رئيس التحرير
عصام كامل

إقتصاد العالم ما بعد الكورونا

لن تقتصر تأثيرات الكورونا علي القطاع الصحي وإنما ستمتد لموازين القوي الدولية والإقتصاد العالمي، وإحداثيات العولمة بشكلها التقليدي، ولعل الصين قد تكون الرابح الأكبر أما أهم الدول المتأثرة قد تكون الدولة العظمي مثل الولايات المتحدة، تلك القوي العسكرية التي تحمي الدولار..

اقرأ ايضا: الصراع المصري التركي إلى أين؟

صرح الرئيس ترامب ان تدخل الدولة ليس إستيلاء للدولة وليس أضعاف السوق الحرة وإنما حماية للسوق الحرة، في إشارة لإجراءات قاسية قد تتخذها الحكومة، ويشير الوضع الداخلي الأمريكي إلي إرتفاع طلبات إعانات البطالة إلي 3,2 مليون طلب في الإسبوع قبل الماضي، ويعد المتوسط 200 : 300 ألف طلب إسبوعي، وهو مؤشر خطير حيث إن أعلي رقم علي مدار عشرات السنوات هو ما حدث في أزمة 2008 حيث وصل الرقم الي 800 الف طلب.

اقرأ ايضا: "المعادلة الصفرية" النظرية الاقتصادية التي تؤرق الاستقرار العالمي

 

ان الخطر في إنهيار الإقتصاد الأمريكي إنه يرتبط بكل إقتصاديات الدول وفقا للنظام العالمي، وتعتبر قوة الدولار مدفوعة بالثقة في إقتصاد الولايات المتحدة وقدرتها علي إدارة الأزمات،  وحماية قيمته..

 

ففي نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمي وطبقا لإتفاق “بريتون وودز” التاريخي للإدارة النقدية لسعر الصرف عام 1944 أصبح بموجبه الدولار الأمريكي هو عملة الإحتياطيات النقدية للدول، وتم ربطه بسعر الذهب علي أن تلتزم الولايات المتحدة بإستبدال الدولار بالذهب عند الطلب..

 

اقرأ ايضا: السندات الخضراء ممول عالمي مستحدث للموازنة المصرية

 

وإستمر هذا الإطار حتي 1971 عندما صرح الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون” بوقف إستبدال الدولار بالذهب، والدولار الأمريكى يمثل أكثر من 60% من إحتياطيات الدول، وأكثر من 40% من التعاملات المالية عالميا يتم بالدولار، كما ان 85% من التجارة قائمة على الدولار وكذلك 39% من الديون أيضا، كما ان تجارة النفط والذهب تعتمد علي الدولار .

 

في تقرير لمجلة فورين بوليسي إستطلع آراء بعض المفكرين، فأشار الدبلوماسي الأمريكي  السابق نيكولاس بيرنز إلي إنه اذا لم تترك الصين والولايات المتحدة تبادل الإتهامات حول من السبب وراء الازمة، وتتعاملان مع الأزمة فإن مصداقيتهما ستتأثر، وإذا لم يستطيع الإتحاد الأوروبى حماية مواطنيه الخمسمائة مليون فإن الحكومات الوطنية ستسترد المزيد من القوى من بروكسل، وهذا الرأي قد يشير لإنهيار الإتحاد الأوربي .

 

اقرأ ايضا: دعم المصانع المتعثرة في ظل الثورة الصناعية الرابعة

 

اما روبين نيبليت مدير معهد “تشاتام هاوس” فقد رأي إن الكورونا القشة التي قسمت ظهر البعير للعولمة الاقتصادية، فصعود الصين الإقتصادي والعسكري حفز الولايات المتحدة لفصل نفسها عن الصين، ودفعها لحشد التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية لفك نفسها عنها، ولكن الصين إزدات قوة وحصانة، ودفع الفيروس الحكومات والشركات والمجتمعات لتقوية قدرتها لمواجهة الفترات الطويلة من الإنعزال علي الذات.

 

ويبدو في هذا الإطار ان العالم لن يعود لفكرة الإعتماد العولمى المتبادل الذي ساد في بداية القرن الحادي والعشرين.

 

اما جون ايكنبري استاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون فقد رأي انه علي المدي القصير ستعطي الأزمة دفعة للقوميين ومناهضي العولمة وأعداء الصين في العالم الغربي بالأخذ في الإعتبار الإنهيار الإجتماعي علي مستوي العالم، والضرر الإقتصادي الذي ينكشف يوما بعد يوم ربما يشابه ما بعد الأزمة المالية في ثلاثينيات القرن الماضي، وبناء نظام عالمي جديد يحمل ضمانات لحماية الدولة، ويدير الإعتماد المتبادل بشكل أكثر حماية للدول.  أو بمعني اخر ستخرج الديموقراطيات الغربية من قوقعتها وتعيد صياغة أفكارها.وتحاول البحث عن نماذج أكثر أمانا للتعاون المشترك .

 

اقرأ ايضا: جائزة "نوبل" للاقتصاد.. طفرة في استراتيجيات مكافحة الفقر

 

وفي مقالة نشرت في ٢٦ مارس الجارى في مجلة الإيكونوميست ذهب الكاتب إلى أن الدول الفقيرة قد تكون أشد تضررا إقتصاديا بالفيروس، ولكن لا توجد إحصائيات ولا نظام صحي وهنا تكمن الكارثة، وبدون حملة التباعد الإجتماعي سيصاب 25 : 80 ٪؜ من السكان.

 

في النهاية يجب أن ندرك النظام الإقتصادي العالمي الحالي علي وشك الإنهيار ويعقبه تحولات في موازين القوي الدولية، وقد يكون الرابح الشركات متعددة الجنسيات في الدول المنهارة، مع تراجع الولايات المتحدة وتفكك الإتحاد الأوربي، وتصاعد قوة الصين مع زيادة قوة الحكومات الوطنية التي نجحت أمام الأزمة، وزيادة القوانين والقواعد التي ستفرض داخل المجتمعات مع إدراك للبعد الاجتماعي، وإنتهاء سياسات النيوليبرال والبحث عن سياسات إقتصادية تدرك البعد الإجتماعي .

 

الجريدة الرسمية