رئيس التحرير
عصام كامل

ديكتاتورية فيروس

أغمض عينيك وتخيل أن قرارا صدر من أعلى سلطة في الدنيا يمنعك من الخروج، ليس هذا فحسب بل يمنعك من مجرد "الهرش" أو ملامسة وجهك وفرض عليك ألا تصافح أولادك أو تزور أحبابك أو حتى تمارس عاداتك التى كنت تتعايش معها من مأكل وملبس ومشرب.

 

كل شيء محسوب وبدقة، خروجك من غرفتك أو دخولك إليها، العبث في ريموت التلفاز، الدخول إلى مطبخك ودون أن يضع عليك رقيبا إلا بقرار إن خالفته قد تفقد حياتك.

 

حياتك مقابل المخالفة دون أن يكون من حقك التظلم من القرار، فالقرار مشفوعا بالعقوبة دون تدخل من أحد، عزلة طوعية إجبارية مع مجموعة من القيود تبدأ بخصوصياتك ولا تنتهى عند حدود جيرانك أو حتى شركائك في الحياة، قد كنت تمل الوضوء خمس مرات في اليوم، الآن ووفق القرار الصادر أنت تتطهر بالكحول عشرات المرات، إن لمست بابا أو جدارا، إن مضيت إلى مطبخك أو مكتبك، عليك أن تضع يديك في جيوبك ولا ترفعها أو تحركها دون الضوابط المقررة.

 

اقرأ أيضا: ضرورة حظر التجوال

 

دع تواصلك مع الآخرين على بعد مترين أو أكثر، انسَ أن تهمس في أذن صديقك أو ابنك أو زوجتك، احرص على التباعد.. نعم التباعد بديل التواصل المعروف والمعهود، كل عادات العرب في الترحاب والسلام بتقبيل الأنف أو الكتف انساها تماما، لا تخرج من دارك دون وضع قفازات تخنق أصابعك، مع وضع كمامة تحبس أنفاسك أو تضبطها مع بقاء أي رذاذ داخلها، وقبل المضمضة اغسل يديك لمدة لا تقل عن دقيقة!!

 

أنت محاصر بالموت عقوبة المخالفة، رقيبك ذاتك، أنت حبيس داخل نفسك، سجن طوعي إجباري فالموت لمن أراد الحرية أو العيش وفق ما تعودت عليه، الخطر ليس في القرار وإنما في عقوبة مخالفة القرار، إن كنت تحب أطفالك فلا تعانقهم، وإن غاب عنك حبيب وقابلته فلا تصافحه، اكتفِ بترحاب عن بعد، طهر خضراواتك بالخل وفواكهك اتركها منقوعة في الخل والملح، وإن شعرت بحكة في عينيك أو أنفك حذار أن تقول ما حك جلدك مثل ظفرك!!

 

اقرأ أيضا: "الندالة" شعار الأسرة الدولية في مواجهة كورونا

 

متى ينتهى القرار.. لا أحد يعلم.. هل من منقذ.. الله أعلم.. أنت مجبر على الالتزام إذا كنت حريصا على البقاء، لن يضعوا قيدا على يديك أو شفتيك.. أنت صاحب القيد ولا غيرك سيحول دون أن تمارس حرية ثمنها الحياة.. صاحب القرار ليس ديكتاتورا من هؤلاء الذين تصوروا أنفسهم أصحاب القوة.. الديكتاتور نفسه يعيش نفس الحصار والسجن.. وصاحب القرار ليست أمريكا سيدة العالم، فسيدة العالم تئن الآن تحت رحمة القرار!!

 

لو كان صاحب القرار ديكتاتورا لهربنا إلى أرض لا سلطان له عليها، ولو كان صاحب عمل لتركنا شركته أو مؤسسته أو مصنعه.. لو كان الحبس زنزانة لحاولنا الهرب ولو كانت أسوارا لخططنا للقفز من عليها، صاحب القرار كائن لا يرى بالعين المجردة.. سبحانك.. سبحانك.. سبحانك ما أعظم شأنك.

 

الجريدة الرسمية