رئيس التحرير
عصام كامل

قصة خيالية نقصها عبر خط الزمن (1)

كثيرًا ما يشعر المرء بالفتور، عند سماع كلمة الفساد، وتتهادى إلى ذاكرته المعارك التي خاضها هو أو غيره لمحاربة ذلك الوحش الكاسر، ومعالجة هذا المرض الخبيث، وتصرِفه نتيجة المعركة عن مواصلة الاستماع الى حديث الفساد، ونحن المصريين نؤثر السلامة ما دامت مقدساتنا بخير، ونغض الطرف عن كل ما يؤذينا، لا سيما ذلك السرطان اللعين الذي لا ندري سببه وسئمنا من اختراقه مؤسساتنا، ولكل ذلك فمن الأولى أن نُعالج هذا المرض الخبيث بعد أن نُحلل أسباب نشأته، وكيفية ظهوره لنطرده بلا عودة

 

وإذا أردنا أن ننفذ خطة علاج صحيحة، فيمكننا ذلك من خلال قصة خيالية، نقصها عبر خط الزمن، نستعرض من خلالها قصة حياة خلية فساد خبيثة منذ نشأتها، وقد يجد البعض في قصتنا تشابهًا يصل إلى ٩٩% من شخصيات يعرفها، ولكننا نُحذر من يدعي أنه بطل هذه القصة الخيالية، فهو يُعَرِض نفسه للمساءلة القانونية لمحاولة الحصول على شهرة لا يستحقها، والأمر كله لا يعدو تشابهًا في التصرفات القذرة

وتبدأ قصتنا مع «أبو الشرف» ويمكنك عزيزي القارئ أن تطلق عليه المرض الخبيث أو البذرة الخبيثة، وقد وُلد طفلًا طبيعيًا ككل الأطفال، أو هكذا ظن من حوله، وكان والده موظفا حكوميا سيئ السمعة يقبل السُحت ويفرض الإتاوات على المتاجر الكائنة في دائرة اختصاصه، وكان الأب لا يستحي من شُهرته بأنه يقبل الرشوة ويفرض الإتاوات رغم أصالة ونُبل عائلته وأهل قريته

الشارع الرئيسي

تمكن والده بعد ذلك من شراء بيت فى الشارع الرئيسي بالبندر في محاولة منه لطمس تاريخه الردئ، وأبو الشرف له شقيقٌ أكبرُ منه بعدة سنوات، يتسم بالتسلط  وحب السيطرة، ودائمًا ما كان يستأسر بألعاب «أبو الشرف» رغم أنها لا تناسبه، وإذا أصابه الضجر منها كسرها أمام عين أخيه المسكين، فقد لاحظ أن أباه قد أطلق عليه ذلك الااسم سترًا لفساده أمام الناس

ولكن انقلب السحر على الساحر، فقد كان الناس يُعَيرونه بالااسم، فأصبح مشحونًا ضد المجتمع منذ نعومة أظافره التي اصبحت مخالبًا فيما بعد، ولم تكد المرحلة الاابتدائية تنتهي، حتى اتضحت بعض سمات «أبو الشرف» وتباينت بين الخير والشر، فتجده يصلي الظهر مع زملائه فى مُصلى المدرسة ثم هو يكسر أي قلم مميز يراه مع أحد زملائه خِلسَة، ويجده الجميع منتبهًا للشرح ثم يكتشفون حَفرًا يُشَّوِه المِقعد الذى يجلس عليه، إلى غير ذلك من الصفات والتصرفات المتعارضة

الصدمة الكُبرى

لم يُفلح «أبو الشرف» في أي نشاط مدرسي، ولكنه تميز فى لعب «البلي»، ورغم ذلك فقد احترف سرقته من زملائه بدفنه بقدمه في الأرض، ثم يعود ليأخذه بعد قليل، وكان يعتبر ذلك ذكاء، وجاءت المرحلة الإعدادية لتصبح أكثر مرارة، وذهب «أبو الشرف» حيث يذهب الفتيان، الذين يغلب عليهم حب الفوضى، فقد كانت المدرسة هي الفقرة الترفيهية

وهنا فى مرحلة الإعداد للرجولة، كانت الصدمة الكُبرى، ففي الوقت الذي  يستعد  فيه  كل زميل من زملائه ليصبح رجلًا، ويتطلعون جميعًا الى أسباب القوة، نجد «أبو الشرف» الكسول يُعرض عن هذه الااهتمامات، ويضع نصب عينيه أن يتجنب العراك مع زملائه، ولكن دون جدوى فى هذه السن الحرجة، فاتجه إلى حفظ القرآن، ولا عجب في ذلك، فهو نشاط الطيبين حيث يمكنه أن يختبئ ويبرر عدم مبادلة الآخرين العنف، ويتخلص من السمعة السيئة، وقد حقق ما يريد، وعرف أن ذلك سيكون أحد أساليبه في المستقبل.

حاول «أبو الشرف» التقرب من الأساتذة في المدرسة حتى يحتمي بهم من مضايقات الزملاء، وهو ما أثر في نفسه إلى أن جاوز الأربعين، وظل يتلصص على أسماء زوجات وأمهات زملائه الموجودة في المستندات التي  تقع تحت يديه، فقد كانت تلك الوصمة أسوأ عنده من الحقيقة ذاتها، إلا أنه كان سعيدًا لأن الألقاب لم تمتد إلى أبيه.

الجمعية التعاونية

وتوسم فيه الأستاذ  محمد حنفى مساعد المدير حُسن الخُلق، وأقترح عليه أن يلتحق بالشرطة المدرسية، وفرح «أبو الشرف» بهذا التكليف، وسرعان ما ارتدى الشارة الحمراء، ولكن زملاءه تهكموا عليه ووصفوه بـ (الكلب البوليسي) وبعضهم سماه (المخبر) فذهب الى الأستاذ مرة أخرى يطلب منه مكانًا بلا مشاكل، وكان في ذلك الوقت ما يُسمى بـ(الجمعية التعاونية) داخل المدرسة وهي المعروفة لاحقًا بالكانتين

ولم يتردد الأستاذ محمد حنفي في إلحاقه بهذا المكان، ولم يمر سوى أسبوعين حتى ظهر عجزٌ مالي في حساب الجمعية، وتأكد الأستاذ من أن «أبو الشرف» مختلس، وكان على وشك الخروج معاش، فقرر إبعاده عن الجمعية، وأوصى المساعد اللاحق عليه بعدم الااستعانة به بعد ضبطه في نهاية اليوم ومعه أموال الجمعية، وربما يكشف لنا هذا ما سيصل إليه «أبو الشرف» مستقبلًا من إتقان السرقة، حتى أنه سرق دفتر الحضور والاانصراف من جهة عمله بعد أن كبر وحصل على وظيفة.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية