رئيس التحرير
عصام كامل

لا مَناص من الحظر الكلي

خصت منظمة الصحة العالمية أمس الشعب المصري برسالة "ضرورة زيادة الالتزام على المستوى المجتمعي بالإجراءات الاحترازية خصوصا في الأماكن العامة" لمنع تفشي الفيروس المستجد، مشيرة إلى أن "كورونا" فيروسات "محيرة للغاية ومتحولة ومن الصعب إنتاج مضادات لها حاليا".

 

كما طالبت الحكومة المصرية بزيادة نسبة الفحوصات الخاصة بالفيروس، ومتابعة الحالات المصابة للحد من ارتفاع نسبة الوفيات، وضرورة حماية كبار السن نظرا لأنهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض.

 

تأتي تحذيرات وتعليمات "الصحة العالمية" لوزارة الصحة المصرية، بعد أن راجت في منصات "السوشيال ميديا" مقاطع فيديو لعاملين بمستشفيات حكومية يشكو أصحابها من تعنت الوزارة، ورفضها إخضاعهم لفحص الفيروس، رغم تعدد الإصابات بين أعضاء الجيش الأبيض، وبعد أن كانت حالات فردية باتت إصابات الأطباء والتمريض بالعشرات، بينهم 35 في مستشفى الزهراء الجامعي وحدها.

 

اقرأ أيضا: أعيدوا المصريين ثم حاسبوا المسيئين

 

 وأوصت "الصحة العالمية" الدول التي تنوي فتح الاقتصاد وبينها مصر بـ "الحذر الشديد" من تفشي الجائحة، خصوصا بعد أن تجاوزت الإصابات المصرية المعلنة 10 آلاف إصابة، وبلغت الوفيات 544 ضحية، وسط استهتار واستهانة الشعب، وتكدس غير عادي في الطرق والمواصلات والأماكن العامة..

 

وزاد عليها نشر صور التجمعات وإهمال الإجراءات الوقائية، ومنها محمد نادي وهدان، شاب لم يكمل الثلاثين، نشر قبيل وفاته بالفيروس تحذيرا للمصريين من الاستهتار مثلما حدث معه، فهو لم يتبع الإجراءات الوقائية واستهان بالجائحة اعتمادا على قوة بنيانه وعضلاته المفتولة، فأصيب بالفيروس ونقله إلى أسرته.

 

وكتب محمد: "كلمتين أول ما قدرت كتبتهم، أنا بقالي أسبوع في العناية المركزة لأنه أصابني بمضاعفات كتير في جسمي، خصوصا الكلى والرئة، ياما اتقالي خليك في بيتك بلاش خروج وأنا ولا حياة لمن تنادي، لكني أحمد الله الواحد الأحد..

 

أرجوكم بلاش استهتار لأنه مرض مش سهل وقاتل وبيدمر كل حتة فيك، محدش بيموت من الجوع فمتغامرش بحياتك، المرض منتشر جدا في مصر".

 

وهناك مصرية أخرى أصرت على الإفطار عند والدتها المسنة، فأخذت زوجها وأولادها وأفطرت عندها بحضور أخيها وزوجته وأولاده، وكانت النتيجة إصابة الجميع إلا شخص واحد فقط، ووفاة الأم المسنة متأثرة بالفيروس، وحجز الأسرتين في المستشفى.

 

اقرأ أيضا: ارحموا مصر من الفضائح

 

نماذج الاستهتار المصري لا تعد ولا تحصى، ما ينم عن عدم وعي ويستوجب إجراءات أكثر تشددا وعقوبات مالية وحتى السجن للمخالفين، قبل أن تصبح مصر مثل أمريكا وإيطاليا.  

 

وفي وقت تتزايد فيه الإصابات والوفيات المصرية بشكل كبير، تنوي الحكومة التعايش مع الجائحة وفتح الإقتصاد بدلا من السعي لمحاصرة الوباء أولا، بينما تتشدد دول عربية أخرى، تعاني اقتصايا أكثر من مصر، في إجراءات مواجهة الفيروس مثل الأردن التي فرضت حظرا كليا على مدن بأكملها للحد من الاستهتار كما حدث في "إربد". وحين بلغ عدد الإصابات في المملكة كلها 540 إصابة فقط قبل يومين، أعلنت الحكومة عن فرض حظر كلي في الأردن خلال أيام العيد. كما أعلنت لبنان حظرا كليا اعتبارا من اليوم بعد زيادة الإصابات إلى 870 إصابة خشية الانتشار.

 

الحظر الشامل طبقته أيضا تونس، في مدن تعددت فيها الإصابات، ونجحت في محاصرة الفيروس، حتى أنها لم تسجل إصابات جديدة خلال الأيام الماضية.

 

وفي دول الخليج الثرية، واجهت السعودية الفيروس بحظر كلي في مدن عدة، منها مكة والمدينة المنورة وكذلك العاصمة الرياض، ثم أقرت الأيام الماضية عقوبات مالية كبيرة تبدأ من 10 آلاف ريال حتى 100 ألف ريال للتجمعات التي تزيد على 5 أفراد، وفي حال تكرار المخالفة يحال أصحابها إلى النيابة، على أن يطبق الحظر الكلي في المملكة طوال عطلة عيد الفطر.

 

أما الكويت، التي شددت من البداية الإجراءات الوقائية واختارتها "الصحة العالمية" الأولى في مواجهة الجائحة، فقد اضطرت إلى الانتقال من الحظر الجزئي البالغ 16 ساعة يوميا، إلى حظر كلي لمدة 21 يوما، بعد الزيادة الكبيرة في أعداد الإصابات يوميا، وهي في أغلبها من المخالطين بين الجنسيات المصرية والهندية والبنغالية، والنسبة الأقل بين المواطنين الكويتيين وبقية جنسيات المقيمين.

 

اقرأ أيضا: المؤامرة تتوسع والبشر ضحية

 

كان على حكومتنا أن تضع صحة الشعب في مقدمة أولوياتها، لا أن تعلن التعايش مع الوباء وفتح الاقتصاد، قبل السيطرة على المرض، وفي ظل الزيادة اليومية الكبيرة في الإصابات والوفيات، بات لا مناص من الحظر الكلي لمحاصرة الفيروس، قبل إعادة الحياة إلى طبيعتها، وهذا الطريق هو ما سلكته الصين في مواجهة الجائحة التي انتشرت منها إلى العالم.

 

وهذا تحديدا ما دعت إليه نقابة الأطباء نظرا لعدم الإلتزام المجتمعي، وطالبت بفرضه في الأيام الأخيرة من رمضان باعتبار أن ساعات العمل قليلة في الشهر الفضيل والإنتاجية ضعيفة.

 

نقابة الأطباء محقة تماما في الدعوة للحظر الكلي، ونزيد عليها بأن الأيام الأخيرة من رمضان تشهد تكالب المصريين على الأسواق لشراء احتياجات العيد، ما سيؤدي إلى زحام وتكدس أكبر ستكون نتيجته زيادة تفشي الوباء، فضلا عن أن أيام العيد ستشهد حتما تبادل زيارات وخروجا إلى المتنزهات وأماكن الترفيه العامة.

 

وهذا أيضا يؤدي لانتشار الفيروس بين المخالطين، لذا نتمنى على الحكومة فرض الحظر الكلي هذه الأيام وحتى نهاية عطلة عيد الفطر، لمحاصرة المرض ومنع انتشاره وبعدها تبدأ فتح الاقتصاد والتعايش مع "كورونا" وفق احترازات كما تشاء.

الجريدة الرسمية