رئيس التحرير
عصام كامل

المخطط كبير والخسائر فادحة.. كيف حدث حريق القاهرة وموقف الملك فاروق

 حريق القاهرة
حريق القاهرة

اندلع أضخم حريق للقاهرة في مثل هذا اليوم 26 يناير 1952 واستمر قرابة 12 ساعة متواصلة، وهذا الحريق لم يكن وليد الصدفة لكن تدخلت أيادى كثيرة في الخفاء لإشعال هذا الحريق.

اشتعل الحريق في عدة منشآت في مدينة القاهرة التهمت 700 محلا وسينما وكازينو وفندق ومكتب وبنك ونادى في جميع شوارع وميادين المدينة في الفترة مابين الثانية عشر والنصف ظهرا حتى الساعة الحادية عشر والنصف مساءا.


وكما كتب الكاتب الصحفى إحسان عبد القدوس مقالا في مجلة روز اليوسف عام 1959 بمناسبة ذكرى حريق القاهرة في يناير 1952 قال فيه:" كان الصراع بين قوى الثورة الشعبية وبين نظام الحكم المعتمد أساسا على أسرة أجنبية متعاونة ـــ بحكم جذورها ــــ قد دخل مرحلة الصراع المكشوف خاصة بعد أن استجاب النحاس باشا للرغبة الشعبية وأعلن قراره التاريخى بإلغاء معاهدة  1936 ".

ثورة شعب ضد الاحتلال 

وأضاف: “وجد فاروق نفسه على حافة الهاوية فمد يده إلى الإنجليز في السر، بينما أعلن قراراته الرسمية الخاصة باختيار معاونيه كحافظ عفيفى وعبد الفتاح عمرو أنه على الأقل يهادن المستعمر ويسترضيه.. وكان طبيعيا أن تثور ثائرة الشعب ويشتد غضبه على الإنجليز والملك معا، وأن تأخذ هذه الغضبة شكل الصراع المسلح الذي خاضته فصائل الشباب الثورى ضد قوات الاحتلال في القناة ”.


وتابع: "هل يسكت الإنجليز على هذه المواجهة المكشوفة التي تتحدى سطوتهم، وتهز من قبضتهم الحديدية التي أحكموها على مقدرات مصر، بعد عاما من دخولهم القاهرة عام 1882 عقب نصرهم الخبيث على ثورة شعبية أخرى قادها أحمد عرابى وتمكنت العمالة والخيانة من إجهاضها".

وأضاف عبد القدوس: "كنت في القاهرة كغيرى من الصحفيين المتمردين على خطايا الحكم نتوقع ضربة عنيفة يقوم بها الإنجليز، وكانت وشيكة الوقوع، كان احتمال أن تجيء الضربة من القاهرة مستبعدا لسببين أولهما أن الوجود العسكري كان قد تلاشى من العاصمة بعد انسحاب قواتهم إلى القناة واحتمال قيامهم بإغراء الملك على إقالة حكومة النحاس باعتبارها سبب المصائب إلا أن الإقالة يجب أن تسبقها أسباب ظاهرية فكانت البداية في الإسماعيلية.. المدينة التي يحمل اسمها أشرف معركة خاضها بوليس مصر.

الاسماعيلية هى البداية 

ففى صباح الجمعة 25 يناير وجهت القيادة الإنجليزية في الإسماعيلية إنذارا لقوات البوليس المصرى بأن تسلم المبنى وتخرج من المدينة كلها مجردة من السلاح، إلا أن اللواء أحمد رائف رفض الإنذار وتضامن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين مع قرار الرفض الذي يقاوم رجال البوليس بالقوة أي محاولة لتنفيذ الإنذار".

حريق القاهرة عام 1952 

وقاوم رجال بوليس الإسماعيلية بشجاعة وهم 800 جندى مسلحون بالبنادق في مواجهة آلاف من خيرة الجنود الإنجليز.. عرف الشعب حقيقة المعركة بل المذبحة التي خطط لها الإنجليز ونفذوها في الإسماعيلية لكى يتردد صداها المدمر في القاهر، قتل فيها 50 شخصا وأصيب اكثر من 70 من القوات، وبناء عليه فقد خرج جنود بلوكات النظام من معسكرهم في العباسية وهو يحملون أسلحتهم في مظاهرة تهتف بسقوط الاستعمار وتطالب بالسلاح للذهاب إلى القنال  ، 

حريق منشآت القاهرة فى يناير 1952

ونشر فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى حكومة الوفد بيانا فى جريدة "المصري"، التى كانت لسان حال حزب "الوفد"، يتهم فيه حيدر باشا القائد العام وعثمان المهدى، رئيس الأركان، بأنه طلب منهما نزول قوات الجيش المصرى إلى الشارع، أثناء أحداث حريق القاهرة، إلا أنهما تقاعسا عن التحرك فى انتظار أوامر الملك.

، وفي نفس الوقت كانت تتجمع مظاهرة أخرى في حرم الجامعة مظاهرة أخرى غاضبة مما حدث في الإسماعيلية.. التقت المظاهرتان في قلب القاهرة لتتحولا إلى مظاهرة عاصفة تضم الجنود والطلاب وكل طوائف الشعب الغاضب تثور لكرامته ودماء أبنائه التي أهدرت ظلما وعدوانا، اتجهت المظاهرة إلى مقر مجلس الوزراء ثم إلى قصر عابدين.

وأشعلت النيران التي دمرت أكثر من 700 متجر تضم أشهر محال القاهرة مثل شيكوريل وعمر أفندى وصالون فير، 13 فندقا منهم شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا، كما أكلت النار 40 دارا للسينما منها ريفولى ورديو ومترو وديانا وميامى، و73 مطعما و92 بارا منهم جروبى والأمريكين، و16 ناديا وتدمير ملهى الأوبرج بالهرم، فأعلنت الحكومة الأحكام العرفية.. كان فاروق وقتئذ يقيم حفل غداء بمناسبة قدوم ولى العهد وقد دعى إليه قادة الجيش والسياسة في مصر.

ليست بتدبير مقصود 

وكتب الصحفى محمد حسنين هيكل يقول: لا أظن ان حريق القاهرة بدأ بتدبير مقصود على نحو ماتمت لكنه في اعتقادى كان ركاما وعود كبريت قرب من الركام والدنيا ولعت، بدأت عفوية ثم نظمت وأسئ استغلالها، حتى جاءت ثورة يوليو المجيدة عاصفة قلعت جذور كل هذا الفساد في إدارة البلاد.

الفاعل مجهول 

لقد حاولت السلطة المتعاونة مع الاستعمار أن تلصق التهمة بكل الشرفاء الرافضين لخطاياهم إذ ذاك، وكانت درجات التلفيق تتفاوت حسب ظروف كل وطنى شريف وصلت إلى حد الاعتقال لبعض الثوار الحزبيين مثل فتحى رضوان وظل في المعتقل حتى أفرج عنه وعينته حكومة الثورة وزيرا في حكومتها، ثم اتهام أحمد حسين بتهمة التحريض على الحريق وأثبت القضاء براءته.. ويظل السؤال: من أحرق القاهرة؟
 

الجريدة الرسمية