رئيس التحرير
عصام كامل

حمو بيكا والنقد الأسود!

لم أتعجب من ردود الأفعال والسخرية التي ارتبطت بتصريح "حمو بيكا"، بخصوص غضب الأطباء والمهندسين من نجاحه وثرائه، وأنه كان ينبغي عليهم أن يجتهدون أكثر حتى يصبحو مثله، ومع هذا الكم الهائل من التعليقات الرافضة لهذا التصريح والذي لا أعلم مدى صحته، وخاصة من بعض الأطباء، تذكرت واقعة اقتراح التأهيل العلمي للصيادلة حتى يصبحون أطباء بشريين، وما ارتبط به من تعليقات جارحة ومهينة للصيادلة من بعض الأطباء، أو من يعتقدون أنهم حقا أطباء!


حمو بيكا والعنصرية
ودون الوقوف عند تعليقات الكثير من أشخاص كان من المفترض أن يكونوا أكثر وعيا وثقافة وفهما لتصريح "حمو بيكا"، والذي لا أرى فيه أي غضاضة من وجهة نظري التي تحتمل الخطأ، لكنه كان من الحكمة محاولة فهم المقصود من هذا التصريح، وربطه بطبيعة شخصية صاحبه، قبل الانسياق في تعليقات تفتقد المعني والمحتوى وتثير انقسامات مجتمعية، لا حاجة لها، حيث الكثير من الشباب ليسوا من خريجي الجامعات!

وأرى من وجهة نظري أن السبب وراء كل هذا الغضب والسخرية وردود الأفعال غير المنضبطة، هو العنصرية المهنية المتأصلة في مجتمعنا، و حتي لا يتحول المقال إلي هجوم عام، سأتحدث فقط عن العنصرية المهنية عند بعض الأطباء حتي أكون منصفا وإن كانو كثرة، حيث يرى الطبيب من هؤلاء نفسه فوق الجميع منذ إعلان نتيجة التنسيق بعد الثانوية العامة وقبل أن يلتحق بالدراسة في الكلية.

والحقيقة هذا الفكر ظلامي جاهل، نتاج مجتمع يتحكم في الكثير من أركانه العنصرية والتعالي والزهو بالنفس وكلها علامات مرض وجهل مزمن، وأصبح نتيجة هذا المرض العضال، أن المدرس أصبح يشعر بانعدام قيمته، ومن ثم يتسبب في تخريج أجيال في غاية الجهل، ومنهم أطباء، حيث أصبح القدرة علي تحصيل درجات في الامتحانات هي المقياس، بغض النظر عن المحتوي العلمي بعد التخرج، وبالقياس على ذلك أصبح السواد الأعظم من أصحاب المهن المختلفة!

معايير التفوق
والنتيجة الحتمية لهذا العبث المجتمعي، أصبحنا نعيش في مجتمع مشوهًا حرفيا، ولا عجب آن أقول بمليء الفم أني أعرف زملاء أطباء بيطريين تُقدم نفسها علي إنها صيادلة، وأخصائيين علاج طبيعي تُقدم نفسها علي إنها أطباء، وخريجي علوم وزراعة يُقدمون أنفسهم أطباء ومهندسين! آنها حقا مهزلة بمعني الكلمة!

لن أطيل في إصلاح مفاهيم عند عقول أصبحت فارغة، ولكن يمكن لأي شخص يريد الإطلاع علي الواقع ان يذهب إلي جوجل ويبحث كيف يري العالم معايير التفوق، وكذلك كيف يتم الالتحاق بدراسة الطب في أي مجتمع سوي متطور راقي، وهل طالب الطب أو الطبيب هو نمبر١، أم أن هذه خيالات لا توجد سوي في نفوس مريضة!

سوف تجد أطفالا تتحدث عن رغبتها في أن يصبح أحدهم مدرس أو محامي أو طبيب أطفال أو طبيب حيوانًات أو ممرض أو ممرضة أو مهندس أو مغني راب "مثل حمو بيكا"، بدون أي عوائق يحكمها الجهل وغياب المعرفة الحقيقية، أو تفكير في شيء غير موجود سوي في عقول فارغة حرفيا!

النقد الأسود
الخلاصة: نموذج "حمو بيكا" وغيره، ليس اختراعا مصريا، ولكنه واقع يوجد في كل أنحاء العالم، بل وفي أكثر البلدان تطور ونمو، ومن يشتهر مثل "حمو بيكا"، يعتبر من النوابغ في مهنته، ويتقاضي أجورًا باهظة و يمتلك سيارات فارهة!

عزيزي الطبيب و المهندس وأنا منكم: إذا وجدت تصريح حمو بيكا صادما أو مؤلما لك، فعليك أن تقف مع نفسك و تصارحها أنك في ذيل قائمة مهنتك، وتحتاج الكثير حتي تصبح مثل "حمو بيكا"، وسخريتك الجاهلة له هي تعبير حقيقي عن جهل وحقد وسواد، استغلو الفراغ الكبير الموجود بداخلك، وأصبحوا له شاغلين بدلا من النجاح والشهرة والثراء، والحقيقة الدامغة أن كل مهنة يوجد بها أشخاص تمتلك الشهرة الكبيرة جدا، والنجاح والتميز والثراء، وتمتلك أفخم السيارات وتسكن في أعظم المنازل وأرقي المدن، بينهم الطبيب والمهندس والمحامي وغيرهم!

أنا لا أدافع عن شخص حمو بيكا أو ما يفعله، ولكني أحمل كراهية للعنصرية والنقد الأسود لمجرد إثبات أنك الأفضل!
ولكل من يجد غضاضة في مقالي هذا، أقول له راجع نفسك وحقك مش عليا!
الجريدة الرسمية