رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية الست روحية

مقطع فيديو عبر مواقع التواصل، يبين أحد الصبية وهو يقوم بتنظيف البضائع خارج المحل الذى يعاون فيه والدته على كسب لقمة العيش، وبينما يمارس عمله اليومي المعتاد، علق بيده سلكا كهربائيا مكشوفا، فالتصق به وصعقه، ومن شدة الصدمة طرحه السلك أرضا، وظل الصبي ممسكا به دون إرادته، وهو يأخذ طريقه رويدا رويدا إلى الموت.

 

تفجع الأم الشجاعة بهذا المشهد الدامى، وبسرعة ودون ثانية تفكير واحد فى حجم الخطورة عليها، وثبت على صغيرها، ومدت يدها العارية دون أى إجراء حماية، ونزعت السلك الجاثم على طفلها وألقته بعيدا عنه، وبينما يرتعد الولد من قسوة الصعقة، كانت الأم تنهضه من مكانه وتحتضنه بقوة وتهدئ من روعه، وتدخله الى المحل، كى تتبين ما به، إذا كان يحتاج إلى رعاية طبية عاجلة أم لا.

 

 

نموذج فطري عفوي لأم مصرية شجاعة، افتدت صغيرها بروحها وقد كان من الممكن أن يلتصق السلك العاري بها، لكنها اتخذت القرار فى لحظات، إما أن أنقذك يا ولدى وننجو سويا بأمر الله، وإما أن أنقذك وأموت وافتديك حينها بعمري وروحى، وإما أن نموت سويا، فلا عيش بعدك ولن يهنأ الجوف بلقمة بعد هذا اليوم.

 

خلال تصفح بعض المواقع الإخبارية، شاهدت مقطع فيديو مؤثر، مر عليه ما يقرب من عام، يتحدث عن حكاية الست روحية، تلك الأم الصابرة المكافحة المحتسبة، التي تقوم على رعاية أبنائها الرجال الثلاثة، وهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، والتى استمرت رحلتها معهم ما يقرب من 40 عاما، وأعطت ولا زالت تعطى بإذن الله، وتمنح الحب والدفء والأمان.

 

نماذج مشرفة

 

تقول السيدة روحية: "تركنى أباهم بعد ولادتى لهم، ووضوح بوادر التأخر الذهني عليهم، فتمسكت بهم أكثر، فقد شعرت أنني أمام امتحان من الله عز وجل، إما أن أفوز فيه وأعبر الجسر إلى الجنة محمولة على أيدي أولادى الثلاثة، وإما الرسوب فى الامتحان، فيكون الضياع مصيرهم".

 

تكمل:" أنام بنصف عين منذ أربعين عاما، أستيقظ مرات عدة طوال الليل، أرقب تحركاتهم، أطمئن خوفا أن ينسى أحدهم ويصعد إلى سطح المنزل، ويقفز منه إلى الشارع، ويتوه منى وقد لا أجده ثانية، وروحى معلقة بهم جميعا، بل لا أطيق الحياة دونهم، بل إننى أدعو الله عز وجل، أنه إذا أراد قبض روحى أن يقبضهم معى، ويصحبونى إلى الدار الآخرة، فأخاف أن أتركهم للناس فيضروهم، وكلى يقين فى رحمة الله بهم".

 

 نموذج مقدس لأم مصرية، ضمن آلاف بل ملايين النماذج المشرفة، من أمهاتنا الصابرات، المكافحات، تكتسب رزقها بالعمل بشرف من خلال تربية الطيور وبيعها، لم تستنكف ولم تكف يوما عن رعاية هؤلاء الرجال رغم كبر سنها، من مأكل ومشرب واعتناء خاص بحالتهم الصحية، فكانت نموذجا مضيئا للصبر والرضا والإيمان بالمكتوب والمقدر.

 

انحناءة تقدير، وقبلة احترام وإكبار على قدمى، كل بطلة مصرية، ابتلاها الله باختبار قاسي في أولادها، فأحتسبت وصبرت ابتغاء وجهه الكريم، واستجابة لفطرتها العفوية، وعافرت فى تلك الحياة القاسية من أجلهم بمفردها، فكانت لهم صمام الأمان ونعم السند.

الجريدة الرسمية