رئيس التحرير
عصام كامل

جائزة "نوبل" للاقتصاد.. طفرة في استراتيجيات مكافحة الفقر


مؤخرًا أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عن جائزة نوبل للاقتصاد ٢٠١٩ لعلماء الاقتصاد الأمريكي "أبهجيت بانيرجي" و"إستر دوفلو" و"مايكل كريمر"، بسبب أبحاثهم نحو مكافحة الفقر كمشكلة تؤرق مستقبل الإنسانية، وصرحت الأكاديمية أن العلماء عملوا على معالجة الفقر بتقسيمه لقضايا أصغر وأدق في نطاق مثل التعليم والصحة لتحليل التحديات والتطوير..


وصرحت أن الفائزين لهذا العام وضعوا نهجا جديدا للحصول على أجوبة يُعتد بها بشأن أفضل السبل لمكافحة الفقر على مستوى العالم، وأن نتائج دراساتهم وتجاربهم الميدانية تتراوح بين مساعدة الملايين من تلاميذ المدارس الهنود ببرامج تعليم تصحيحية، وتشجيع الحكومات في أنحاء العالم على زيادة التمويل المخصص للعلاج الوقائي.

وصرحت "دوفلو" لمؤتمر صحفي في "ستوكهولم" عبر الهاتف قائلة: ”يبدأ الأمر من فكرة أن الفقراء غالبا ما يتم تحويلهم إلى مادة للرسوم الكاريكاتورية، وحتى الأشخاص الذين يحاولون مساعدتهم لا يفهمون في الواقع ما هي الجذور العميقة لمشاكلهم“. وأضافت ”هدفنا هو أن نتيقن من أن مكافحة الفقر ترتكز على أساس علمي“، موضحة أن النهج يتضمن تقييما لتأثير مشكلات تكون واضحة بشكل كبير في أغلب الأحيان كنقص الكتب المدرسية أو غياب المعلمين.

عمل العلماء من خلال برنامج أممي هو ”التعليم على المستوى الصحيح“، الذي ساعد نحو 60 مليون طفل في الهند وأفريقيا، ويعمل على تطوير مهارات الرياضيات والقراءة لتلاميذ المدارس الابتدائية، وأكدت "دوفلو" أن أهمية النهجين الأكثر شيوعًا في معالجة الفقر، المساعدات الخارجية وتحرير التجارة مع الدول الفقيرة، كانت في كثير من الأحيان ”موضع مغالاة“، في إشارة صريحة للحاجة إلى تعديل نهج السياسات الدولية الكلاسيكي لمواجهة الفقر بمواجهة المشكلات بمنظور أعمق.

أن أزمة البشرية في ٢٠٥٠ حيث إن عدد السكان في العالم سيصل إلى ٩.٦ مليار نسمة وسنحتاج إلى ما يعادل ثلاثة أمثال كوكب الأرض لتوفير الموارد الطبيعية والطعام لاستمرار أنماط الحياة الحالية، رغم أنه حاليا ٨٠٥ مليون شخص في العالم ليس لديهم غذاء كافي وبالتالي سيصبح الجوع والعطش إخطارا تواجه السلام العالمي.

إن تقارير المؤسسات الدولية وأهمها صندوق النقد الدولي التي تشير إلى انخفاض الفقر يعود إلى نجاح تجارب الصين والهند وليس لاستراتيجيات عالمية، فكما يقول "مارك زوكربيرج" مؤسس فيس بوك، إن الصين استطاعت خلال ٣٥ سنة الماضية تحقيق أهم طفرة في العالم من التحولات الاقتصادية والاجتماعية في تاريخ البشرية، ولقد انتقل مئات الملايين من البشر من الفقر بواسطة تدابير نفذتها الصين لتحقق في جهودها نحو محاربة الفقر ما لم تحققه دول العالم مجتمعة.

ويتجلى دور التعليم في مكافحة الفقر في تجربة الهند، ويطرح "امارتيا سن" عالم الاقتصاد الهندي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد ١٩٩٨ وجهة نظر وهي أن الغذاء لا يجري توزيعه في الاقتصاد عن طريق الصدقات وإنما بالعمل.. من خلال ملكية موارد أو القوة البشرية ولكن تدخلت التكنولوجيا والعلوم الإدارية مؤخرا لتشكل قيمة مضافة للاقتصاديات الناشئة نحو مواجهة أزمة الغذاء، وهناك نقطة أخرى يطرحها "سن" وهي أن أزمة نقص الغذاء قد تواجه طبقة اجتماعية غير مؤهلة دون غيرها، في حين لا تتأثر طبقات أخرى أو مهن أخرى، وهذا لا ينفي وجود الأزمة ذاتها، ولعل مجاعة البنغال ١٩٤٣ نموذج حي أثناء الحرب العالمية الثانية.

أن التغيير الديموغرافي الذي حل بإيريلندا في مجاعة القرن التاسع عشر جعل تعداد سكانها اليوم يقل عن عدد السكان قبل أزمة نقص الغذاء بسبب الهجرة، ولعل المهاجرين كانوا نخبة الشباب والمجتمع القادرين على التنمية.. وفِي رواية "الإنسان والسوبرمان" من تأليف "برناردشو" تحدث البطل عن مجاعة أيرلندا، فيقول إنها ليست مجاعة وانما الجوع لأن بلدا مليئا بالغذاء ويصدره لإنجلترا.. ببساطة انخفضت القدرة المالية لشراء الغذاء، واتجهت المنتجات الغذائية إلى إنجلترا حسب قوانين السوق الحر.. وهل كان الأسلوب الصحيح هو إيقاف التصدير لإنجلترا ؟؟.

بالطبع لا.. لأنه لا يقضي على جذور الأزمة، وانما تأهيل المجتمع لسد احتياجاته، ومن ثم القدرة الشرائية، والجدير بالذكر أن بريطانيا العظمى تجاور أيرلندا ولم تصبها المجاعة رغم فساد محصول البطاطس أيضا، ولكنها كان لديها اقتصاد قادر على المواجهة، ولم تكن توجه يد المعونة نحو أيرلندا لاعتبارها دولة معادية مما ساعد على زيادة الفقر والجوع.

إن ملاحظة "تشرشل" إزاء المجاعة في الهند البريطانية ١٩٤٣، أن سبب المجاعة ميل المواطنين للتنشئة وكأنهم أرانب.. في إشارة إلى قدرة المجتمع على مواجهة أعبائه الاقتصادية، ولكن بالتعليم والصحة تحققت المعجزة التنموية في الهند.

إن التجارب الناجحة لمواجهة الفقر تعد خارطة طريق بالاعتماد على التعليم والصحة، حيث إن نسبة المواطنين الذين يقعون تحت خط الفقر المدقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زادت من 2.6% في عام 2013 إلى 5% في عام 2015، أيضا زادت نسب الواقعين تحت خط حدة الفقر من 9.5 مليون مواطن إلى 18.6 مليون مواطن، مع إدراك تطوير التجارب حسب الثقافات المحلية التي قد تمثل عائقا نحو نجاح تجارب التنمية المختلفة.
الجريدة الرسمية