رئيس التحرير
عصام كامل

قصف الخزان الإستراتيجي.. غازبروم تشعل الحرب بين روسيا وأوكرانيا

حرب روسيا وأوكرانيا
حرب روسيا وأوكرانيا

روسيا تنوي غزو أوكرانيا.. الحرب يوم الثلاثاء.. رصد حشود عسكرية ضخمة على الحدود الأوكرانية.. بوتين ينوي ارتكاب مجزرة دموية... إلخ، عناوين تجيد صياغتها الصحافة الأمريكية بهدف معاونة البيت الأبيض فى خطته الرامية لجر موسكو للحرب وتحويل قارة أوروبا إلى رهينة في قبضة الأمريكان.

 

معركة أوكرانيا

الخطابات المتتالية والتهديدات والبيات التي تطلقها الولايات المتحدة، وتعمل منظومة الإعلام هناك على ترويجها، وسخرت في سبيل ذلك الأقلام وتحول المداد إلى رصاص فى معركة، لن يقدم عليها الروس بسهولة، وحال تفجرت لن تسند واشنطن أوكرانيا، وستكتفي بتحويل كييف إلى متحف سلاح مفتوح وتتركهم لمواجهة المصير.

 

في الجانب الأمريكي لا يضع في حساباته الدم الأوكراني كما يزعم، ولا يهم واشنطن حرق أوروبا بالكامل، المهم لدى الولايات المتحدة حصد مكاسب عطلتها الجغرافية، والتخلص من منافس شرس بدأ ينهض مجددًا وأدرك درس الاتحاد السوفيتي.

 

مكاسب الحرب

وكي يفهم العرب ما يجري ويدركون خطورة اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومدى تأثيرها في العالم بأثره، لا بدَّ هنا للوقوف على المكاسب المالية التي تنتظر واشنطن أن تجنيها من الرصاص الطائر.

 

وفي حال تم ذلك، سيبرز السؤال الملح حول الأضرار الاقتصادية التي ستتعرض لها روسيا، والبدائل التي يمكن أن تتوفر لها لتعويض الخسائر الباهظة في حال توقفت إمدادات الغاز إلى أوروبا.

 

العقوبات على صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا التي تتحدث عنه واشنطن بين الفينة والأخرى، يتجاوز البعد السياسي المرتبط شكليًّا بالأزمة الأوكرانية، ولم يعد سرًّا أن الولايات المتحدة التي تهيمن على معظم صادرات الطاقة في العالم، لا تقبل أن يزاحمها أحد على عرض الطاقة، وخصوصًا من الخصم الجيوسياسي الأكبر -روسيا- بالنسبة لها.

 

صراع أمريكا وروسيا

تاريخيا هذه ليست المرة الأولى التي يندلع فيها النزاع بين روسيا وأمريكا على القضايا المتعلقة بالطاقة، وخطوط إمداداتها، ويكفى هنا التذكير بالتنافس الشرس في التسعينيات من القرن الماضي حول اتجاه شحنات النفط والغاز في بحر قزوين، والتي بذل الغرب حينها جهودا كبيرة لمنع إمداد منطقة بحر قزوين بالنفط والغاز عبر روسيا، وحينها أكد المسؤولون الأمريكيون بشكل علني أن واشنطن ستكون راضية عن أي خيار لمد خطوط الأنابيب، طالما أنه سيتجاوز روسيا.

 

ومع بداية القرن الـ21، تغيرت الأوضاع في السياسة الدولية، وفي الوقت نفسه، تغيرت سياسة الولايات المتحدة تجاه موارد النفط والغاز الروسية أيضًا.

 

وفي ظل غياب تأثير فعال لإنهاء عقود روسيا طويلة الأجل مع الدول الأوروبية، ذهبت الولايات المتحدة إلى خيار «صب الزيت على نار الأزمة الأوكرانية»، والتي كان أحد أسبابها، تقويض سلطة شركة "غازبروم" عملاق الغاز الروسي.

 

خط ساوث ستريم

وضمن فصول الصراع التي سبقت تفجر أزمة أوكراميا، في السابق واجهت روسيا معارضة قوية في تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز "ساوث ستريم"، الذي كان من المفترض أن يتم وضعه في بلغاريا، لكن الضغوط القوية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالت دون تنفيذه، ونتيجة لذلك، تم الاستغناء عنه بمشروع خط أنابيب الغاز التركي، ورغم أن روسيا حصلت على فرص إضافية لإمدادات الغاز، فإنها في نفس الوقت أصبحت تعتمد على مستهلك واحد.

 

وتعلم أمريكا جيدًا، أن صناعة الغاز  تشكل ركيزة اقتصاد روسيا، وأهمها ميزاته التنافسية، ومصدرًا أساسيًّا لحصيلة النقد الأجنبي في الموازنة العامة للدولة.

 

وتمتلك موسكو إمكانات هائلة لإنتاج الغاز وسوقًا عالمية ومحلية ضخمة وقدرة على توفير أكثر من 300 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، علاوة على ذلك، تعتمد مناطق بأكملها في العالم على إمدادات الغاز الروسي.

 

الغاز الروسي

وتبلغ حصة الغاز الروسي في الاستهلاك الأوروبي نحو 40%. وفي المجموع، يتم تصدير أكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، مع استهلاك سنوي يبلغ حوالي 550 مليار متر مكعب.

 

ومنذ بداية العام الماضي، زادت شركة غازبروم من إمدادات الغاز إلى تركيا بنسبة 188.5%، وألمانيا 41.5%، وإيطاليا 15.9%، ورومانيا 332.4%، وبولندا 13.8%، وصربيا 121.5%، وفنلندا 27.9%، وبلغاريا 48.9%، واليونان 17.5%.

 

وكانت غاز بروم  أعلنت العام الماضي أنه رفع إنتاج الغاز بنسبة 18.1% (48.6 مليار متر مكعب) مقارنة بالفترة نفسها من العام قبل الماضي، لتصل إلى 316.5 مليار متر مكعب، وارتفعت صادرات الغاز بنسبة 21.5% (بنسبة 21.8 مليار متر مكعب)، وهو ما جعل روسيا تقترب من الحد الأقصى التاريخي.

 

ووفق حصيلة  فبراير 2022، نمت صادرات الغاز الروسي في العام الماضي بمقدار 2.1 مرة وبلغت 54.2 مليارا، مقارنة بالعام 2020 عندما بلغت 25.7 مليار دولار.

 

درس الحرب الباردة

وتدرك واشنطن جيدا أن مغادرة روسيا سوق الغاز الأوروبي لا شك يعني خسائر كبيرة، لكن على ما يبدو أن الروس استوعبوا دروس الحرب الباردة ويمتلكون أسواقا بديلة هائلة من حيث حجم الاستهلاك، كالصين، خصوصا بعد توسيع خط أنابيب "قوة سيبيريا" الذي ساهم في زيادة صادرات الغاز الروسي إلى الصين لأكثر من 10 مليارات متر مكعب، فضلا عن الأسواق البديلة في الهند وجمهوريات آسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق أسيا، ولديهم خطط مستقبلية للتوسع في أفريقيا.

 

لكن ما ترمى له الولايات المتحدة فى الحرب التي تقرع طبولها وتجر الجميع لها، هي فقدان روسيا سلاح الطاقة كوسيلة لحماية مصالحها القومية، ومقاومة الضغوطات أمام السياسات غير الودية لبلدان الاتحاد الأوروبي.

 

قطر ومصر والسعودية

تحركات الرئيس الأمريكى لخلق مصادر بديلة للغاز إلى أوروبا، دفعته لمناقشة الموضوع مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد خلال زيارته لواشنطن مؤخرا، وأرسل وفدا رسميا إلى المملكة العربية السعودية، وفتحت واشنطن قنوات تواصل مع القاهرة حسب تسريبات إعلامية لكن الموقف العربي جاء بالرفض.

 

الحديث الأمريكي في الأساس عن إيجاد مصادر بديلة للغاز الروسي إلى أوروبا، سيعني عمليًّا إرغام دول القاهرة على شراء غاز أكثر تكلفة وبشروط أقل ملائمة، لأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أكثر تكلفة من صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا.

 

علاوة على ذلك، لن تشتري ألمانيا الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، لكونها لا تمتلك بينة تحتية  لازمة لذلك، كما أن بناء محطات جديدة لا يمكن أن يكون مربحا، ناهيك عن إعلان برلين أنها تخطط بالفعل للتخلي تمامًا عن مصادر الطاقة الكربونية بحلول عام 2050.

 

والمخرج الوحيد أمام البلدان الأوروبية لاستبدال استيراد الغاز الروسي هو التسخين بالفحم بدلا من الغاز، والذي يصل جزء كبير منه من روسيا نفسها، ولكنه في نفس الوقت، يتناقض مع المعايير البيئية السائدة في القارة.

 

غرض العقوبات 

واليوم تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن هذه النقطة صراحة بقوله: إن "الغرض من العقوبات هو إبطاء تطور روسيا والمنافسة غير العادلة".

 

وتابع فى مؤتمر صحفى، على مدى السنوات الثماني الماضية، تم إنجاز الكثير في روسيا في هذا الاتجاه، وهذا ما يسمى استبدال الواردات، لم نقم بكل شيء خططنا له، ولكن بشكل عام، أكثر من 90% من المهام التي حددناها، وصغناها لأنفسنا تم حلها، لا يزال لدينا الكثير لنفعله وهذا يسمى رفع مستوى السيادة الاقتصادية".

وأوضح بوتين، هناك سبب ما لخلق مبرر لفرض العقوبات واليوم نري أوكرانيا وفي حال عدم وجود سبب من هذا القبيل، فسيتم اختلاق سبب آخر، لأن الهدف هو إبطاء التنمية في روسيا وبيلاروسيا، ولتحقيق هذا الهدف، سيتم دائما إيجاد سبب لفرض قيود غير مشروعة معينة، وهذه ليست سوى منافسة غير عادلة".

الجريدة الرسمية