رئيس التحرير
عصام كامل

حتى لا نعتمد على الأموال الساخنة!

رغم زيادة موارد مصر من النقد الأجنبى بعد أن تضاعفت في أعقاب تعويم الجنيه في عام ٢٠١٦ تحويلات العاملين بالخارج لتصل إلى ٣١ مليار دولار، والارتفاع المضطرد في إيرادات قناة السويس والسياحة قبل اندلاع حرب أوكرانيا وزيادة الصادرات المصرية، إلا أنه ظلت هناك فجوة تمويلية تجاوزت طبقا لتقديرات البنك الدولى العام الماضى ١٢ مليار دولار.. وسبب هذه الفجوة المرض المزمن الذى عانى منه اقتصادنا والمتمثل في أننا نستهلك أكثر مما ننتج ونستورد أكثر مما نصدر..

وقد اعتمدنا دوما على سد هذه الفجوة التمويلية وتدبير احتياجاتنا من النقد الأجنبى بالاستعانة بالاقتراض من الخارج سواء من حكومات أو منظمات دولية أو أيضا من خلال أذون وسندات الخزانة الدولارية التى نطرحها في الخارج وتسمى سندات الدين، أى على الأموال الساخنة..

 

هجرة الأموال الساخنة

 

والاعتماد على الأموال الساخنة ليس مضمونا لآن هذه الأموال غير مستقرة ودوما تبحث عن الأسواق الأكثر ربحا والأعلى فائدة.. وهذا ما فعلته معنا هذه الأموال منذ العام الماضى حيث أخذت  تهجرنا إلى أسواق أكثر جذبا وربحا، وكان متوقعا أن يتراجع أكثر إقبال هذه الأموال على أسواقنا ونزوحها منها بعد إعلان المركزى الامريكى رفع معدل الفائدة واعتزامه أن يكرر ذلك خمسة مرات أخرى هذا العام!

 

ومع ذلك فإننا كما يبدو مازلنا نراهن على تلك الأموال الساخنة في سد الفجوة التمويلية لدينا من النقد الأجنبى.. فقد سمح البنك المركزى بتخفيض الجنيه المصرى بنسبة ١٦ في المائة، أى بأكثر من النسبة التى اقترحتها منظمات اقتصادية دولية والتى تراوحت بين ١٣، ١٥ في المائة.. فإن الإقدام على تخفيض الجنيه في هذا الوقت لن يحقق المرجو منه اقتصاديا الذى يراهن عليه رجال الإقتصاد والمتمثل فى زيادة الصادرات وزيادة السياحة الأجنبية..

 

لآن زيادة صادراتنا بمعدلات كبيرة يقتضى زيادة إنتاجنا أولا، أى وجود ما نصدره، ولآن الأسعار لم تعد الآن بعد حرب أوكرانيا هى التى تعوق زيادة السائحين الأجانب، وإنما ظروف وتداعيات الحرب هى التى ستحرمنا من السياح الأوكرانيين والروس أو تقلل منهم كثيرا، وهم كانوا يشكلون نسبة معتبرة من السائحين الأجانب الذين يزوروننا العام الماضى وتعويضهم من أسواق سياحية بديلة يحتاج إلى وقت وجهد وعمل..

 

وبالتالى لم يتبق من فوائد تخفيض العملة إلا الحفاظ على تدفق الأموال الساخنة علينا لسد النقص في النقد الأجنبى حتى لا نبدد ما لدينا من احتياطيات من النقد الأجنبى، فى ظل محدودية استفادة قطاع السياحة والصادرات من هذا التخفيض للجنيه.
 

وهنا الأمر بات يحتاج لوقفة مع أنفسنا نراجع فيها أنفسنا ونستعيد الطريق الأضمن لتوفير احتياجاتنا من النقد الأجنبى، وهو زيادة الإنتاج التى تحتاج إلى زيادة الاستثمارات، وهذا دور الحكومة بوزراتها مؤسساتها المختلفة والمعنية، وليس دور البنك المركزى.. ولعل أسهل وأسرع طريق هو أن نحدد عددا من الصناعات الأساسية المهمة لدينا التى تعتمد في توفير مستلزمات إنتاجها على الخارج ونشرع فورا في إقامة صناعات عاجلة لتوفير هذه المستلزمات فى الداخل ومن إنتاجنا.

 

 

وأظن إن ذلك يمكن أن تقوم  به فورا وزارات  الصناعة والتجارة  والتخطيط والتعاون الدولي مع منظمات الأعمال والغرف التجارية تحت إشراف رئيس الحكومة شخصيا.. ويجب أن تقدم الحكومة حوافز خاصة للمستثمرين الذين سيقبلون على تنفيذ هذه الصناعات وأن تشارك أيضا الحكومة فيها بعد أن تقوم بمراجعة لأولويات الإنفاق العام على المشروعات كما فعلت في مشروع الموازنة المالية للعام المالي المقبل.

الجريدة الرسمية