رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

البكاء بكل لغات العالم

هذه المشاهد ليست غريبة علينا نحن العرب، فقد ألفناها، وتعايشنا معها طوال العقدين الأخيرين، وتحديدًا مع بداية الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، ثم زادت مع ما أسموه الربيع العربي، ألفنا مشاهد القتل وتوجعنا، وبكينا مع عمليات الدهس، وهدم المدارس والمستشفيات، وتجويع الأطفال وتشريدهم، وآلمتنا مشاهد نزوح الملايين إلى الحدود هربًا من جحيم الحرب، والفرار من الموت قتلًا إلى الموت غرقًا في قوارب الهجرة غير الشرعية.

طوال العقدين الأخيرين.. كانت الدماء عربية، تتشبع بها الأراضي العربية، وكان النزوح عربيًا، والهجرة عربية، وكانت مشاهد الدمار وهدم البنية التحتية عربية، وكان الوجع عربيًا، والآهات عربية، ولم يعرف العالم لغة للبكاء غير اللغة العربية.

كنا صغارًا.. فشببنا على مشاهد الدماء الفلسطينية، وتهجير الأشقاء من وطنهم، والاستيلاء على منازلهم، وشابت رؤوسنا على نفس المشاهد، وشب صغارنا على مشاهد القتل والدمار في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان، حتى أنهم إذا رأوا مشهدًا للحرب في نشرات الأخبار سألوا: في أي دولة عربية يحدث هذا؟

مشاهد الحرب والقتل والدهس ممقوتة في أي دولة، لأنها تخالف إنسانيتنا وفطرتنا، نرفضها في منطقتنا العربية، كما في أوكرانيا، لكننا.. ومع كثرة ما ألفناه في منطقتنا.. كان المشهد في أوكرانيا عاديًا بالنسبة لنا، والجديد فيه فقط.. أن الدماء التي تسيل في الشوارع، ودهس العجائز بآلات الحرب، وهدم البنايات على رأس ساكنيها في دولة غير عربية، وصوت الأنين والبكاء الذي نسمعه.. بلغة غير العربية.

ازدواج المعايير

أمريكا التي غزت العراق وقتلت وهجرت الملايين من أبنائه تدافع اليوم عن استقلال أوكرانيا، وتعرض على رئيسها الهروب إليها، وهي التي قتلت صدام حسين وإبنيه في مشهد لن ينساه العالم، ودمرت البنية التحتية وأفقرت أغنى دولة عربية وزرعت الفتنة بين أبنائها.

وبريطانيا التي تدافع عن أوكرانيا وتمدها بالسلاح وتفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.. إستباحت ومعها فرنسا وأمريكا ضرب ليبيا في ٢٠١١، ثم جاءت ضربات حلف الناتو لتدمر ليبيا، التي لم تقم لها قائمة حتى الآن، والحجة كانت القضاء على الديكتاتور القذافي وإرساء قواعد الديمقراطية والحرية، هي نفس التهم التي توجهها أوروبا وأمريكا وحلف الناتو للرئيس الروسي، لكنهم يعيدون  حساباتهم ألف مرة قبل إتخاذ أي إجراء ضده، ويتهربون من مواجهته.

اللاجئون الأوكران وعددهم ٣٠٠ ألف.. فتحت لهم الحدود الأوروبية، وإنتفضت لهم كل المنظمات الدولية، أما اللاجئين العرب فيغرقون في البحر، أو يموتون على الحدود جوعًا وبردًا، أو يقتلون بآلة الحرب الأوروبية، وهي نفس الآلة التي خربت بلادهم ودمرت إقتصادها وزرعت الفتنة بين أبنائها.

مشاهد الدماء والقتل التي نراها في أوكرانيا تحزننا.. لكننا سكبنا كل دموعنا على نفس المشاهد في منطقتنا العربية، ومشاهد اللاجئين تؤلمنا.. لكننا أصبحنا نتعايش مع هذا الألم الذي إعتدناه مع سبعة ملايين فلسطيني مهاجر، وثمانية ملايين سوري، وخمسة ملايين عراقي.

أيها الشعب الأوكراني.. نتعاطف معك لأنك ضحية لأصحاب المصالح والطامعين في خيراتك، لكننا نغبطك لأن العالم يتعاطف معك، ومن أجلك كان البكاء بكل اللغات، أما نحن العرب.. فلم نعرف لغة أخرى للبكاء علينا غير العربية. نغبطك لأنك إذا قاومت فأنت الملهم المدافع عن أرضك وعرضك واستقلالك، أما نحن العرب إذا قاومنا فنحن إرهابيين وفوضويين.

نغبطك لأنك طالبت بفتح الباب للمتطوعين من كل الجنسيات، فاستجابت الدول لدعوتك وأكدوا مشروعيتها، وإذا فعلنا نحن العرب فلا مشروعية لدعوتنا، بل هي استعانة بميلشيات ومرتزقة. أيها الشعب الأوكراني.. نغبطك لأن دماءك حرام عند أوروبا وأمريكا والناتو، أما دماؤنا نحن العرب فحلال عندهم، وحلال عليهم. 

besheerhassan7@gmail.com

Advertisements
الجريدة الرسمية