رئيس التحرير
عصام كامل

العلاقة بين أمراء الجماعات الإسلامية وأفرادها.. بين الثقة والانقياد الأعمى

قادة الجماعات.. باعوا
قادة الجماعات.. باعوا الوهم للشباب
الناظر فى العلاقة بين قادة الجماعات الدينية وبين أفرادها يجدها تقوم على مبدأين اثنين:
الأول: الثقة التامة فى القيادة:
الثاني: إنكار الفرد لنفسه أمام أميره:

 فهو يراه دائما أعلم وأفهم وأحكم وأتقى، فلا يحتمل منه الخطأ، وكل ما يبدو من خطأ فلابد له عند الأمير دليل وتبرير..

ومن تلك القاعدة، يسلم الفرد روحه وقلبه وعقله وكافة جوارحه تحت تصرف الأمير، الذى يراه حريصا على مصلحته ومصلحة الإسلام، خبيرا بالأهداف وبالوسائل والأساليب.

 ولقد اجتهدت القيادات فى غرس هذه المعانى فى نفوس الأفراد؛ ثقة بلاشك، طاعة بلاتردد، استجابة بلا مناقشة، كما أقنعوهم بأن ذلك هو طريق النصر والتمكين..
فمثلا نجد:
1 - حسن البنا يقول فى أفراده: يوم أن يكون منكم ثلاثمائة كتيبة، طالبونى أن أغزو بكم العالم، وأخوض بكم لجج البحار، وإنى فاعل إن شاء الله".

2 - يصدر شكرى مصطفى وجماعته بيانا، تحت عنوان: "من سيركع أولا؟".. وشكل جناحا عسكريا أسماه "الكتيبة الخضراء"، ليعلن بها الحرب ضد الأعداء من الكفار والمرتدين، بل ويتهدد القاضى الذى كان يحاكمه بالذبح ويؤكد لأتباعه أن الدولة لن تتمكن من إعدامه ولا قتله.. لأنه المهدى المخلص والمهدى لا يقتل ولا يهزم..

3 - لا ننسى تصريحات أحد الأمراء فى التسعينات يقول: "إن لنا فى كل دولة جيشا.. وفى كل جيش كتيبة وفى كل كتيبه سرية.. وفى كل سرية قيادة وجنودا .."!!

4 - فى مرة من المرات.. نزلت إحدى المؤسسات الاعلامية إلى منطقة إمبابة فى التسعينات.. وقت أن كانت الجماعات الإسلامية فى أقوى حالاتها.. وقابلت الأمير الشاب ليقول لها: "نحن فى  إمبابة لا يدخل أحد ولا يخرج إلا بإذننا، ونحن نفعل ما نشاء.. ولاتستطيع الشرطة دخول المنطقة إلا بعد موافقتنا.. ونشرت التصريحات فى الداخل والخارج، تحت عنوان "جمهورية إمبابة".

5 - سأل أحد الأمراء طالبا عن مراحل دراسته، فأجابه الطالب قائلا: أنا بالفرقة الثانية بالكلية، فتبسم له الأمير قائلا: "ياااااااااااااااه، 3 سنين دراسة أمامك ؟! تكون الخلافة الإسلامية قد قامت، وأنت لازلت تدرس بالكلية ؟؟!! الحق بإخوانك؛ لايفوتك ركب الدعاة والمجاهدين.

6 - لايزال يدوى فى أسماعنا صوت أحد الأمراء، وهو يقسم لأفراده قائلا: "أقسم بالله إن لنا قواعد عسكرية فى خمس قارات فى العالم.. و كل ما ترونه من عمليات قتل واغتيال..  إنما هى محرد مناوشات بسيطة وإن الجناح العسكرى لجماعتكم لم يتدخل بعد، إنه يراقب الأحداث عن كثب.. وسيتدخل فى الوقت المناسب..".

7 - فى الجزائر يعلن عنتر الزوابرى، وأبوعبدالرحمن، أمين قيام الخلافة الإسلامية، ويدعون الشعب الجزائرى للدخول فى طاعتها فهى على وشك الانتصار وستزحف على فرنسا الصليبية لتطهرها وترفع فوقها لواء الخلافة.

-  كل هذه التصريحات لم ولن تنتهي، فهذا بن لادن والظواهرى أسسا الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى.. وأعلنا الحرب على كافة الدول؛ مسلمها وكافرها وتوالت تفجيراتهم كل مكان.

وهذه تصريحات الميادين.. تقول للشباب: "إن مئات الآلاف مرابطون بالشقق فى القاهرة وغيرها.. ينتظرون ساعة الصفر.. وعشرات الآلاف من الانتحاريين مستعدون يلبسون الأحزمة الناسفة.. وقادرون على تحويل مصر إلى جحيم.

سيحتلون المطار.. ويقطعون المحور.. و"اللى يرشهم بالمية هايرشوه بالدم".. و"يوم الجمعة العصر.. مرسي راجع القصر"، ويقسم أحد قادتهم على ذلك.. وأن من أنكر عودته ورجوعه.. إنما يشك فى قدرة الله.. إن الرئيس سيرجع.. واحنا عارفين هانرجعه إزاى".. هكذا قالوا وصرحوا للشباب فى الميادين، وفى المنتديات وفى البيانات.

واستمع الشباب إلى هذه التصريحات من مبدئها إلى منتهاها وظنوها حقيقة.. واعتقدوا أن القادة قادرون على تحويلها إلى واقع، وبات الشاب البريء يحلم بأمنياته.. أن ترفع راية الخلافة، ويعم الأمن، وتسير المرأة لاتخاف على نفسها ولاعرضها، ويعم الخير والصلاح، وها هى الأمنيات تلوح أمامه ليس بينه وبينها إلا خطوات، فهو بين حسنيين نصر قريب أو موت الشهيد،  ولا يفصل بينه وبين الشهادة إلا تفجير أو تفجيران.. وقادته قادرون على ذلك وأكثر  وطالت المدة وطال الانتظار، وتوالت المحن على الشباب، وزاد السجن والموت.

وإذا بالآمال تتلاشى، وليل الأحلام ينتهى بكابوس، فلا أحلامهم تحققت، ولاهم بلغوا الأمانى، ولا أبقوا على أنفسهم وأوطانهم، ولا نصروا إسلامهم.. وهاهم يرون قوافل الموت تترى كل يوم، والتفت الكثير منهم يسألون القادة أين ما وعدتم من قدرتكم على الحسم والنصر ؟! أين القوات التى زعمتم ؟! أين التصريحات التى أعلنتم ؟!

يقول أحد الشباب: "كنت أجلس مع الأمير فلان فيشعرنى أن الجيوش منتشرة فى أماكنها، وإن الإخوة قادرون على احتلال القاهرة فى ساعات، فلما وقعت المحنة علمت أنه لا شيء مجرد كلام.

أما لو طال العمر بهؤلاء الشباب الأبرياء واجتمعوا بكبار الأمراء.. واستمعوا إلى بعضهم يقولون عن أنفسهم في لحظة صراحة وبوضوح.. "احنا كنا حمير.. كل اللى عملناه كان غلط فى غلط"، وأحسن هؤلاء الأمراء من يقول: "قدمنا خيرا كثيرا وطاعة كثيرة، وكانت عندنا أخطاء وهانحن نعالجها".. ثم يبدأ الأمير يعدد الحسنات فإذا معظمها أكل وشرب وخدمات اجتماعية، أما الأخطاء فكلها تتعلق بالدم والقتل والتدمير، فتراه قد أطعم فقيرا أو كسا عريانا، وتراه أيضا قتل بريئا وفجر مؤسسة وأحرق مركبة، وكفر مسلما، ويتم أطفالا، فليت شعري هل هذه أخطاء أم خطايا ؟! مخالفات صغار أم جرائم كبار ؟!

ساعتها يقف الشباب على الحقيقه ناصعة؛ "أن الأمراء ليسوا أعلم ولا أحكم ولا أفهم ولا أتقى ولا أحرص على الأفراد والدين، وإنما كانت الدعوات دعايات ودعاوى.. إنهم باعوا للشباب الوهم، ذلك عندما أقنعوهم بأنهم قادرون فاهمون عارفون صالحون مجاهدون متقون، ألا إنهم هم الكاذبون.

---------------------------------

الدكتور أحمد عبد الرحمن، مفكر، وكاتب إسلامي
الجريدة الرسمية