدارة قامت فعلًا بترقيتها لوظيفة مساعد نيابة إدارية، وهو الأمر الذى يؤكد صلاحيتها وجدارتها لشغل هذه الوظيفة ويكون تخطيها فى الترقية لهذه الوظيفة بالقرار الجمهورى المطعون فيه قد تم بالمخالفة لأحكام القانون.

وفي ضوء أن جهة الإدارة لم تجحد كون أقدمية الطاعنة تؤهلها للترقية ضمن من رقوا من زملائها فى القرار المطعون فيه مما يتعين معه على المحكمة القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه، ولهـذه الأسباب قضت المحكمة بإلغاء قرار رئيس الجمهورية فيما تضمنه من تخطى الطاعنة فى الترقية لوظيفة مساعد نيابة إدارية مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وتتجدد المعاناة اليومية لهؤلاء المستشارين لشعورهم بالظلم، وقد نما إلى علمهم أن النيابة الادارية بصدد تسوية حالة مماثلة لأحد السادة الاعضاء الأجلاء كحقٍ كفله له القانون، ويبدو أنه قد آن الأوان أن تُسوى كافة الحالات المشابهة إحقاقًا للحق في هيئة قضائية من بين اختصاصاتها حماية حقوق العاملين بالجهاز الإداري للدولة، فهل ستبدأ بحقوق أبنائها؟.. وللحديث بقية.

Advertisements
الجريدة الرسمية