رئيس التحرير
عصام كامل

الاختطاف الذهني

لم يكن الاختطاف الذهني مُجرد كلمات عفوية تصف أولئك الذين أرادوا تدمير الدولة وهدم أركانها، ولكنه تعبيرٌ دقيق يصف كل من فقد صوابه، وأسلم مسئولياته لغيره يسوقها كيفما شاء، وتكمن خطورة الاختطاف الذهني في انك تنخدع، وتظن أن المخطوف أمامك، تكلمه فيسمعك وتحذره فيفهمك، والحقيقة أنه هناك حيث وضعه الخاطفون، وأبقوا لك جسدًا بلا روح ولا عقل، ثم تتعجب من أنه لا يقبل النُصح، وأنه يُدمِر نفسه وأعز الناس عليه بدمٍ بارد، ونفس هادئة.

 

ويُمكنك في حالات  الاختطاف البدني أن تُبلغ الأجهزة الأمنية، ولعل التقدم العلمي والحرفية الشديدة التي كشفت عنها ممارسات وزارة الداخلية مؤخرًا في كشف هذا النوع من الجرائم يقف حجر عثرة أمام من تسول له نفسه خطف شخص بريء، لا سيما الأطفال والفتيات، ولكن.. من الذي ستبلغه حين يكون الاختطاف ذهنيًا؟، وحين يكون المختطف ذهنيًا وزيرا مثلًا، أو قيادة هامة في هيئة أو مؤسسة أو ما شابه ذلك؟، وما القانون الذي يُجرِم ذلك؟، ومن سيصدقك؟

 

المسئول الأول

 

ومما لا شك فيه أن كارثة إختطاف المسئول الأول ذهنيًا، لا سيما فور توليه المنصب الهام، بل وأحيانًا قبل ذلك بفترة مناسبة يحول دون إمكانية إستعادة المُخْتَطَّف، ولو كان عزيزًا على قلبك، لأنك لا تستوعب واقعة الاختطاف إلا بعد إتمام الجريمة، وتمكن الجناة من فريستهم، مع ثقتهم الكاملة بأنك لن تصل إلى المُخْتَطَّف مهما فعلت.

 

فأنت لا تعرف كيف اختطفوه، ولا أين وضعوه، وتسير مذهولًا، ضاربًا كفًا على كف بعد لقائِك مع المُخْتَطَّف الذي ربطتك به يومًا، ما.. مودة وأحترام متبادل، وتتساءل أين أخلاقه، وأين افكاره، وأين حُبه وأنتماؤه لجهة عمله التي كان مستعدًا للتضحية بحياته من أجلها.

 

المُخْتَطَّف ذهنيًا 

 

وعندما تُصمم على لقاء المُخْتَطَّف ذهنيًا لتحذره من تصرفاته الخاطئة، فلا تجد روحه الوثابة التي عهدتها فيه، بل ينظر اليك بعينين زائغتين من أعلى نظارته، ولا تحظى منه سوى بكلمات باهتة أو ضحكة صفراء بلا معنى، ويبتسم لك الخاطفون من حوله إبتسامة الشامت المنتصر، وحين يقتلك الألم والحسرة على تلك القامة التي اختطفوها، والوزارة أو الهيئة العريقة أو المؤسسة التي سينهبوها تتساءل:

من هم المُخْتَطِفون؟.. والاجابة سبق أن أفردنا لها مقالات مُفصلة، لكن بعضنا لا يقرأ وإذا قرأ لا يستوعب، وإذا فهم سرعان ما ينسي، وإن ذكرته ظن أن الأمر لا ينطبق عليه، وتبقى الحسرة في نفوس المحترمين.

 

أشعر بك ايها القارىء المحترم، الألم يعتصر قلبك على الوزير أو القيادة المُخْتَطَّفة، ولعلك تستحضر شخصيةً محترمة تعرضت لمثل هذا الاختطاف، وأتفهم تساؤلًا عنيفًا يدور في رأسك: كيف نسترد المُخْتَطَّف؟.. ولكن عليك أن تعرِف أولًا من هم الخاطفون، ولماذا اختطفوه؟

 

مصالح شخصية

 

والسؤال الاخير، إجابته يسيرة، فللخاطفين مصالح شخصية تتعارض مع مصلحة الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة، وهم يسعون دائمًا للبقاء مع تعاقب القيادات، لأن الاطاحة بهم تعني كشف جرائمهم السابقة، التي يُعاقب على بعضها جنائيًا.

 

ولا يمكن حصر الخاطفين في مُسمى واحد أو وظيفة واحدة، ولكن على رأسهم المُخادع، الذي يتقلب في الوظائف المحيطة بالقيادة ويؤدي نفس الوظيفة، وهو أيضًا أول من ينصب الفخ حول القيادة قبل توليها المنصب، ولديه الخبرة في ذلك، ولكن القيادات لا تُلاحظ، ومن الخاطفين كذلك (الخنافس البشرية)، وقد سبق أن تحدثنا عن هذه النماذج تفصيلًا، ومعها ما سميناها الآفة البغيضة، وكذلك أعوان السوء، وننصح بضرورة الرجوع اليها.


مصلحة بيتك الكبير

 

ويجب لاسترداد المُخْتَطَّف وعيه، أن يتحرك جميع المحترمين بالوزارة أو المؤسسة أو الجهة، نعم، جميعهم، فُرادى وجماعات، خاصةً من ربطتهم بالمُخْتَطَّف علاقة سابقة، ويقابلوه ويخبروه بأن الهيئة تذخر بالكفاءات، وذوي الخبرات والذين يمكنهم تولي المناصب الهامة، بدلًا من أولئك المُرتزقة الذين إنحصرت مؤهلاتهم في الكذب والخداع، وحياكة المؤامرات والتغطية على الفساد والفاسدين، والنيل من الشرفاء، والتستر على الجرائم المالية والمخالفات الإدارية.

 

وعلى كافة المحترمين في جميع الوزارات والجهات والمصالح والهيئات والمؤسسات العريقة أن يصيحوا بالقيادة المختطفة:

عُد الينا، الى من يحبوك، إلى مصلحة بيتك الكبير، ولابُد أن يُذكروه بتاريخه المُشَرِف، حين كان نصيرًا للحق ومُحِبًا للخير، مُعلِمًا لإخوانه وأبنائه حديثي العهد بالعمل تحت رئاسته، ومآخذه التي كان يتحدث عنها علنًا بكل جراءة قبل توليه السلطة على بعض من سبقوه، والتي رحلت مصحوبة بالدعاء عليها، ولم تحصل سوى على ما قدره الله لها من رزق.. حينئذٍ سيسترد وعيه شيئًا فشيئًا، وسيعود الى المحترمين ليحتفلوا بعودته، وبالإطاحة بالمُرتزقة المُخْتَطِفِين.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية