رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هنا أفغانستان.. من أفقر دول العالم.. غير ساحلية.. وتتمتع بموقع إستراتيجي مهم

على الرغم من الجدل الدائر حول كيفية سيطرة طالبان على أفغانستان بهذه السرعة، هناك حقيقة صعبة يجب الاعتراف بها، وهى أن طالبان أمضت سنوات فى الاستعداد لانسحاب الولايات المتحدة فى نهاية المطاف، فعلى الرغم من الضربات الجوية التى لم تتوقف ومقتل الآلاف من جميع الجهات، لم يتمكن أحد من إيقاف الحركة، فقد حققت طالبان مكاسب منهجية من خلال السيطرة على المواطنين الأفغان بالقوة عن طريق دولة الظل التى فرضوها، مستغلين الغضب من انتهاكات القوات الأجنبية وفساد الحكومة الأفغانية لكسب التأييد فى قرية بعد قرية، لكن السؤال الآن هو ما نوع الحكومة التى ستفرضها طالبان وماذا سيعنى ذلك بالنسبة للأفغان؟

 

دولة غير ساحلية

أفغانستان هى دولة غير ساحلية، تقع فى قلب القارة الآسيوية بين غرب آسيا وآسيا الوسطى، تمتاز بموقعها الإستراتيجى المهم على مفترق الطرق التجارية الرئيسية، فقد جذبت سلسلة من الغزاة منذ القرن السادس قبل الميلاد، وكابول هى العاصمة وأكبر مدينة فى أفغانستان، وفقًا للتقديرات الأخيرة، يبلغ عدد سكان العاصمة "كابول" ما يزيد على 3 ملايين نسمة.

وتعتبر أفغانستان واحدة من أفقر دول العالم، إلا أن مسئولين أمريكيين كشفوا عام 2010 أن هذه الدولة ربما تكون قابعة فوق كنز من المعادن الثمينة بقيمة تتجاوز تريليون دولار، وبخلاف الصورة النمطية، التى يعتقد البعض بناء عليها أن أفغانستان هى سلسلة من الجبال والمساحات الوعرة، فإن أراضيها تحتفظ بثروات ضخمة، وربما سيصبح بمقدور حركة "طالبان" استغلال هذه الرواسب الضخمة من المعادن، التى تعتبر ضرورية لبناء اقتصاد الطاقة النظيفة العالمى، وفى عام 2010 أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية مذكرة داخلية تسمى "أفغانستان.. السعودية فى الليثيوم" بعد اكتشاف الجيولوجيين الأمريكيين الرواسب الهائلة من هذا المعدن فى البلاد، التى تُقدر قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار، وهو ضرورى بشكل خاص للسيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة المتجددة.


إلى حد ما، يعرف العالم بالفعل كيف ستمضى الأمور، لأن طالبان كانت تسيطر بشكل أساسى على أجزاء من أفغانستان منذ سنوات، ومع ذلك فإن الاستيلاء على الأراضى سيظل بالنسبة لطالبان أسهل بكثير من فكرة السيطرة عليها لاحقًا، وقد كان هذا أحد أكثر الدروس إيلامًا لطالبان فى التسعينيات، عندما وصلوا إلى السلطة، لكن الأمر تحول إلى كارثة عندما تعلق الأمر بالحكم، لذلك نحن لا نعرف حتى الآن، كيف ستحكم طالبان الأمة الأفغانية ككل؟!


الظاهر حتى الآن أن الإدارة ستكون بدائية بشكل قد ينذر بكوارث فى المستقبل، خاصة أن هناك اختلافات شديدة بين المناطق المحافظة بشدة التى كانت لفترة طويلة تحت تأثير طالبان والمناطق الحضرية الأكثر تقدمًا نسبيًا والتى سيطرت عليها مؤخرًا، وهناك القليل من المؤشرات على أن طالبان مجهزة لحكم المدن - أو البلد ككل – بمفردها، وذلك يرجع إلى حالة التعقيد الاجتماعى فى أفغانستان، والتى يتخطى تعقيدها مسألة التقسيم البسيط بين المناطق الحضرية والريفية، ولكن منذ عام 2001، استفاد سكان المدن بشكل عام أكثر من الأمن والمساعدات والفرص التى يوفرها التدخل الدولى، وتحركت النساء بحرية نسبية، وعملن وذهبن للمدرسة، وتباعدت الأعراف الاجتماعية بشكل كبير عن عقلية طالبان.


فى المناطق التى سيطرت عليها طالبان منذ فترة طويلة، تقوم المحاكم بفرض الشريعة الإسلامية أثناء تسوية النزاعات، وعينت ولاية الظل التابعة لحركة طالبان مسئولين لمراقبة المدارس وتنظيم العيادات التى تديرها المنظمات غير الحكومية، لكن إدارتهم كانت بدائية إلى حد كبير، وتعتمد الخدمات العامة فى أفغانستان بشكل كبير على برامج المساعدات الخارجية التى تمثل المنح نحو 80 فى المائة من الإنفاق العام لأفغانستان، ومن شبه المؤكد أن كليهما سينخفض بسرعة فى ظل أي حكومة لطالبان.
 

سياسات طالبان

الكاتب والمحلل الأمريكى المتخصص فى شئون الجماعات المسلحة أشلى جاكسون، قال: إن معظم الناس يستغلون طاعتهم لطالبان للتخفيف من معاناتهم، بل إن البعض أقنع قادة طالبان بالتصرف مثل الحكومة المسئولة، وفى ذلك الوقت اختلفت سياسات طالبان حول ما إذا كان بإمكان الفتيات الالتحاق بالمدرسة الابتدائية من مكان إلى آخر، وقد سعى بعض عناصر طالبان المحليين فى الأيام الماضية الأخيرة إلى طمأنة السكان والسيطرة على المؤسسات الحكومية حتى يستمروا فى العمل، وفى بعض المدن ظهرت تقارير عن محاولة مسئولى طالبان إقناع موظفى الخدمة المدنية بالعودة إلى العمل.. وفى أماكن أخرى، كما هو الحال فى أجزاء من مقاطعة غزنة، هناك تقارير عن انتقام طالبان من أي شخص مرتبط بالحكومة أو قوات الأمن وتدمير الممتلكات.

وتجد طالبان نفسها أمام عدة خيارات؛ إما فرض الحصار على بقايا النظام والسعى للانتقام والتدمير أو استيعاب ما فى وسعها، وعقد صفقات مع هؤلاء الأشخاص والفصائل التى يمكن إقناعها بالتعاون، ولكن حتى الآن ليس من الواضح أنهم يعرفون ما يريدون، ولكن وإدراكًا منها أن العالم يراقبها، فإن قيادتها السياسية حريصة على مواجهة الدعاية السلبية وتجنب التحول إلى دولة منبوذة، كما كان الحال فى التسعينيات.

 

وقال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين: "نحن خدام الشعب وهذا البلد.. ونطمئن الناس فى أفغانستان، ولا سيما فى مدينة كابول، أن ممتلكاتهم وحياتهم آمنة ولن يكون هناك انتقام من أحد"، كما أنه بعد سقوط كابول، حث الملا عبد الغنى بردار، فى رسالة بالفيديو، مقاتلي طالبان على إظهار "التواضع".

 

نقلًا عن العدد الورقي…

Advertisements
الجريدة الرسمية