رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد عبد الرحمن يكتب: المرجفون وأبرهة الحبشي ( 1 )

د. أحمد عبد الرحمن
د. أحمد عبد الرحمن

لا تكاد مصر تخطو خطوة لحفظ وجودها والإبقاء على كيانها حتى يخرج علينا نفر من الجهلاء أو المرجفون فى المدينة، يثيرون الشبهات ويفتشون فى جيوبهم الملعونة بغرض إثناء مصر عن طريقها الذى رسمته، أو التشويش على قرارها الذى قطعته، أو بهدف إضعاف معنوياتها تارة بمحاولة توهين عزم جيشها، وأخرى بمحاولة فض الشعب عن قيادته وجيشه العظيم.


منذ سنين وقتما كانت الحرب ضروسا بين مصر وجماعات الإرهاب، خرج علينا محدثهم بتضعيف حديث "خير أجناد الأرض"؛ مايعنى إسقاط هيبة جيشنا العظيم من قلوب الشعب واجتراء جماعات الإرهاب على قتاله بعدما نزع محدثهم المشئوم الخيرية عن جند مصر، وقد تصدينا لهم يومها وألجمناهم وفضحنا نواياهم وخططهم الخبيثة، ولايزال الجيش يزداد قوة ولا يزال الشعب يزداد بجيشه ارتباطا وحبا، ولا يزال الارهاب ودعاته فى اندحار وانكسار ولله الحمد رب العالمين.

واليوم يطلون علينا بوجههم القبيح، وكلامهم السقط وقد أرسلت مصر قواتها إلى السودان لإجراء تدريبات مشتركة باسم "حماة النيل"، وفى ذلك بالغ الإشارة إلى سد النهضة فى إثيوبيا، فلما رأى هؤلاء المرجفون ذلك خرجوا علينا بحديث يقولون فيه:
 "اتركوا الحبشة ما تركوكم"..

والحديث الثاني: حديث "إن أثيوبيا أرض مباركة، ملوكها خيار، وشعبها مضياف، لا تؤذوا الحبشة، فهى نار راقدة، تحرق من يمسها، الحبشة بلد مبارك حر".

فهل لهذين الحديثين أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل معناهما النهى عن مقاتلة الأحباش كما يروج المرجفون فى المدينة والذين فى قلوبهم مرض ؟!

الجواب:
أما الحديث الأول فقد أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: “اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة” أخرجه الأسيوطي في الجامع الصغير ورمز إليه بالصحة.

وقال شارحه المناوي في شرحه "فيض القدير":
"رمز المصنف إليه بصحته اغترارا بتصحيح الحاكم وهو وهم، فقد أعله الحافظ عبد الحق بأن فيه زهير أبن محمد شيخ أبي داود وكان سيء الحفظ لا يحتج بحديثه".

‏وأخرج النسائي في كتاب الجهاد ‏عن‏ ‏رجل من‏ ‏المحررين‏ ‏عن‏ ‏رجل‏ ‏من‏ ‏أصحاب النبي ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏قال:  ‏

‏"لما أمر النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏بحفر ‏الخندق ‏عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر فقام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏وأخذ‏ ‏المعول ‏ووضع رداءه ناحية ‏ ‏الخندق‏ ‏وقال‏ ‏تمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ‏‏فندر ‏ثلث الحجر ........".. إلى أن قال: "ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن ‏ ‏الحبشة،‏ ‏وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم، ‏ ‏عند ذلك دعوا‏ ‏الحبشة‏ ‏ما ودعوكم واتركوا‏ ‏الترك‏ ‏ما تركوكم".

قال شارحه العلامة السندي في قوله دعوا الحبشة إلى آخره:
"أي اتركوا الحبشة والترك ما داموا تاركين لكم، وذلك لأن بلاد الحبشة وعرة وبين المسلمين وبينهم مفاوز وقفار وبحار فلم يكلف المسلمين بدخول ديارهم لكثرة التعب،......، وأما إذا دخلوا بلاد الإسلام، والعياذ بالله، فلا يباح ترك القتال كما يدل عليه ما ودعوكم".

قلت: فإذا لم يدعونا وحاربونا قاتلناهم دفاعا عن النغس وتحقيقا للمصلحة ودرءا لمفسدتهم.

وفى موقع الدرر السنية:
والحبشةُ: جِنسٌ مِن السُّودانِ، .... ، أي: لا تُقاتِلوهم ما لم يُقاتِلوكم.

وقيل: إنَّما النَّهيُ عن قِتالِ الحبشةِ: لأنَّ بلادَ الحبَشةِ وَعْرةٌ، وبينَها وبينَ بلادِ المسلِمين مَفاوِزُ وصِعابٌ؛ فلم يُكلِّفِ المسلِمين بدُخول ديارِهِم؛ لِكَثرةِ التَّعبِ، .......... وأمَّا إذا دخَل الأحباشُ أو التُّركُ بلادَ الإسلامِ، فلا يُباحُ تَرْكُ قِتالِهم.

وجاء فى موقع "إسلام ويب":
الحديث بلفظ: اتركوا الحبشة ما تركوكم. حسنه الألباني بطرقه كما في "السلسلة الصحيحة" (772).

 وقد رُوي عن أربعة من الصحابة، وهم: "عبد الله بن عمرو ، أبو هريرة ، عمرو بن عوف المزني ، رجل من الصحابة لم يسم".

قلت:
لا يعتد بتحسين الألبانى للحديث، وقد ضعفه من هو أعلم بالتصحيح والتضعيف منه، ومنهم أئمة من السلف منهم المناوى وغيره ممن يأتى ذكرهم.

حتى لو وافقنا الألبانى على تحسينه ونحن لانوافقه، فترك قتالهم منوط بعدم قتالهم لنا كما نص الحديث على ذلك، فإن حاربونا حاربناهم وإن قاتلونا قاتلناهم، وهل ثمة حرب فى زماننا أخطر من حرب المياه وهى شريان الحياة ؟!

وجاء فى موقع "الإسلام سؤال وجواب":

روى أبو داود (4302) والنسائي (3176) والبيهقي (19068) عَنْ رَجُلٍ مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ).

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10389) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

ورواه أيضا (882) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره.

وبوب له أبو داود: "باب في النهى عن تهييج الترك والحبشة".

وهذا الحديث فيه الأمر بتركهم مدة تركهم، أي: اتركوهم ما داموا تاركين لكم، وإذا اعتدوا عليكم فالدفاع أمر مطلوب، قال بعض أهل العلم: إن هذا مخصص للنصوص الدالة على قتال الكفار مطلقاً؛ وذلك لشدة بأسهم وقوتهم وحقدهم الشديد على المسلمين.

"شرح سنن أبي داود".ـ  عبد المحسن العباد (25 /65).

وقال السندي رحمه الله:
"أَيْ اُتْرُكُوا الْحَبَشَة وَالتُّرْك مَا دَامُوا تَارِكِينَ لَكُمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ بِلَاد الْحَبَشَة وَعِرَة وَبَيْن الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنهمْ مَفَاوِز وَقِفَار وَبِحَار، فَلَمْ يُكَلِّف الْمُسْلِمِينَ بِدُخُولِ دِيَارهمْ لِكَثْرَةِ التَّعَب.

وَأَمَّا التُّرْك فَبَأْسهمْ شَدِيد وَبِلَادهمْ بَارِدَة، وَالْعَرَب وَهُمْ جُنْد الْإِسْلَام كَانُوا مِنْ الْبِلَاد الْحَارَّة، فَلَمْ يُكَلِّفهُمْ دُخُول بِلَادهمْ، وَأَمَّا إِذَا دَخَلُوا بِلاد الإِسْلَام وَالْعِيَاذ بِاَللَّهِ، فَلا يُبَاح تَرْك الْقِتَال كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ (مَا وَدعُوكُمْ)" انتهى.
الجريدة الرسمية