رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

على مائدة الدكتور خالد عبد الغفار

هو أب مصرى، وهى أم مصرية، علَّما ابنهما وفق واحدٍ من أفضل النماذج التعليمية المطبقة فى مصر.. نظام الـ«IG» ودفعا من قوتهما كل ما مكنهما من تفوق الابن ليحصل على ٩٩٪ فى الثانوية. كان الابن قد خطط لمستقبله العلمي ليلتحق بكلية الطب في أي جامعة حكومية، وبعد التهاني والتبريكات والأفراح التى راق للأبوين أن يعبرا بها عن فرحتهما بما حققه الابن المجتهد.

 

نحن أمام أسرة مصرية ارتأت أن لديها وضعا ماليا يسمح لها بتعليم ابنهما فى مدارس خاصة وفق النموذج الإنجليزى، وبذلك فقد خففا العبء على الدولة، وأتاحا لغيرهما من الأسر المصرية مكانا بالمدارس الحكومية. فى اليوم المحدد لإعلان تفاصيل تنسيق الجامعات لهذا النوع من المدارس كان الأب قد جمع الأسرة من حوله احتفالا واحتفاء بمرور ابنه إلى حيث خطط وكد واجتهد.

 

 

على غير هوى الأب، وعلى غير ما تمنت الأم جاء الإعلان الصادم لهما ولغيرهما من أسر مصرية كثيرة.. الحد الأدنى للقبول بكليات الطب الحكومية هو ١٠٠٪.. نعم الرقم صحيح وبلا مبالغة. لو أن ابنك اجتاز امتحانه بنسبة ٩٩.٥٪ فإن هذا يعنى أنه قد حيل بينه وبين أي كلية طب في أي جامعة حكومية.. ما هو السبب؟.. لا الأب يعرف، ولا الأم، ولا كاتب السطور.

 

ادرس في مصر

 

وعلى الجانب الآخر، طرحت وزارة التعليم العالى فكرتها للعالم الخارجى تحت شعار «ادرس في مصر»، ومن أجل تحقيق حالة جذب تعليمى كبيرة قدمت مجموعة من التسهيلات. من بين تلك التسهيلات أن أتاحت الالتحاق بكليات الطب بالجامعات الحكومية بمجموع يقل عما حصل عليه الطلاب المصريون بأكثر من ١٠٪.. وقد كان تحقق للوزارة ما أرادت، ووصل إلى كليات الطب بجامعاتنا الحكومية طوفان من الدارسين.

 

ولأننى أعرف وطنية الدكتور خالد عبد الغفار، وأراه -مثل غيري- عالمًا جليلًا، فإن الحوار الذي يفرض نفسه الآن هو طرح الملف كاملا على مكتبه ليضعه فى موضعه الصحيح.

إذا كنا نرفع شعار «ادرس فى مصر» فإن هذا الشعار يصبح إنجازا لو وفرنا أولا لأبناء مصر التعليم فيها بدلا من هروبهم إلى الخارج، وأظن أنه لن يتوافق مع الدستور والقانون أن يحصل الأجنبي على امتيازات لا تتوفر للمصرى.

 

جامعات مصر أولى بأهلها، خصوصا فى التعليم الطبى، والدكتور خالد يعرف جيدا لماذا يقدم أشقاؤنا العرب على تعليم أبنائهم فى كليات الطب بمصر، حيث لا تزيد مصروفات الطالب عن مائة ألف جنيه فى العام، وهو ما أعلن أولياء أمور طلاب الـIG استعدادهم لدفعه.

 

وأظن أنه من غير المنطقي أن يبحث أولياء أمور من الآن عن جنسيات تباع على الرصيف حتى تتوفر لأبنائهم فرصة الالتحاق فى العام القادم بجامعات مصرية تحت بند "وافدين". هل من المعقول أن يبحث المصرى عن جنسية أخرى لأولاده حتى يحصل على فرصة لتعليم ابنه كأجنبى فى بلده؟! لا أظن أن الأمر يستقيم، ولا أعتقد أن الدكتور خالد عبد الغفار سيرى الأمر على عكس ما نراه؟!

تصدير التعليم

 

القضية بحاجة إلى حل عادل، إذ لا يمكن أن نتصور طالبا أجنبيا يحظى بتعليم طبى عالي المستوى بأسعار زهيدة، بينما يُحرم أبناؤنا ونطاردهم للسفر إلى الخارج. ونظن، وبعض الظن إثم، أن شعار «ادرس فى مصر» عندما يتاح لغير المصريين ويحرم منه أبناء الوطن فهو شعار تمييزى وعنصرى، ولا يوحى إلا بمعانٍ لا نرضاها على بلادنا، ولا نستسيغها لأبنائنا.

 

أحكى والقصة حقيقية.. اتصل بى صديق ليسألنى عن بلاد تبيع تأشيرات بمقابل استثمارى أو بشراء عقارات، وعندما استفسرت منه عن السبب، قال لى بالحرف الواحد: حتى أوفر لابنى العام القادم فرصة تعليم فى كلية طب بجامعة حكومية كوافد!

الرجل جاد فيما يفكر فيه، وأنا متألم أيما ألم لما وصل إليه الحال من تصورات غامضة وغير مفهومة وغير مبررة.. جامعاتنا ملك لنا ولأبنائنا، وتصدير التعليم يجب أن يقوم على أفكار لا تقصى الأجيال ولا تحرمهم من حقهم الأخلاقى والإنسانى قبل الدستوري.

Advertisements
الجريدة الرسمية