رئيس التحرير
عصام كامل

"الاختيار" مسلسل ناجح.. ولكن!

الدول تتقدم بالعقلية النقدية، نعم.. بدون النقد والمراجعة والتقييم والتقويم لا تتقدم الدول، لو اقتنعت البشرية بأن ما وصلت إليه هو الأفضل وليس هناك أفضل منه، لتوقفت الحياة عن التقدم وتجمدت حياتنا.

 

أؤمن تماما أنه بدون عقلية نقدية واعية فلن نتقدم خطوة للأمام، وسنظل أسرى واقع مؤلم وتاريخ لا ندرك العبر التي يجب أن نستخلصها منه.

 

"الاختيار" مسلسل نجح نجاحا كبيرا، التف الناس حول الشاشات من أجل متابعته، وانهمرت الدموع كالفيضان وتألمت القلوب بل وصرخت من شدة الوجع، الجميع لعن الإرهاب والتكفيريين والإخوان المجرمين، وكلنا شعرنا بأبناء الشهداء..

 

شعرنا باللمسة الإنسانية التي يقدمها كل عيد الرئيس السيسي عندما يقضي يوم العيد مع أسروأبناء الشهداء، كل هذا يرسم لوحة بديعة راقية ترفع من وعي المواطن ليدرك أن الاختيار دائما للوطن والدفاع عن ترابه حتى ولو بالحياة.. ولكن وماذا بعد؟

 

اقرأ ايضا: سد النهضة.. وكورونا.. والغرب متفرجا!

 

قرأت أن هناك اتجاها لأن يكون هناك "الاختيار 2" جميل ولكن كيف؟ كنت أتمنى من القائمين على العمل بشتى عناصره أن يقيموا دائرة مستديرة مغلقة وتوجيه الدعوة لمن له ملاحظات أو اعتراضات فنية على المسلسل ويقدم مقترحاته، وليس هذا فقط بل كنت أتمنى العودة لدراسة كيف تعاملت السينما العالمية مع الحرب العالمية الثانية؟

 

ما جاء فى "الاختيار" ممكن أن يقدم فى عشرة أفلام على الأقل، ليس هذا هو الهدف من كلامي، أريد رؤية نقدية شاملة  نقدم بها "الاختيار 2" لاستغلال الحالة الإيجابية التي خلفها المسلسل.

 

هل الاختيار فقط لشهداء الإرهاب؟ لماذا لايكون الاختيار عن أبطال مازالوا على قيد الحياة؟ مثل البطل اللواء محيي نوح فيكفي معركة واحدة لتكون مُلهمة ومؤثرة، اللواء عبدالحميد خليفة بطل معركة السبت الحزين، والذي عاش خلف خطوط العدو ستة أشهر بعد حرب أكتوبر، اللواء صاعقة معتز الشرقاوي الأسطورة المصرية ،البطل الربان نبيل عبدالوهاب والبطل عمرعزالدين..

 

اقرأ ايضا: المنسى وعمرو طلبة شهداء فوق العادة!

 

يوجد عشرات بل ومئات من الأبطال الذين لايزالون على قيد الحياة ، وتأثير هؤلاء سيكون هائلا، فمثلا عندما قدمت السينما "ناصر 56" وبالرغم من أنه عن موقف تاريخي مر عليه سنوات إلا أنه أشعل القلوب والصدور بالإحساس بالفخر والانتماء إلى تراب الوطن،وحقق إيرادات عالية في السينما المصرية..

 

الاختيار لابد أن يرتبط بقدر العطاء إلى مصر، الاختيار يمكن أن يكون مجدى يعقوب في السنوات العشر الأخيرة، الاختيار يمكن أن يكون سعد الدين الشاذلي ودوره العظيم في حربي الاستنزاف وأكتوبر، الاختيار يمكن أن يكون المشير الجمسي، أوالمشير أحمد إسماعيل وغيرهما كُثر، ومؤكد هناك أبطال في كل المجالات لا نعرفهم ولكن يجب أن يقدموا كقدوة للشباب..

 

الاختيار لابد يكون أكبر بكثير من استشهاد بطل أسطوري، لأن خلق قدوة في كل مكان وفى كل موقع هو أيضا أحد الأعمدة القوية للدولة المصرية وللمستقبل، مثلما يجب أن يكون البطل العسكرى قدوة، وضابط الشرطة قدوة، والطبيب القدوة، المهندس القدوة، المدرس القدوة، المحامي القدوة ....إلخ فبكل هؤلاء تتقدم الأمم وتكبر.

 

اقرأ ايضا: تعظيم سلام.. لأطباء مصر

 

أذكر فيلما حصل على عدة جوائز أوسكار كانت فكرته بسيطة ومؤثرة جدًا، اثنين من الجنود الأسرى في سجون النازية استطاعا الهروب من السجن، ووصلا إلى شاطىء البحر واعترفا لأحد الصيادين بالحقيقة وطلبا منه أن يوصلهما إلى بلدهم فوافق الصياد بشرط الاختباء فى قاع المركب عند المرورعلى سفن تفتش البحر والقبض على الهاربين..

 

بعد ان انطلق الصياد في البحر اكتشف أن أحدهما مريض ويكح، فطلب منه عدم إصدار أي صوت عند نقاط التفتيش وإلا فإنه سيتم القبض على الجميع! وكتم المريض أنفاسه حتى لا يفتضح أمرهم كلما مروا على نقطة تفتيش، ووصل المركب إلى الشاطىء ونادى الصياد عليهما فلم يردا، فقد وضعا في فمهما فوطة وفضلا الموت عن العودة إلى السجن، فضلا الموت في وطنهما عن الحياة في سجون العدو، إنه الارتباط بالتراب الوطني.. الفيلم شاهدته منذ ما يقرب من أربعين سنة فى برنامج "نادى السينما" في التليفزيون .

 

لقطة صغيرة معبرة ساحرة هذا هو الإبداع ،وهناك أفلام عديدة عن الحرب العالمية الأولى والثانية معبرة ومؤثرة أيضا، الهدف من الاختيار الذي قدم أوالذي سيقدم ليس إطلاقا جعل الدموع تصبح فيضانا، إنما الهدف هو إيقاظ الوعي والانتماء وخلق أجيال قادرة لقيادة مصر إلى مكانتها العالمية التي تستحقها مثلما كانت من أول التاريخ. علما بأن مثل هذه الأفلام تحصد الجوائز الفنية العالمية وهي فرصة أيضا لفرض أنفسنا على السينما العالمية واستعادة قوتنا الناعمة.

 

اقرأ ايضا: حرب المصريين للكورونا.. والصندوق الأسود فى الصين!

 

والشيء بالشيء يذكر عندما قرر السادات اعتقال كل المعارضين فى سبتمبر 1981 كان من ضمن هؤلاء الدكتورة عواطف عبدالرحمن، وبالصدفة كانت في أوروبا، فقررت العودة، وفي باريس اجتمع المصريون والعرب من اصدقائها يطلبون عدم عودتها لان السجن في انتظارها، فقالت : السجن فى بلدى أفضل من أن اعيش فى اوروبا هاربة! فعادت الى أرض الوطن وقبض عليها فى المطار وسجنت ولكنها كانت راضية تماما بأن سجن بلدها أحن عليها من اوروبا مهما كان! وللحديث بقية.

تحيا مصر أول دولة فى التاريخ.. تحيا مصر بدماء أبنائها في شق قناة السويس.. وتحيا مصر بدماء الشهداء الذين دفعوا حياتهم لنعيش نحن .

الجريدة الرسمية