رئيس التحرير
عصام كامل

التوت والنبوت.. واقعٌ أم خيال؟

أنصح من كان مديرًا أو قائدًا أن  يكسر باب مكتبه، لا أن يفتحه فقط، فيَدخُل عليه المخلصون ليَعرِضوا مشكلات العمل، وأفكارهم وملاحظاتهم دون رقابة من الحاشية التي تحجبه عن المحترمين والمخلصين الذين يحبونه ويحبون الهيئة أو المؤسسة أو الوزارة التي يعملون بها.


ويعكس هذه الفكرة أحد قامات الأدب العربي، الأديب نجيب محفوظ، ولديه قدرة خارقة في عرض خيال الواقع أو واقع الخيال، ومن بين أعماله الفريدة رواية الحرافيش التي تَحَوَل جزءٌ منها إلى فيلم "التوت والنبوت"، وهي قصة حواري القاهرة القديمة وأزقتها.

النائب العام يُجدد للنيابة العامة شبابها

وتدور أحداث الفيلم في القاهرة القديمة فترة عصر الفتوات حول الفتوة الظالم حسونة السبع، صاحب السُلطة الذي يؤدي دوره الفنان القدير حمدي غيث، ومن حوله حلفاؤه، وهم هنا رمز السلطة المستبدة ضد أبناء المنطقة الذين يزينون له أعماله القبيحة، فيفرض الإتاوات ويذل أهل الحي

يضطهد الفتوة حسونة السبع أسرة عاشور الناجي الذي يؤدي دوره الفنان القدير عزت العلايلي ويجبره على تطليق زوجته عزيزة رضوان التي أدت دورها الفنانة "تيسير فهمي" ثم يحاول إجبار والدها والمأذون بتزويجها غصباً وقبل أنتهاء العدة الشرعية.

ومن بين أبطال الفيلم "ضيا الناجي" الشاب المستهتر الذي يسعى وراء المال، والذي أدى دوره بعبقرية الفنان محمود الجندي، وهو لم يصل إلى درجة وسن هؤلاء الحلفاء، ولأنه إختار التنازل، فقد قرر أن يستظل بعباءة الفتوة الظالم حسونة السبع، صاحب السُلطة.

ومن المهم أن نوضح أن أديبنا نجيب محفوظ جعل "ضيا الناجي" أحد ثلاثة أشقاء، انشغل أحدهم عن واقعه بجمع المال، والثاني قرر المقاومة حتى سالت دماؤه من بطش الفتوة، وكاد أن يُنفى من الحي الذي يعيش فيه، وتعرض للموت، دفاعًا عن كرامته وماضي أسرته، وأنتقامًا لأمه التي صفعها الفتوة على وجهها، بل وأمرها أن تصفع ابنها الثائر على وجهه أمام رجاله وأبناء الحي

أين حق الشهيد ياسر عصر؟

أما "ضيا الناجي" فقد ذهب إلى الفتوة ليسترضيه، ناسيًا تاريخ عائلته، ومتناسيًا الصفعة على وجه أمه، وقرر أن يرتمي تحت قدمي الفتوة حسونة السبع، وكان الشرط الذي لا يقبله إلا من اختار لنفسه الذل والهوان، طلب منه أن يرقص "للرجالة"، وقبل أن يُبادر للاستجابة رد "ضيا": وأرقص للحريم كمان!
 
والفكرة التي يطرحها "محفوظ" أن الأشقاء الثلاثة من عائلة واحدة، لكن لكل منهم عالمه الخاص، وهي حقيقة متكررة دومًا، ويمكن تكرارها بصورٍ مختلفة، فالأم قد تكون البيت أو الشركة أو الدولة التي ننتمي اليها، فيراها "ضيا" تحترق فلا يهتم الا بأن يجلس تحت قدمي الفتوة، وأخوه يرتضي الشقاء وفاءً منه وأنتماءً لأمه أو بيته أو شركته أو بلده، ولكل واحد الخيار بين أن يكون ذا نخوة وكرامة، أو أن "يرقص للرجالة"
 
وبعد أن رقص "ضيا" للرجالة، وصار أضحوكة الحرافيش ومن قبلهم حسونة ورجاله، تتغير أطراف المعادلة لينتصر الخير على الشر، وهذا دأب الروايات، أما واقعنا المرير فيظهر فيه "أشباه ضيا" وهو يتودد للجيل الرابع من المديرين القادمين، فهذا التافه وأقرانه يحفظون طابور الأقدمية عن ظهر قلب، ويجعلونه نصب أعينهم عند كل حركة
 
رئيس نظافة وتجميل القاهرة.. ومنظومة «تيتانيك»

ومِن بين المديرين في المؤسسات والجهات المختلفة، مَن يُقرِب أمثال "ضيا" ويتعنت ضد المحترمين الذين شاب شعرهم في خدمة جهة عملهم، ولعل "التوت والنبوت" يسبب ألمًا نفسيًا لدى من يفهم مغزى الرواية التي يُجسدها الفيلم، وأن الخيانة تمتد من خيانة الأم وحتى خيانة الوطن، والموضوع ليس مجرد قصة، بل هي قضية،  فهل وفقت الدراما المصرية في عرض هذه القضية؟ .. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية