رئيس التحرير
عصام كامل

سد النهضة.. المفاوضات تعود للمربع "صفر".. إثيوبيا تلجأ لسيناريو "الانسحاب".. ومصر تؤكد التزامها بـ"دبلوماسية النفس الطويل"

سد النهضة
سد النهضة

«خطوة للأمام.. وعشر خطوات للوراء».. من هنا يمكن المضى قدمًا للحديث عن الموقف الإثيوبي الرسمى، من محادثات «سد النهضة».

إنسحاب مفاجيء

فـ«أديس أبابا» التي قبلت بالجلوس على طاولة التفاوض مع القاهرة، في حضور الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى، وأبدت مرونة طوال الاجتماعات الماضية، فاجأت الجميع بقرارها التغيب عن الاجتماع الأخير في واشنطن.

وهو ما دفع وزارة الخارجية المصرية، لإصدار بيان أكدت فيه أن «كافة أجهزة الدولة المصرية ستستمر في إيلاء هذا الموضوع "الاهتمام البالغ الذي يستحقه في إطار اضطلاعها بمسئولياتها الوطنية في الدفاع عن مصالح الشعب المصري، ومقدراته ومستقبله بكافة الوسائل المتاحة».

وكانت وزارة المياه الإثيوبية، قد أبلغت في وقت سابق الولايات المتحدة الأمريكية عدم مشاركتها وانسحابها من الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة التي تم عقدها في العاصمة الأمريكية واشنطن ومقاطعتها، والتي تتوسط فيها الولايات المتحدة بين أطراف التفاوض.

تداعيات

وأرجعت إثيوبيا قرارها بالانسحاب من المفاوضات الأخيرة إلى استكمال مباحثاتها الداخلية مع المختصين حول مسودة الاتفاق، وهذا الغياب له الكثير من التداعيات والتأثيرات على مصر، لترد الأخيرة على هذا الانسحاب ببيان دبلوماسى شددت فيه أيضا على التزامها بالمسار التفاوضي، الذي ترعاه الولايات المتحدة حول سد النهضة.

وأن «مشاركة مصر في الاجتماع تأتي اتساقا مع النهج المصري الذي يعكس حسن النية والرغبة المخلصة في التوصل إلى اتفاق نهائي حول ملء وتشغيل سد النهضة».

سوء نية 

من جانبه.. قال الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية:  الغياب الإثيوبي يعبر عن سوء نية وعدم وجود إرادة سياسية لتوقيع اتفاق من جانبهم وهو أمر واضح منذ بدء المفاوضات وتكوين اللجنة الدولية الأولى عام 2012.

مضيفا: الغياب الإثيوبي عن مفاوضات واشنطن الأخيرة هو انتهاك من إثيوبيا لإعلان المباديء الموقع عام 2015 ويعرض منطقة شرق النيل إلى حالة صراع، خاصة وإن اديس أبابا تتبنى موقفا من خلال سد النهضة خارج القوانين والأعراف الدولية.

وأشار إلى أن التهرب الإثيوبي من أي اتفاق مع مصر بخصوص سد النهضة بدأ منذ انطلاق المفاوضات قبل 9 سنوات حيث لا تريد إثيوبيا الالتزام وتريد فرض أمر واقع من جانبها فقط والتحكم في تدفقات النيل الأزرق، وهو أمر مخالف لكل القوانين والأعراف الدولية ويعرض مصر لمخاطر كبيرة ويعطي مصر حق الدفاع المشروع عن النفس في الوقت الذي تراه ومصر تتمسك حتى الآن بالحلول الدبلوماسية والسلمية.

الموقف السوداني

ونوه رسلان إلى الموقف السوداني من التوقيع على الصيغة النهائية للأتفاق النهائي في واشنطن، واصفا إياه بغير المفهوم بعد أن رفضت الخرطوم التوقيع على الاتفاق الذي تم صياغته دون وجود لإثيوبيا، رغم أن توقيع السودان كانم من الممكن أن يدفع إثيوبيا إلى العودة لطاولة المفاوضات مرة أخرى.

وأكد أن ادعاء إثيوبيا تغيبها عن المفاوضات انتظارا لانتهاء عملية الانتخابات البرلمانية هو أمر غير منطقي، لأن الانتخابات الإثيوبية قائمة على الصراعات الأثنية وقد تحدث اضطرابا داخليا هناك وليس استقرار سياسيا، وكان يمكن لرئيس الوزراء ابي أحمد أن يعرض الصيغة النهائية لأتفاق واشنطن على البرلمان الحالي.

وتابع «رسلان»: موقف مصر ثابت منذ بدايات الأزمة، حيث أنها تؤكد رغبتها في الحفاظ على حالة التعاون في حوض النيل الشرقي واقتسام المصالح والتشارك في التنمية، كما يعبر الموقف المصرى عن المعادلة المعروفة التي تشير إلى أن «التنمية من حق إثيوبيا، والحياة من حق مصر».

مخاطرة 

وكشف الخبير الإستراتيجي، أن السلوك الإثيوبي وضع الأمر على مفترق الطرق وهو يحمل مخاطرة كبيرة، بجانب أنه يضع المنطقة بأكملها بخطر الانزلاق إلى حالة صراع، موضحًا أنه «لا يمكن فرض عقوبات على الحكومة الإثيوبية جراء ذلك الانسحاب أو الخروج من المفاوضات، لأنه لم يتم عرض الأمر على مجلس الأمن أو هيئة دولية.

لكن الموقف الإثيوبي الجديد يعري حقيقة توجه أديس أبابا أمام العالم كله ويوضح مدى توازن الموقف المصري، كما أنه من المبكر التنبؤ بموقف مصر خلال تلك الفترة حتى يتم الانتهاء من المشاورات بين مصر وواشنطن والبنك الدولي، وإعلان الموقف الأمريكي والبنك الدولي».

وأكمل: الموقف المصري سوف يتبلور خلال الفترة المقبلة، لكن الإعلان الأولى لمصر هو التمسك في الاستمرار بالتفاوض بغض النظر عن غياب الوفد الإثيوبي، وتعليق إثيوبيا موقفها على الوضع الداخلي لهم والانتهاء من الانتخابات، محض تحايل مكشوف وفج من جانبها؛ وذلك لأن الأوضاع الداخلية في إثيوبيا مضطربة ولن تنتهي مع الانتخابات التي من المقرر عقدها في أغسطس المقبل والتي تم تأجيلها بسبب الظروف الإثيوبية التي تمر بها من أعمال عنف وفتنة طائفية والنزوح لملايين الأشخاص من مواطنهم الأصلية نتيجة أعمال العنف، وكل ذلك يشير إلى أن الوضع مضطرب.

ولهذا يمكننى القول أن هذه الأسباب ما هي إلا غطاء لتتمكن إثيوبيا من ملء السد وفرض الأمر الواقع على السودان ومصر، ويجب علينا عدم التعجل في الرد، بل لا بد أن يأخذ الموقف حقة من الدراسة وفحص جميع المتغيرات لكي يتم تقرير الخطوة المناسبة،

ووصف «رسلان» أداء الموقف المصري التفاوضي المدعوم من أجهزة الدولة بـ« رفيع المستوى» ويتفق مع موقف مصر، والذي حاز على تأييد البنك الدولي والطرف الأمريكي، واستطاع أن يحرج إثيوبيا ويضعها في حالة العجز، لذلك اضطر الجانب الإثيوبي الغياب عن تلك المفاوضات؛ لأنه ليس لديه جديد يقدمه داخل قاعة التفاوض يستطيع أن يدافع به عن مواقفهم التي تعبر عن سوء النية.

مفاوضات واشنطن 

بينما أكد الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة أن البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية بشأن الأتفاق النهائي لسد النهضة وتغيب إثيوبيا في مجمله يشير إلى أن اتفاق واشنطن لسد النهضة هو اتفاق إطارى يشبه إلى حد كبير اتفاق إعلان مبادئ سد النهضة الذي وقعته مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015، ويؤكد على ضرورة الاتفاق قبل الملء والتشغيل الذي يعتمد على وضع قواعد لهما.

ولم تظهر تفاصيل تلك القواعد التي هي جوهر الخلاف حتى الآن والتي من المتوقع أن تكون منعت إثيوبيا من حضور الاجتماع الأخير لتوقيع الاتفاق.

وأضاف أن البيان في مجمله يعتبر مقبولًا في الوقت الحالى حيث يؤكد على المبادئ المتفق عليها من قبل خاصة عدم الضرر وضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الملء والتشغيل، كما لم يذكر البيان مبدأ التعاون كما جاء في إعلان مبادئ سد النهضة بالبند الخامس الذي ينص على: "مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد" والاتفاق على قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي.

وأكد أن البيان في صيغته اعتمد إلى حد كبير على بنود اتفاق إعلان مبادئ سد النهضة 2015 بالإضافة إلى المفاوضات الأخيرة، وأن موافقة مصر على الاتفاق، والتوقيع بالأحرف الأولى يثبت التزامها بالاتفاق وتأكيدًا لجديتها، وأن التفهم الأمريكي لعدم حضور إثيوبيا الاجتماع الأخير ودعوتها للانتهاء من التشاور في أسرع وقت، دون تحديد موعد، وعدم الاتفاق يعنى عدم تشغيل السد إلا قبل العودة إلى طاولة المفاوضات والوصول إلى حل منصف وعادل.

ولفت إلى أن إصرار الجانب الإثيوبي على عدم الحضور خلال الأسابيع المقبلة دون أسباب حقيقية  يعني أن مصر قد تحصل على تأييد أمريكي في اللجوء إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة إن لزم الأمر.

مماطلة

من جانبه قال الدكتور نبيل حلمي، أستاذ القانون الدولي: انسحاب إثيوبيا من مفاوضات سد النهضة يؤكد تعنتها ومماطلتها في الوصول إلى حل سلمي للقضية، والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها راعية للمفاوضات ووسيط بين الأطراف المتفاوضة يجب عليها إصدار تقرير للعالم يكشف ما دار في هذه المفاوضات وتسجيل انسحاب الجانب الإثيوبي وتمسك مصر بحل النزاع بالطرق القانونية والسلمية.

وهذا التقرير يعتبر ورقة دبلوماسية يمكن لمصر من خلالها كشف التعنت الإثيوبي في المفاوضات لدول العالم.

وأضاف أن «إثيوبيا أنهت مفاوضات سد النهضة بإنسحابها خلال المرحلة الأخيرة من هذه المفاوضات وهي مرحلة الصياغة والتوقيع على ما تم الاتفاق عليه وهو بمثابة إعلان فشلها، ولذلك يجب على مصر أن تلجأ إلى الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي للضغط على إثيوبيا من أجل القبول بحل عادل يحفظ حقوق مصر المائية وبما لا يضر بالسلم والأمن في أفريقيا.

كما يجوز لمصر الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لأخذ الرأي القانوني والذي من خلاله يمكن اللجوء إلى المحكمة الدولية وإصدار رأي افتائي يمكن من خلاله التقدم إلى مجلس الأمن لإصدار توصية أو قرار ملزم لإثيوبيا يدعوها إلى مراعاة حقوق مصر في نهر النيل، وتعطيش مائة مليون مصري يهدد السلم والأمن الدوليين وبالتالي على مجلس الأمن التدخل باعتبار ذلك من مهامه الأساسية، ويمكن لمصر الاحتكام إلى اتفاقية الأنهار الدولية بما يحفظ حقوقها في مياه النيل وهي اتفاقية ملزمة لجميع دول العالم التي تشترك في أنهار». في حين أكد الدكتور محمد عطا الله شعبان، أستاذ القانون الدولي، أنه يجب على مصر إبلاغ الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي بانسحاب إثيوبيا من المفاوضات باعتبارهما الوسيط في هذه المفاوضات، مشيرًا إلى أنه يمكن لمصر اللجوء إلى الأمم المتحدة مباشرةً لعرض قضيتها وإصدار قرار من الجمعية العامة يحفظ حقوقها المائية، وحول إمكانية إدخال أطراف أخرى وسيطة في المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، قال «عطا الله» إن «الوسيط الأمريكي قوي ولديه من الآليات الكثير لإجبار إثيوبيا على العودة للمفاوضات، وبالتالي لا داعي لإدخال أطرف أخرى وسيطة في القضية، ومن مصلحة واشنطن استقرار مصر في منطقة الشرق الأوسط التي تموج بالاضطرابات ولا تحتمل المزيد من النزاعات»، موضحًا أيضا أن سيناريو «التحكيم الدولى» أنه يستلزم موافقة الطرفين المتنازعين حتى يكون الحكم ملزمًا لإثيوبيا، أما إذا كان من طرف واحد فيعتبر رأيًا استشاريًا فقط وليس ملزمًا، وتابع «عطا الله»: لا أتوقع موافقة إثيوبيا على اللجوء للتحكيم الدولي لأنها تعلم أن الحكم لن يكون في صالحها وبالتالي لن تقدم على هذه الخطوة، مع الأخذ في الاعتبار هنا أن حكم التحكيم الدولي حتى ولو كان مجرد رأي استشاري لكن يمكن البناء عليه في حال اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة لإصدار قرار أممي في هذا الشأن، والاتفاقيات السابقة التي وقعت عليها مصر في صالحها وتحفظ حقوقها في مياه النيل ولا تنتهي بالتقادم، وعلى الجامعة العربية تحريك القضية على المستوى الدولي، كما شدد على ضرورة تشكيل لجنة من أساتذة القانون الدولي والدبلوماسيين الأكفاء وخبراء المياه لبدء التحركات الدولية وعرض القضية أمام المجتمع الدولي وإثبات التزام مصر بالمفاوضات والطرق القانونية والدبلوماسية لحل الأزمة وبما يحفظ حقوق الشعب المصري وإظهار مماطلة إثيوبيا وعدم وفائها بتعهداتها الدولية أمام العالمز وبرلمانيًا.. قال الدكتور حسن بسيونى، عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان،: إعلان إثيوبيا بانسحابها من تلك المفاوضات الأخيرة، هو تكرار لمواقفها السابقة باعلانها الانسحاب من جولات المفاوضات، وذلك يؤكد سوء نيتها تجاه أزمة السد وتمسكها بمصلحتها فقط دون النظر إلى مصالح باقى الدول والشعوب، وللأسف يمكننا أن نقول أن إثيوبيا نجحت في إفشال مسار المفاوضات حتى الآن باستخدامها أساليب المراوغة والتحايل، مستغلة في ذلك حسن نية مصر، وحول مصير مستقبل المفاوضات، أكد عضو مجلس النواب، أنه هناك تأييد وتفويض شعبى وبرلمانى للقيادة السياسية في اتخاذ الطرق والوسائل المتاحة للحفاظ على حقوق مصر التاريخية من مياه النيل.  بينما قال الدكتور هشام مجدى عضو لجنة الشئون الأفريقية، بمجلس النواب: «موقف انسحاب إثيوبيا من المفاوضات الأخيرة، لا يمكن وصفه بالخلافات أو انهيار المفاوضات، كما أنه لن يكون نهاية المطاف، وأتوقع عودة المباحثات والمفاوضات مرة أخرى، في ظل ثقتنا في القيادة السياسية المصرية، التي تمسكت منذ بداية الأزمة، بالطريق الدبلوماسي بما يحافظ على حقوق مختلف الأطراف، كما أننا لسنا ضد التنمية في إثيوبيا بل نؤيدها وندعمها بما لا يمس حقوقنا في المياه، ونلتزم بكافة المعاهدات والمواثيق الدولية في ذلك الأمر، وهو ما يؤكده باستمرار الرئيس عبد الفتاح السيسي»، وأضاف: حال نفاد المحاولات التفاوضية، سيكون من حق مصر اللجوء للقوانين الدولية والمطالبة بتطبيقها أمام المحكمة الدولية، وهو أمر لا بد أن يكون بموافقة مختلف الأطراف، وإن كان لدى ثقة كبيرة بأننا لن نصل إلى ذلك، لا سيما أن القيادة السياسية في البلدين تتفهم ذلك، هذا إلى جانب ثقتى الكبيرة في المفاوض المصرى.

الجريدة الرسمية